يعد المزيج غير المتجانس من الايعازات العصبية لدى الانسان واحدا من ابرز غرائب هذا الكائن المليء بالعجائب ، سواء المادية او غير المادية ، الا انه يمثل بحسب مختصين وعلماء نفس عامل قوة له لا نقطة ضعف ، كونه يعطي إمكانية الانتقال والتحول الذهني من حالة الى أخرى ، فضلا عن تقليل الضغط باتجاه او سلوك محدد قد يفضي الى فقدان التركيز او اتلاف للخلايا الحسية او العصبية المتحكمة بالتصرف المعني.
وكعادتنا وحتى لا نغوص بالمفهوم اكثر فتبتعد الصورة او تتشتت الفكرة ، نرى ان تلك المقدمة كافية للدخول الى محور مقالنا الحالي الذي يحمل بين طياته أحد أبرز القضايا اللامادية والمتصلة بالذات الإنسانية المرتبطة بالعقل الظاهر ، والذي يكون عادة عرضة للتأثيرات الاجتماعية والتجارب الدنيوية بجماليتها وقساوتها وايجابياتها وسلبياتها. فمحور موضوعنا وكما مبين في العنوان ، يتعلق بالرابط الذي يبدو غريبا للوهلة الأولى بين مصطلحي الخبرة والقسوة ، الا انه رابط وثيق ومتلازم وخطورته تكمن بانخفاض نسبة قوته ، فإذا انخفضت تلك القوة صار المزج حاضرا بين المصطلحين عند الانسان ، اما انقطاعه فسيولد تيهان احدهما مقابل تشدد حول الآخر. وهنا يسقط بعض الناس في وحل القسوة لان رابط اتصالها بالخبرة انقطع تماما فتاه عنهم الحق الذي يمثله الإحساس الذهني الحاضر ضمن التواصل العصبي بين الايعازات المتناقضة والذي يحسمه بنهاية المطاف العقل بقرار مستند للمنطق والحكمة الإنسانية المتراكمة لدى المعني.
ومما تقدم يمكن لنا ايضاح الآتي ألا وهو أن استخدام الخبرة في مجالاتنا الحياتية المختلفة يستوجب جرأة مصحوبة بقسوة أحيانا لتمرير قرار صائب حول قضية ما ، في حين تأتي القسوة المفاجأة الناجمة عن حالة توتر عصبي لدى الانسان من الحالة التراكمية لخبرته في مجال معين ، حيث يعطي العقل الباطن المليء بالمعلومات المتعلقة بقضايا مختلفة ربما تعد بالآلاف اوامر حدية وفورية غير قابلة للنقاش بحسم الجدل في تلك القضية بالرفض مثلا فيبقى فيصل الانسان متمثلا بقدرته على تحمل قوة الايعاز العقلي الآني ، فنراه رافضا فقط وهو متماسك ، او رافضا مع انهيار عصبي او مع رفع نبرة صوته او قيامه بحركات لا ارادية من ضمنها حركات العنف او التلفظ بألفاظ غير مقبولة او ما شابه ذلك من التصرفات.
هنا ومع إيضاح خطورة انتهاء حالة التماسك الثنائي بين الحالتين ، نرى ضرورة بالحديث عن بعض الجوانب التي من شأنها الحفاظ على وجود الرابط الهام بينهما وعدم إضعافه أو قطعه من خلال إيضاح علامات وجوده أو اختفائه ، وذلك عبر إيضاح جملة من التصرفات الإنسانية التي تشير الى ذلك الاختفاء او بقاء الوضع طبيعيا.
ان علامات وجود الرابط تتمثل بوجود السيطرة الذاتية على الانفعالات الآنية حتى لو بعد حين أي وجود ردود فعل عقلانية بعد أي تصرف ناجم عن توتر حسي عصبي أي السيطرة على الانفعال او الندم عليه بعد فترة وجيزة او محاولة ترميم الاضرار الناجمة عن ممارسة القسوة بأي ظرف زماني او مكاني ، اما علامات اختفاء الرابط تتمثل بالاصرار على القرارات الانفعالية والمضي بها دون أي تفكير بتداعياتها او نسبة الخسارة التي سيتعرض لها الانسان المعني بها وعدم الاكتراث لمن تضرر جراء تلك التصرفات والذهاب بعيدا بقرارات ذاتية دون حتى مشاركة الاخرين بها وانخفاض درجة التأثر العاطفي الحسي بمن كانوا يوما يؤثرون على الانسان المعني سواء بالسلب او الايجاب بحكم قربهم ودرجة انسجامهم معه وقد يكونوا من الاقرباء او الأصدقاء او أي صلة مقربة أخرى.
وبعد التعرف على تلك العلامات ، نأتي إلى آليات التعامل معها للحد من هذه النتائج التي ستكون كارثية على صاحبها لأنها ستفقده حالة الاستقرار الإنساني التي يمتاز بها عن بقية المخلوقات ، وبالتالي ستفقده حسه الإلهي الراقي عندها سيكون اقرب الى الموت روحيا حتى وان استمر حيا جسديا ، وان آليات منع الوصول الى تلك الحالة المتأخرة تتمثل في تمرين وتعويد العقل الظاهر المتحكم بالأوامر الحسية والذهنية على المبادئ الإنسانية التي عرفت مع الانسان منذ ولادته وعدم السماح للعقل الظاهر تحت أي ضغط نفسي بإلغاء ما يوحى اليه من العقل الباطن الذي يعتبر الأساس في الإيحاء ، لأن الأخير ذو صلة مباشرة بالذات العليا للإنسان التي تمثل أساس هذا الكائن وجوهره الذي يبعث من خلاله عبر الازمان والأماكن.
اننا نعرف وندرك صعوبة وتعقيد ما نتحدث به ، إلا أننا نراهن على قدرة الانسان على الايمان المطلق بنفسه وكيانه العظيم الذي يستمد عظمته من عظمة الباري جل وعلا ولو تحقق هذا الايمان فمن اليسير ان يقود عقله الظاهر باتجاه تصرفاته الفطرية التي خلق على أساسها ، وبالتالي فإنه يستطيع استلهامها في الوقت الذي يريد هو لا غيره.
وأخيرا لا يفوتنا ان نذكر بأن انسجام الخبرة والقسوة برابط حسي رقيب يضع الحدود والخطوط لكل من الحالتين ، من شأنه الحفاظ على قيمة الانسان وزيادة قدرته على الاستفادة من مقومات شخصيته وعناصر قوته والسيطرة على نقاط ضعفه ، اما العكس أي غياب هذا الانسجام وانقطاعه ، فإنه سيكون ذا نتائج كارثية فقد الإنسان بموجبها جميع ما ذكرناه من خصائص بل يذهب به الى ظلامية بعيدة عن الهالة الإنسانية التي تضيف لهذا الكائن رونقا وتميزا في كوننا وأرضنا وبين مجتمعاتنا ومحيطنا.