18 ديسمبر، 2024 6:15 م

الضبابية والصدمات في السياسة النفطية

الضبابية والصدمات في السياسة النفطية

سبق و ان اطلقت هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة في الثاني عشر من شهر حزيران من عام ( 2012 ), هدفها رسم سياسة نفطية جديدة لغاية  عام( 2030), متضمنة تصحيح مسارات  الصناعة النفطية التكريرية و صناعة الغاز بشكل خاص وبما يتناسب مع خطط ومشاريع شركاءها في قطاع الطاقة. وبالرغم من اصدارها وتوجيه رئيس مجلس الوزراء باعتمادها من قبل الوزارات المعنية في  13 مايس عام 2013 ،  لم يتم مع الاسف اعتمادها من قبل وزارة النفط  في مراجعة عقودها في النفط والغاز لغرض تقويمها. واستعرضت الاستراتيجية ايضا  بيانات وزارة النفط من مقدار الاحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي في المكامن  النفطية والغازية الذي يقدر بحدود  (131) ترليون قدم مكعب منها ( 98.3 ) ترليون قدم مكعب الاحتياطي  للغاز المصاحب الذي يمثل نسبة ( 75%) من الاحتياطي الاجمالي للغاز الطبيعي, الذي وصلت كمية انتاجه على ضوء أنتاج (4) مليون برميل في اليوم من النفط الخام بمقدار (2400) مليون  قدم مكعب في اليوم باعتماد نسبة انتاج الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخام بمقدار (600) قدم مكعب غاز مصاحب لكل برميل نفط خام منتج.
و يمثل ملف الطاقة الركن الاساس للاستقرار السياسي و الاقتصادي في العراق  كونه مصدر الثروة الوحيد تقريباً، فالموازنات المالية العامة تعتمد اساسا على مردوداته المالية، ما يستدعي تكثيف الجهود للارتقاء به، ومعالجة ما يعتري صناعته من مشاكل. لذلك فانه  يحتاج الى إدارة فعّالة وحكومة قوية، اضافة الى السعي الجدي لتشريع قانون النفط والغاز الذي ركنته التجاذبات السياسية على رفوف البرلمان لسنين، ولغرض الارتقاء في اداء هذا القطاع فانه يتطلب:
1-إعادة النظر في عقود جولات التراخيص التي اظهر انخفاض أسعار النفط هشاشتها. حيث ان كلف انتاج المتوسط الموزون لعقود الخدمة  للحقول المنتجة الجديدة و كما يلي:
كلفة انتاج شركات عقود التراخيص , بمعدل انتاج اليومي 3 مليون برميل في اليوم بكلفة انتاج المتوسط الموزون 9.6 دولار لكل برميل :
(1.4 الكلف الاستثمارية+7 دولار الكلف التشغيلية+1.2 دولار ارباح الشركات النفطية).
-كلفة الانتاج الوطني, بمعدل انتاج يومي بمقدار 700 الف برميل يوميا و بمعدل كلفة 1.25 دولار لكل برميل.  
-كلفة عقود المشاركة في اقليم كردستان, و  بمعدل انتاج  اليومي 650 الف برميل بمعدل كلفة 20 دولار لكل برميل. 
2-  اتفاق منظمة دول الأوبك على تخفيض الإنتاج، كانت له تأثيراته على أسعار النفط في السوق، من خلال الزيادة الملحوظة في الأسعار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والاتفاق كان له وزنه في متغيرات السوق، بالرغم من أن انتاج دول المنظمة ، لا تشكل إلا قرابة الثلث من الإنتاج العالمي. والعبرة تكمن في استمراره و التزام الدول المنتجة بحصصها. ومن الملاحظ في هذا السياق، أن العراق اصبح نقطة التوازن في المنظمة ولاعباً مؤثراً، سيزداد تأثيره بفعل إنتاجه وتصديره وزيادة احتياطاته وعلاقاته.
