الهيمنة الأميركية على شفا الهاوية .. “ناشيونال إنترست” تعترف بضعف واشنطن في حرب “الدولار” !

الهيمنة الأميركية على شفا الهاوية .. “ناشيونال إنترست” تعترف بضعف واشنطن في حرب “الدولار” !

وكالات – كتابات :

أحد الاتجاهات الأساسية للدول التي استمرت عبر التاريخ هو الارتباط بين القوة المالية والجيوسياسية، فلكي تبني دولة جيشها، وتسعى إلى استخدام التقنيات المبتكرة، وتحافظ على قوة عاملة منتجة، يجب أن تتمتع بقاعدة اقتصادية قوية.

بينما يُسلط الجنرالات والمستشارون الضوء بإزدياد على سد الفجوة بين القدرات العسكرية الصينية والأميركية، لا يزال “الدولار الأميركي” هو المُسيطر. هل هذه حقيقة يمكن اعتبارها أمرًا مفروغًا منه، أم أنَّ التحالف “الصيني-الروسي” بات يُشكل تهديدًا ملموسًا لهيمنة “واشنطن” المالية وعُملتها الأقوى، “الدولار” ؟

هل تُهدد الصين وروسيا “الدولار الأميركي” ؟

كانت سرعة ونطاق صعود “الصين” موضوع نقاش حاد لعقود عديدة، لكن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين أوضحت أنَّ “الولايات المتحدة” لم تُعد تتمتع بتفوق جيوسياسي لا مثيل له في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ويقول تقرير لمجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية، يتوقع المرء أن تنعكس هذه الاتجاهات في التأثير النسبي لعُملة كل بلد. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال إلى حدٍ كبير. إذ لا يزال الاقتصاد العالمي يعتمد على المؤسسات المالية التي تُديرها “الولايات المتحدة”.

ويمكن أن يُعزَى جزء كبير من هذا النجاح إلى دور “الدولار الأميركي”؛ بصفته عُملةً احتياطية في العالم. وتستمر البلدان في دفع ثمن سلعها وبضائعها وأصولها وإلتزامات ديونها بـ”الدولار”؛ مما يتطلب من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم الاحتفاظ بكميات كبيرة من “الدولار” في احتياطياتها.

مصدر الصورة: رويترز

وفي الربع الأخير من عام 2019، وُزِعَت: 6.7 تريليون دولار في البنوك المركزية في العالم؛ مما وفر لـ”واشنطن” درجة فريدة من القوة التفاوضية والتأثير في الخارج من القرارات التي تتخذها “وزارة الخزانة” الأميركية محليًا.

وعلى الرغم من أنَّ “الصين” أصبحت أقوى عسكريًا واقتصاديًا، فإن “اليوان” استُخدِم فقط في: 2.7% من المدفوعات الدولية؛ عام 2021، وهي نسبة أقل بكثير من: 40.51% لـ”الدولار”؛ و36.65% لـ”اليورو”.

ومع ذلك؛ يبدو أنَّ اتجاه المد بدأ يتحول، في أعقاب الهجوم الروسي على “أوكرانيا”. وربما لم يحدث هذا التغير بشكل دائم، لكن بطريقة ينبغي أن تُثير قلق صانعي السياسة الأميركيين. يُحاول التحالف “الصيني-الروسي” جذب الدول الأخرى إلى بديل جذاب، بهدف نهائي هو بناء نظام مالي مستقل تمامًا عن سيطرة “واشنطن”. وبمساعدة “روسيا”، تسعى “الصين” تدريجيًا لتقويض الهيمنة المالية الأميركية.

عواقب كبيرة كشفتها الحرب الأوكرانية..

