خاص: إعداد- سماح عادل
هو الكاتب الفلسطيني “إبراهيم عبد الجبار الزنط” الذي ولد في مدينة المجدل عسقلان, جنوب فلسطين, لعائلة تعمل في حرفة النسيج اليدوي, ونزح مع أهلة قسرا إلى قطاع غزة اثر نكبة فلسطين في العام 1948, وعاش في مخيمات اللاجئين في مدينة غزة.
حياته..
ولد في الرابع من نيسان/ أبريل 1948 في مدينة المجدل، وكان سادس أخوته العشرة لوالد يعمل تاجراً للحبوب والمواد التموينية. لجأت عائلته في عام نكبة فلسطين (1948) إلى مخيم الشاطئ بمدينة غزة، وكان عمره آنذاك أقل من سنة. نشأ وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة هاشم بن عبد مناف (الهاشمية) ودرس الإعدادية في مدرسة غزة الجديدة للاجئين بمخيم الشاطئ.
أنهى دراسته الثانوية في مدرسة فلسطين عام 1965. غادر غزة والتحق بكلية الزراعة في جامعة أسيوط، ثم انتقل إلى جامعة الإسكندرية، ونال شهادة البكالوريوس في (الاقتصاد الزراعي) عام 1969م، بتقدير جيد جداً.
رفضت قوات الاحتلال السماح له بالعودة إلى القطاع بعد نكسة حزيران سنة 1967. وسافر إلى الأردن وانخرط في صفوف حركة فتح عام 1970 وبعدها انتقل إلى سوريا وعمل في مؤسسة “استثمار حوض الفرات” شمال سوريا. عاد إلى الوطن بعد اغتراب قسري، بواسطة طلب (جمع شمل العائلات).
بدأ حياته العملية مدرساً في حقل التعليم لطلبة الثانوية العامة خلال الأعوام (1974-1994). وحصل على دبلوم الدراسات العليا من معهد البحوث والدراسات الإسلامية بالقاهرة عام 1983. بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، عمل عسقلاني في وزارة الثقافة الفلسطينية، مديراً للإبداع الأدبي، وناطقاً إعلامياً لمعرض فلسطين الدولي للكتاب، ومديراً لدائرة الإعلام الثقافي، ومشاركاً في الكثير من النشاطات الثقافية في فلسطين وخارجها، ومثَّل فلسطين في موسم ربيع الثقافة الفلسطينية في باريس عام 1997.
شارك في سلسلة من الأعمال التطوعية منذ عام 1976، والتي كانت تنظمها جمعية الهلال الأحمر مع العديد من البلديات والجامعات في الضفة الغربية وأراضي عام 1948، مثل: (جامعة بيرزيت، وبلدية الناصرة).
أعماله..
صدر له: (رواية الطوق) و(زمن الانتباه)، و(نجمة النواتي 1999)، و(جفاف الحلق 1999)، و(زمن دحموس الأغبر )2001، و(ليالي الأشهر القمرية 2001)، و(عودة منصور اللداوي 2002)، و(أزمنة بيضاء 2005)، و(ضفاف البوح 2006)، و(الأميرة البيضاء 2007)، و (أولاد مزيونة 2009)، و(هل رأيت ظل موتي 2011)، و(المنسي 2016).
وفي القصة صدر له: (الخروج عن الصمت 1979)، و(مجموعة حكايات عن براعم الورد 1991)، و (النورس يتجه شمالاً 1996)، (وغزالة الموج 2003)، و (عزف على وتر قديم 2005، ومذاق النوم 2010). بالإضافة إلى( أول المرايا، ومقامات الوجد، والعزف على الوتر الثامن، وغناء لقمر بعيد، والتي ضمها كتاب أعماله القصصية الكاملة الذي صدر عام 2017).
وقد شارك عسقلاني بقصص قصيرة في أكثر من مجموعة مشتركة باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وكذلك في موسوعة الأدب الفلسطيني الحديث في الولايات المتحدة الأميركية باللغتين العربية.
اسم سري..
في حوار معه أجرته الكاتبة “صبيحة شبر” يقول “غريب عسقلاني”: عن كتابة الأدب باسم سري: “ولد غريب عسقلاني في بداية السبعينات, عندما كنا نتلمس في الكتابة وسيلة نضالية إلى جانب الكفاح المسلح، في مواجهة العدو المحتل, وانبثق غريب عسقلاني اسما أدبيا سريا، من خاصرة إبراهيم الزنط ليكتب على صفحات المجلات والجرائد, ولكن سرعان ما اكتشفوه ودفع بصاحبه إلى السجن، حيث أخذت المواجهة طابعا علنيا, وأصبح غريب عسقلاني هو العنوان حتى يعود الغريب إلى مسقط رأسه”.
وعن بداية الكتابة الأولى يضيف: “كانت البدايات الأولى في البيت والحارة والمدرسة والسوق, كانت الأسئلة تنقر رأس الطفل والفتى والشاب, ما معنى أن أكون لاجئا, وما معنى أن أكون من مدينة المجل، وأعيش في غزة محروما من العيش فيها, وما معنى أن أناضل من أجل الحصول، على وجبة غذائية في مركز التغذية، التابع لوكالة غوث اللاجئين, ومن هي هذه الوكالة، ومن وكلها. وما معنى أن أعيش في مخيم الشاطئ وغيري ينعم بالماء والكهرباء في المدينة, وما.. وما .. وما.