ان الانخفاض السريع او “الصدمة” في إيرادات تصدير النفط كانت تبعاته سيّئة على الدول الأعضاء في اوبك خلال السنوات الماضية و أصبح عاملاً مؤثرا في استقرارها السياسي و الاقتصادي, و خاصة من الصدمة الاعنف و الاخيرة في عام ٢٠٢٠  والتي افقدت العراق عائدات بمعدل 40 دولاراً في اليوم لكل برميل نفط خام مصدّر, حيث ان خسارة دولار واحد عن كل برميل مصدر تعني خسارة الايرادات النفطية مبلغا سنويا مقداره واحد مليار دولار. ولقد كان  متوقعا في ضوء هذه الصدمات ان تعتمد ادارة منظمة اوبك آلية واضحة لاستشعار الوضع السعري لسوق الطاقة العالمي في مراحله المستقرة والمتأرجحة بناء على استقراء حجم المعروض الخزني الحقيقي او “الوهمي” , وان لا تعمل بسياسة اطفاء الحرائق في امتصاص الصدمات بأن تلجأ لإلزام البعض من الاعضاء المنتجين الكبار بسقوف انتاجية محددة لتقليل تخمة المعروض و تعديل اسعار النفط في سوق الطاقة.
 لقد كشفت هذه الصدمة المميتة غياب دور منظمة اوبك في المساهمة في استقرار سوق الطاقة العالمي, حيث كان ممكنا ان تستعيد اوبك عافيتها و تفرض الالتزام بقراراتها لو أنّها اصغت الى اصوات من داخل المنظمة  طالبت بتعديل سياستها النفطية وتحصين المؤسسات التسويقية لاعضائها من مرضها تحسبا لتعرضهم “لصدمات” مميتة. 
كما ان الادارات  العراقية  تتحمل مسؤوليّة الانهيار في الايرادات النفطية السابقة  بسبب تاخرها و تقاعسها عن التنسيق الجانبي مع المملكة العربية السعودية كونها المنتج الاكبر في المنظمة ومع روسيا كونها  الشريك الاكبرمن خارج المنظمة لايقاف حرب الاسعار.
3-ان تشريع قانون النفط و الغاز اصبح ضرورة اساسية لادارة انتاج النفط و الغاز و تطويرهما ، وخسر العراق فرصة تأريخية بعدم تمرير القانون الذي أقره مجلس الوزراء في شباط 2007،  فقد خضع لسجالات سياسية أضاعت توفير اطار قانوني وإداري للثروة النفطية, و اصبح القانون بصيغته القديمة، غير مجديا الآن. حيث يحتاج تفكيك القانون الى مفاصل أساسية ثلاثة: الأول ، تنظيم العلاقة بين المركز والإقليم والمحافظات المنتجة، والثانية تنظيم الاستثمار الوطني في القطاع النفطي، والثالث تنظيم الاستثمار الأجنبي.
4-الصناعة النفطية و استراتيجية وزارة النفط الاستخراجية.
ان وزارة النفط ركزت في استراتيجيتها على تطوير قطاع استخراج النفط الخام وزيادة انتاجه لغرض الوصول الى اعلى طاقات متاحة من خلال جولات التراخيص ، ولم تول الوزارة اهتمامها في الصناعة النفطية المتمثلة بصناعة المشتقات النفطية والغاز والتي تمثل الامن القومي والاستراتيجي للطاقة والصناعة والذي تتوقف عليها اساساً انتاج الطاقة الكهربائية و البتروكيمياويات والصناعات الاستراتيجية الاخرى. 