بعد اتحاد الدول الغربية لمعاقبة “روسيا”؛ في أعقاب حربها على “أوكرانيا”، كان أحد ردود “بوتين” الأولى هو إجبار الدول الأوروبية؛ التي تعتمد على واردات الطاقة الروسية، على الدفع بـ”الروبل” أو “الذهب”. وبدافع الضرورة المطلقة، قبلت العديد من شركات الطاقة قرار “بوتين”؛ مما أجبرها على تحويل مدفوعاتها بـ”اليورو” إلى “روبل” قبل تخزينها في حساب منفصل تحت ملكيتها. هذا يترتب عليه عدد من العواقب.

وفيما أثار دهشة العديد من المحللين الغربيين، صار “الروبل” أحد أنجح العُملات في العالم؛ إذ يبذل “البنك المركزي الروسي” كل ما في وسعه لإحباط تدفق “الدولار” و”اليورو”. ومن خلال ضوابط ولوائح رأس المال التي تتطلب من المستثمرين الروس تحويل فائض عائداتهم إلى “روبل”، انتعشت قيمة العُملة، بل وتجاوزت مستوياتها قبل الحرب.

علاوة على ذلك؛ فإنَّ العبء الذي سيتعين على الغرب تحمله في قبول نظام “بوتين” سيزداد ألمًا. إذا استمر “الروبل” في الارتفاع؛ خلال الأشهر القليلة المقبلة، فسيتعين على الدول الغربية إنفاق المزيد لتحويل عُملاتها إلى “روبل” لدفع ثمن وارداتها من الطاقة التي لا غنى عنها. ولا يؤدي هذا فقط إلى زيادة الطلب العالمي على “الروبل”، لكنه يوضح أيضًا للحكومات الأخرى أنَّ العُملة الروسية قادرة على مقاومة عقاب الدول الغربية الكبرى.

نظام مالي عالمي موازٍ !

إلى جانب هذه المدفوعات، تعمل “روسيا” على بناء بديل لـ”جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك”؛ (سويفت). في عام 2014، وهو العام نفسه الذي ضمت فيه “روسيا”؛ شبه جزيرة “القِرم”، أنشأ (الكرملين) نظام تحويل الرسائل المالية، وهو نظام دفع قائم على “الروبل” يعمل بديلاً لنظام (سويفت). حذت “الصين” حذوها بعد عام واحد؛ إذ أطلقت نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك.

ومن المستبعد أن تقوض كل مبادرة بمفردها الامتداد العالمي لنظام (سويفت). إذ من المؤكد أنَّ نظام تحويل الرسائل المالية عجز عن منع المواطنين الروس من سحب أكثر من تريليون روبل بعد وقت قصير من إعلان عقوبات (سويفت)؛ في آذار/مارس. ومع ذلك، فإنَّ قمة “بوتين-شي”؛ التي سبقت الحرب، ورفض “الصين” إدانة (الكرملين) صراحةً، شددت على درجة التعاون التي تستعد بها هاتان القوتان الاستبداديتان لتحدي الغرب؛ على حد وصف التقرير الأميركي. ولكي يكون لهما أي تأثير، سيكون المجال الاقتصادي أحد أهدافهما الأولى؛ لأنه شرط أساس للتأثير الجيوسياسي.

مصدر الصورة: آسوشيتيد برس

وقد ناقشت “الصين” و”روسيا” بالفعل دمج أنظمتهما المالية، وأكدت “موسكو”؛ لـ”بكين”، أنها مستعدة لاستخدام “اليوان” في احتياطياتها الأجنبية لتسريع العملية. وبالإقتران مع خطة التحويل الروسية المُعقدة لمدفوعات “النفط والغاز”، التي ستستمر في العمل ما دامت الدول الأوروبية لا تستطيع خفض اعتمادها على “موسكو” دون التعرض لانتكاسات مالية غير مقبولة، يتضح أنَّ القوى هذه تهدف إلى تقويض الهيمنة العالمية لـ”الدولار الأميركي”، كما تقول (ناشيونال إنترست).

الدور الصيني الذي يُثير خوف “أميركا”..