هذه الأسئلة فتحت الباب على مصراعيه، للمكابدة والبحث عن الإجابات الشافية. والبحث عن وسيلة توصيل الإجابات. في البداية ظهرت قدرة الطفل والفتى في مواضيع التعبير, وكان تشجيع الأب والمعلم, ما دفع الفتى إلى الكتب والصحف والدوريات المتاحة على شحتها, مرحلة الستينيات والسبعينيات الأولى وشكلت الصحف والدوريات المصرية، زادا أساسيا في معرفة الفتى. وانفتحت أمامه بوابات جديدة تفضي إلى أسئلة تتناسل عن أسئلة.
أين أنا من هذا العالم السحري الفني مترامي الأطراف؟
هكذا كانت البدايات، حيث وجد الفتى ملاذه في القصة القصيرة، يدبجها ويحتفظ بها ولا يجرؤ على نشرها. ثم أخذته الجرأة ونشر في الصحف والمجلات الفلسطينية, فوجد من يشجعه, ويأخذ بيده لتبدأ الرحلة”.
قيادة الجماهير..
وعن دور الأديب في قيادة الجماهير يقول: “لا أعتقد أن دور الأديب هذه الأيام، هو قيادة الجماهير, ولكن دوره هو عكس نبض الجماهير، في كتاباته ليستفيد منها العاملون، في مجال القيادة من جهة وليرى الناس أنفسهم فيها. ويحضرني في هذا المجال روايتي الأولى (الطوق) التي سربت إلى المعتقلات، كانت رفيقا محبوبا عند المعتقلين، على اختلاف توجهاتهم الفكرية من جهة, ومثار إعجاب القائد في فتح (أبو جهاد) الذي طلب من الكاتب والإعلامي (يحي رباح)، توصيلها إلى أكبر عدد من القراء, وهي رواية على ما فيها من قصور البدايات، كانت تتعامل مع حالة نضالية في الوطن”.
القمع السياسي..
في حوار ثان معه أجراه “د. محمد بكر البوجي” يقول “غريب عسقلاني”
عن تأثير القمع السياسي على الكتابة الإبداعية: “القمع السياسي يضع المبدع في حالة تحفز وحضور دائمين، ويوقظ لديه حاسة التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور وما ستكون عليه ردود فعل السلطة المضادة القامعة (الاحتلال)، وبالتالي تفرض عليه البحث عن بدائل لطرح الأفكار والتفاف حول تأويلات السلطة، ومن هنا يكتنف الحالة الإبداعية حالات من الخوف والتوجس، ويولد ردود أفعال للبقاء أطول وقت ممكن خارج قبضة السلطة القامعة. كل ذلك يقيد الكفاية الإبداعية ويزج المبدع في دوائر قد لا تكفي لتوصيل ما يريد.
السجن والكتابة: السجن تجربة فريدة مميزة تضع الكاتب في واقع مختلف ويواجه خلاله أساليب غريبة غير متوقعة تهز لديه الثوابت اليومية للحياة المستقرة خارج السجن، وتفقده ارتباطه الاجتماعي، وتضعه أمام قدره في قبضة الجلاد وهنا الحديث عن السجن السياسي، وعليه فلا بد أن يكون السجن تجربة لها خصوصيتها.
عليه أن يستفيد منها أثناء الكتابة. واعتقد أن الكتابة داخل السجن تختلف كثيرا عن خارجه، حيث تكون الكتابة داخل السجن لها طابعها المباشر والتحريضي وتلجأ إلى المواجهة المباشرة، وتتمركز حول التحصين الذاتي من الانهيار وقد تكون عبارة عن ردود أفعال لما يلاقيه السجين من اضطهاد وتعذيب. أما الكتابة بعد الخروج من السجن فتكون أكثر شفافية وأكثر وعيا وعمقا لأنها تستقطر التجربة بأبعادها الإنسانية لأن الكاتب سيكتب بكثير من الحيادية ويكون في مواجهة إعادة اكتشاف الحالة بافتراض أنه يتناول التجربة من الخارج في دائرة معارفه الحقيقية”.
مشاكل النشر..
وعن مشاكل النشر في عهد الاحتلال الإسرائيلي من 67- 1994 يحكي: “في حالات القمع يبحث الكاتب عن البدائل، ولعل الرمز في هذه الحالة الملجأ القريب والغريب والثري في التعامل مع القامع لما يوفر فن فرض التأويل عند المواجهة. فقد ظهرت في كتاباتنا رموز مثل الغربان والبوم والريح الصفراء والناب المعقوف والناب الأزرق.. إلخ من رموز اتكأنا عليها عندما طرحنا الآخر في التعامل مع الكتابة.
الرمز ضرورة فنية في كثير من الحالات ولكنه أداة التفاف في مواجهة السلطة القاهرة سياسية كانت أم مدنية اجتماعية وهناك مجال للرمز قد يكون مسربا آخرا لإعادة رصد الواقع وحتى الاعتماد على الأسطورة وإعادة إنتاجها أو الغوص في حكايات التراث وأحداثه وإعادة طرحه برؤية دالة رامزة إلى واقع الحال مستكشفة الأفاق المستقبلية.
النشر مشكلة عامة في الوطن العربي، وقد تكون في العالم الثالث، لأن القضية تدخل في نطاق الجدوى الاقتصادية لدى الناشر ومدى قدرته على تسويق سلعته، لذلك إذا لم يتوافر دور نشر تأخذ على عاتقها الطباعة والنشر والتوزيع يظل الكاتب المبدع. في دوامة البحث عن عرض ما يكتب على جمهور القراء وجمهور قراء الأدب”.
وفاته..
توفى في مدينة غزة، يوم الثلاثاء 21 يونيو 2022 الكاتب “إبراهيم عبد الجبار الزنط”، والشهير بلقب “غريب عسقلاني”، عن عمر يناهز 74 عاما.