أعراس أيام زمان عندما كانت عبارة عن حفلة منزلية بسيطة وكوشة يجلسعليها العريس والعروس التي لا تفارق حمرة الخجل وجهها. اما اليوم كلشيء تغير حيث نمط الحياة الحديثة فرض نفسه على العائلات فأحدثفرقا كبيرا بين أعراس الأمس واليوم دعونا نعود في قطار الزمن إلى ذاكرةالطفولة التي تحمل التفاصيل الدقيقة. أتذكر عندما كنت صغير حيثكانت السهرات تقام في الهواء الطلق أمام بيت العريس ليفرح ويمرحالكبير والصغير على أنغام الطبول وكل واحد من المعازيم كان يحضر معأولاده وفي هذه المناسبة قررنا أنا وأمي رحمها وبعض إخوتي الذهابألى بيت جيراننا لمشاركتهم أفراحهم بزواج أبنهم يدعى ( حسام ) وكانوايضعون الزينة والأضواء ومكبرات الصوت تمهيدًا لزفة العرس فكانتهناك تقاليد سائدة أيضا إنه في كل مناسبة عرس كانت هناك طقوسوهي ليلة حناء العروس والعريس وحمام العريس وزفته والسهرات التيتسبق ليلة العرس. ومن ضمن تلك الطقوس إنه تذهب عائلة العريس برفقةالمعازيم الى بيت العروس اذا كان البيت قريبًا يذهبون مشيًا على الأقدامواذا كان بعيدًا يذهبون بواسطة الحافلات فكنت أنا وعائلتي جالسين فيبيت العريس ننتظر مجيء الحافلة لكي نذهب الى بيت العروس لئن فيوقتها لم يكن الناس جميعهم يمتلكون ﺳﻴﺎﺭﺍﺕ فيضطر أهل العريساستئجار بعض الحافلات وعندما جاءت كانت هناك بعض العادات عندسواق الحافلات أنهم يطلقون نغمات من أبواق مركباتهم ويسمى فيالعراق ( الهورن ) ليشاركوا أهل العريس فرحتهم ثم بدأت العوائل تستقلالحافلة واحدٍ تلو واحد حتى وجلسنا جميعًا حتى أمتلأ الباص ولم يبقىمكان للجلوس فأضطر بعض الناس للبقاء واقفًا فكنت جالسًا انظر منالنافذة الى الناس وسط ( الزغاريد ) او ( الهلاهل ) وألحان الموسيقى وأناالوح بيدي الى بعض الاصدقاء وكان بعضهم مغتاضين لعدم تمكنهم منالصعود فبدات الحافلة تتحرك لتشق طريقها الى بيت العروس فقامشخص من المعازيم بإعطاء السائق كاسيت غنائي من التراث الفلسطينيفبدأنا جميعًا نصفق ونغني وبعض النساء تطلق الزغاريد وبينما نحنكذلك واذا بامرأة واقفة تمسك بمقبض أعلى السقف لم يحالفها الحظ فيالجلوس فقلت في نفسي من العيب أن أتركها هكذا لئن الجميع كانمنشغلًا بالتصفيق والغناء وغير مكترث لمن هو واقف فأشرت إليها وناديتبأعلى صوتي ياخالة تعالي اجلسي أنا لازلت صغيرًا ولدي القدرة علىالوقوف طويلًا فنظرت ألي بابتسامة عريضه وشكرتني وبينما أنا واقفًاوأنظر الى الناس بسرور واذا بفتاة تميل برأسها ألي و تهمس بكلمة : شكرًا لإنك تخليت عن مكانك لتجلس أمي . فنظرت إليها ! وقلت : هل هذهالمراة أمك ؟ قالت : نعم فقلت لها لم أنتبه إليك منذ متى وأنتي بجانبيفقالت : منذ أن أشرت ألى أمي ودعوتها للجلوس ؟ فقلت لها : لاشكر علىواجب ثم قالت لي : ماهو أسمك ؟ فقلت لها : (سمير ) ثم سألتها انا : ماهوأسمك فقالت : ( سوزان ) ثم قالت : في اي مرحلة دراسية ؟فقلت لها : فيالمرحلة السادسة فقلت لها وانت ؟ : فقالت : أنا أيضًا بنفس المرحلة ثم قالتنحن ألان نراجع القراءة قصة السندباد البحري فقلت لها : انا ايضا ! ماهذا الصدفة العجيبة الحرف الأول من اسمك هو حرف ( س ) وأنا أيضا ! فضحكنا أنا وهي ضحكة طفولية التي لا يفهمها إلا من عاش أمانالطفولة عالم جميل له قوانينه فلا يوجد هناك من يحمل الكره والحقد علىغيره بل تجمعهم رابطة واحدة ألا وهي رابطة الحب والبراءة. إلى أن عدناالى بيت العريس ثم جلسنا مرة اخرى انا وهي نتحدث بأحاديث تقليديةمثل أين تعيش وماهي هوايتك وماهي أغنيتك المفضلة وماهو برجكالفلكي وهكذا ثم شعرت بسلوكيات غزلية تصدر منها مثل قيامها بلفخصلات من شعرها و تحريك يديها في شعرها ونظرات يتخللها أعجابلكن سرعان ما هذه اللحظات تبددت. إلى أن بدأ الناس يودعون بعضهمالبعض ألى أن أتى الدور علينا آنا وهي وحانت لحظات الفراق ولسانحال مشاعرنا لانريد ذلك ونريد آن نبقى أطول وقت معًا ثم استقلتسيارتهم وهي حائرة وحزينة ثم تحركت سيارتهم وهي تنظر لي بهلفة منالنافذة الخلفية وانا انظر اليها بنفس التعابير الى أن أختفت من عنالأنظار هذه هي التي تسمى الصدفة حيث كان مقدر لها ان تكون لئن هذاالعالم يعلم أن الصدفة هي لحظات مقدر لها أن تحصل في وقت ما و لهذانجد كثيراً أن الصدفة التي عشناها اليوم كانت متناغمة جداً معنا.