حيث ان الشركات العالمية المتخصصة الاستثمارية النفطية ابتعدت عن المشاركة في بناء وتطوير صناعة المشتقات النفطية في العراق لشعورها بعدم الجدية من قبل قطاع النفط  العراقي المعني بسياسة تطوير هذه الصناعة وتبنيها لسياسة زيادة انتاج وتصدير النفط الخام واستنزاف مكامنه .إن عدم تنفيذ وزارة النفط بالتزاماتها بتوفير المشتقات النفطية والغاز, دفعها الى استيراد المشتقات من زيت الوقود (الكازأويل) بمقدار10  مليون لتر/يوم, و استيراد 9 مليون لتر/ يوم  من البنزين المحسن، و بسبب هذا الفشل يخسر العراق من موازنته الاتحادية ما مقداره 4 مليار دولار سنويا .
ان مجلس الوزراء العراقي سبق وان وافق في عام (2008) على انشاء ثلاث مصافي في (كركوك والعمارة وكربلاء) بسعة (150) الف برميل/ يوميا  وتكليف شركة (شو) الامريكية على اعداد التصاميم بمبلغ (150) مليون دولار. اضافة الى تكليف شركة فوستر ويلر الامريكية بانجاز تصاميم مصفى الناصرية بكلفة 150 مليون دولار ليكون بسعة 300 الف برميل والذي تم الغاؤه و تحويل موقعه الى مدينة الفاو الصناعية لاحقا.و بسبب تاخير التنفيذ لهذه المشاريع, اصبحت هذه التصاميم غير مناسبة و هدرت اموالها و الجهود التي اعدتها. 
وتامل حاليا الشركات المتخصصة في الصناعة النفطية خاصة في بناء المصافي الاستثمارية الكبيرة مشاركتها في بناء مشاريع الاستثمار في قطاع الصناعة النفطية العراقي الذي لا يزال غامضا وخجولا, بنهوض الدولة بهذا القطاع من خلال:
( التفعيل الجدي لقانون الاستثمار للمشتقات النفطية ) ، وتشجيع الشركات المتخصصة للمساهمة في تطويره. حيث ستستمر معاناة قطاع الكهرباء و القطاع الصناعي و المواطن من نقص في امدادات انواع الوقود ولسنوات قادمة اذا استمرت السياسة النفطية بأستراتيجيتها الحالية.
5-قانون شركة النفط الوطنية،  وزارة النفط سبق وان أعدت نسخة من قانون شركة النفط الوطنية بعد أن إتسع نطاق عمل الصناعة الاستخراجية ، لذا من الضروري أن يتم  ترشيق عمل الوزارة لتكون مسؤولياتها وضع السياسات والتخطيط والتسويق للوزارة, وأن تشكل مؤسسات أخرى كشركة وطنية عامة أخرى للمصافي، و اخرى للغاز مع توسيع مهام شركة خطوط الأنابيب الوطنية والإبقاء على شركة سومو ضمن كيان وزارة النفط كون مهمتها سيادية معنية بتسويق السلعة السيادية الوحيدة في البلد وفق المادة الدستورية 110 أولا، لتكون شركة سومو من ضمن تشكيل سيادي تجنبا من تجميد أموالها المنقولة وغير المنقولة بسبب أحكام قضائية دولية عند حدوث مخالفات  تسويقية اقليمية ، وفق هذه الأسس وأسس موضوعية ذات طبيعة قانونية وفنية ،  تم اعداد صياغة مسودة قانون شركة النفط الوطنية من قبل وزارة النفط  و نخبة من المختصين العراقيين. لم تعتمد هذه المسودة من قبل مجلس الوزراء, و تم استخدامها من قبل مجلس النواب بعد إجراء العديد من التغييرات بما ينسجم مع الرغبات السياسية للكتل من تفريغها من  أهم أهدافها  (تمكين شركة النفط الوطنية من القيام بتطوير الحقول وبناء منظومات تجميع النفط ومعالجته وتصديره بالجهد الوطني)،  لتكون مسؤولية شركة النفط الوطنية  فقط عن إدارة المال العام . 
مما يتطلب مراجعة قانونها واعتبارها شركة قابضة تنظيمية مملوكة للدولة، بما يتعلق بالصناعة الاستخراجية  و حسب الصيغة التي اعدتها وزارة النفط من قبل مجلس الدولة.