ومن الواضح أنَّ “الصين” هي أكبر سبب للقلق؛ لأنها سعت بفعالية إلى تطوير “اليوان” الرقمي. وستُسهل العُملة الإلكترونية المنفصلة عن الرقابة المالية الأميركية؛ التوسع غير المُقيد لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية؛ لأنَّ “واشنطن” لن تكون قادرة على تتبع المعاملات التي تحدث بين “بكين” والدول النامية.

ولتمويل مشروعات البنية التحتية في “أميركا اللاتينية” أو “إفريقيا” أو “الشرق الأوسط”، ستُجبر “الصين”؛ الدول الأجنبية، على سداد المدفوعات باستخدام عُملة شديدة المركزية لا يمكن تعقبها. لا تتمتع “الولايات المتحدة” بهذه الميزة مع “الدولار”؛ لأنَّ المعلومات المتعلقة بقيمته وتداوله يمكن الوصول إليها بسهولة أكبر.

وأخيرًا، حتى من دون الأخذ في الاعتبار شكله الرقمي، يُهدد “اليوان” بالفعل باستبدال “الدولار” في الأسواق الرئيسة التي قد يكون لها تأثير هائل في الأمن الأميركي.

وتشعر “السعودية” بالإحباط بسبب نهج إدارة “بايدن”؛ في العلاقات الثنائية، فضلاً عن القضايا الإقليمية الأخرى، وهي تجري محادثات مع “الصين” لقبول مدفوعات “النفط”؛ بـ”اليوان”.

وتقبل “إيران” مدفوعات “اليوان” مقابل مبيعاتها النفطية لـ”الصين”؛ على مدار العقد الماضي؛ بسبب “العقوبات الأميركية”. ونظرًا للاستقرار النسبي لـ”اليوان”، فقد يجعله هذا أكثر ملاءمة للأغراض التجارية وعُملةً احتياطية.

ما الذي تستطيع “أميركا” فعله لمواجهة احتمالية إنحدار عُملتها ؟

ولكن بحسب المجلة الأميركية، تزعم بأن هذا لا يعني أنَّ “الدولار” في حالة تراجع حتمية، فقد أعرب “بوتين” عن شكوكه بشأن إزالة العُملة الأميركية بالكامل من “البنك المركزي الروسي”.

وحتى تموز/يوليو 2021، كانت “الصين” لا تزال تحتفظ بنسبة: 50 إلى: 60% من احتياطياتها من النقد الأجنبي في صورة أصول مقومة بـ”الدولار”. وعلى الرغم من أنَّ “بكين” تعمل بلا شك على تعزيز قدراتها العسكرية، لكن لا يزال أمامها طرق طويلة لتقطعها قبل إطاحة “الدولار” تمامًا.

زاعمة المجلة الأميركية: تمتلك “الولايات المتحدة” الأدوات اللازمة للرد على الجهود الصينية والروسية لقلب هيمنتها المالية، لكنها غير مستعدة لاستخدامها. إذ لم تُجرِ الإدارات الأخيرة باستمرار الزيارات الدبلوماسية إلى الدول الأجنبية لبناء علاقات اقتصادية، مثل زيارة “بايدن” الأخيرة إلى “آسيا”.

ودفعت حزم الإنفاق المفرطة التي تتطلب من “الاحتياطي الفيدرالي” طباعة مبالغ غير معقولة من المال إلى خروج “الدولار” عن نطاق السيطرة؛ مما قلل من ثقة البلدان التي كانت تربط نفسها بثقة في السابق بـ”الدولار”.

والأهم من ذلك أنَّ “الولايات المتحدة” لم تفعل ما يكفي لمواجهة تطور “الصين”؛ مما أدى إلى فشلها في مطابقة “اليوان” الرقمي بـ”الدولار” الرقمي، وسمحت بسلبية للعلاقات “الصينية-الروسية” بالتعزيز.

إذا أرادت “الولايات المتحدة” البقاء على رأس النظام الدولي القائم على قواعد، فستحتاج إلى معالجة الجهود الجادة الجارية لتقويض هيمنتها المالية العالمية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة