“ماكرون” يُغضب أميركا والغرب .. تراجع النفوذ الفرنسي في “أوروبا” يحركه للعب دور الوسطية !

“ماكرون” يُغضب أميركا والغرب .. تراجع النفوذ الفرنسي في “أوروبا” يحركه للعب دور الوسطية !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

كعادته دائمًا يُغرد خارج السرب؛ إلا أنه هذه المرة أغضب “أوكرانيا” التي ينادي الجميع في الغرب بمساندتها ومعاقبة الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، حيث أكد الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، إنه من الضروري ألا تتعرض “روسيا” للإهانة حتى يمكن التوصل لحل دبلوماسي عندما تنتهي الحرب في “أوكرانيا”، مشيرًا إلى أن “باريس” ستلعب دور الوساطة لإنهاء الصراع الأوكراني، وأنه في سبيل إنهاء الحرب يجب بناء السلام من دون إذلال “روسيا”.

وقال مؤخرًا؛ خلال مؤتمر صحافي في “البرلمان الأوروبي”: “غدًا سيكون لدينا سلام نبنيه، دعونا لا ننسى ذلك أبدًا، سيتعين علينا القيام بذلك مع أوكرانيا وروسيا حول الطاولة، لكن ذلك لن يحصل من خلال رفض أو استبعاد بعضنا بعضًا، ولا حتى بالإذلال”.

وقبل ذلك بقليل؛ قال “ماكرون” في كلمة له: “عندما يعود السلام إلى التراب الأوروبي، سيتعين علينا بناء توازنات أمنية جديدة”؛ من دون: “الاستسلام أبدًا للإغراء أو الإذلال، ولا لروح الانتقام، لأنها أمعنت في تدمير طرق السلام في الماضي”.

كما صرح “ماكرون”؛ في حديث لوسائل إعلام فرنسية، السبت الماضي: “يجب ألا نُهين روسيا حتى نتمكن في اليوم الذي يتوقف فيه القتال من إيجاد مخرج عبر الوسائل الدبلوماسية، أنا مقتنع بأن دور فرنسا هو أن تكون قوة وسيطة”.

مصدر الصورة: رويترز

تجنب إهانة “روسيا” يؤدي إلى إهانة “فرنسا”..

ورد وزير خارجية أوكرانيا؛ “دميترو كوليبا”، على “ماكرون” بالقول: “الدعوات لتجنب إهانة روسيا لن تؤدي إلا إلى إهانة فرنسا وكل دولة أخرى تُطالب بذلك”.

وأضاف: “لأن روسيا هي التي تُهين نفسها. من الأفضل لنا جميعًا التركيز على كيفية إيقاف روسيا عند حدها. هذا سيؤدي لإحلال السلام وإنقاذ الأرواح”.

ويتحدث “ماكرون” مع “بوتين” بانتظام منذ الحرب؛ ضمن الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات جادة بين “كييف” و”موسكو”، غير أنه لم يُحقق نجاحًا ملموسًا حتى الآن.

وقال “ماكرون”: “أعتقد، وقلت له (بوتين)، أنه يرتكب خطأ تاريخيًا وأساسيًا بحق شعبه، ونفسه والتاريخ”.

وعادة ما تُثير مواقف “باريس”؛ من الأزمة الأوكرانية وحرصها على إبقاء باب التواصل والحوار مع “موسكو” مفتوحًا، انتقادات بعض العواصم التي تندرج ضمن معسكر: “الصقور” الأوروبي، كـ”وارسو” وعواصم “دول البلطيق”.

كذلك أدان “زيلينسكي”؛ في مقابلة مع صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية، تصريحات “ماكرون”، منتقدًا محاولات بعض الحلفاء الغربيين وضع شروط لوقف إطلاق النار دون مشاركة “كييف”.

لا جدوى من إجراء مفاوضات..

وفيما يتعلق بعرض الوساطة؛ قال “ميخائيلو بودولياك”، مستشار الرئيس الأوكراني للتلفزيون الرسمي: “لا جدوى من إجراء مفاوضات” مع “روسيا”؛ حتى تتلقى “أوكرانيا” أسلحة جديدة من الغرب وتدفع القوات الروسية إلى التراجع: “إلى أبعد نقطة ممكنة صوب الحدود الأوكرانية”.

وتحتل “روسيا” حاليًا نحو: 20 بالمئة من الأراضي الأوكرانية؛ (بحسب معلومات غربية). وفي الوقت الحالي، تتلقى “أوكرانيا” المزيد من الأسلحة القوية من الغرب.

مصدر الصورة: رويترز

كما تضغط “روسيا” من ثلاثة اتجاهات رئيسة، الشرق والشمال والجنوب، لمحاولة تطويق الأوكرانيين في “دونباس”، كما تُكثف “موسكو” هجومها على مدينة “سيفيرودونيتسك”، التي تُعد آخر جيب للقوات الأوكرانية في مقاطعة “لوغانسك”.

المراقبون يرون أن مواقف “ماكرون” هذه التي تعكس تمايزًا عن الكتلة الأطلسية، وهو الآن في بداية دورته الرئاسية الثانية، ربما تُمثل محاولة لاستحضار نهج سلفه؛ “شارل ديغول”، ونزوعه الاستقلالي عن ضفة “الأطلسي” الغربية، والذي وصلت الأمور في عهده لحد انسحاب “فرنسا” من القيادة العسكرية الموحدة لـ”حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، في العام 1966.

إدراك بتغيير توازنات العالم..

تقول “لانا بدفان”؛ الباحثة والخبيرة بالعلاقات الدولية بمدرسة “موسكو العُليا” للاقتصاد؛ حول دلالات الموقف الفرنسي وما إذا كان يعكس بداية اتساع الفجوة بين المواقف الأوروبية والأطلسية من “روسيا”؛ إن: “الموقف الفرنسي من روسيا يختلف بطبيعة الحال ولحدٍ ملحوظ عن مواقف بقية الدول الأوروبية والغربية عامة، فباريس هي الأقل تشددًا في مواقفها من الروس على خلفية الأزمة الأوكرانية، ونعلم أن ماكرون هو أكثر زعيم أوروبي تحدث وتواصل مع نظيره الروسي؛ خلال الأشهر الماضية، وحتى في ظل الحرب الأوكرانية”.

مُضيفة إن :”تصريحات ماكرون هذه عقلانية وتتسق مع منطق أن أي صراع داخل أوروبا يجب أن يُحل بالوسائل الدبلوماسية والمفاوضات؛ كما هي حال الحرب بأوكرانيا، واستيعاب مخاوف وشروط الطرف الروسي المتخوف على أمنه القومي، كما ويُدرك ماكرون أن العالم تغير بتوازناته، وأن الأحادية القطبية انهارت، حيث تظهر أقطاب صاعدة: كالصين مثلاً، وبالتالي فلابد من التأقلم مع هذا الواقع الجديد والتفاعل معه”.

لافتة إلى أن الأهم في كلام “ماكرون”: “هو تحذيره من مغبة سيادة الروح الانتقامية حيال روسيا والروس، بحيث ألا تطال مثلاً العقوبات الشعب الروسي، فنحن نتحدث عن أكبر دولة بالعالم وهي: روسيا، والعقوبات عليها تُفرز أزمات دولية كبرى غذائية وطاقية وأمنية، كما نلاحظ الآن”.

واستدركت: “كما وأن ماكرون يغمز من قناة أخطاء تاريخية أوروبية في تجارب شبيهة، كما حدث خلال إبرام معاهدة فرساي؛ بعد الحرب العالمية الأولى في العام 1919، والتي مثلت إذلالاً لألمانيا، ولهذا فالعالم ليس بحاجة لإعادة إنتاج هكذا سياسات ومعاهدات مدمرة، بل هو بحاجة لإحلال السلام والتنمية والتعاون والتكامل”.

فـ”ماكرون” يُدرك تمامًا، كما ترى الباحثة في العلاقات الدولية؛ أن: “الإيغال بالتصعيد مع الروس أكثر مما هو حاصل الآن، سيرتد كارثيًا على أوروبا بالدرجة الأولى أمنيًا واقتصاديًا، حيث تستورد بلدان الاتحاد الأوروبي مثلاً العديد من المواد الخام والمنتوجات من روسيا، رغم أنها تُقر حزم متتالية من العقوبات على موسكو، لكن أوروبا في قمحها وخبزها وزيت طعامها ناهيك عن غازها ومحروقاتها تعتمد بشكل واسع على روسيا، ولا يمكنها إيجاد بديل عنها أقله في المديين القريب والمتوسط”.

مصدر الصورة: رويترز

يُجنب “فرنسا” التورط في التبعات..

وأشارت المتحدثة إلى أن: “سيد (الإليزيه) يعرف تمامًا أن روسيا لهذه اللحظة؛ وبعد مرور 100 يوم من الحرب، لا زالت حريصة على عدم الإنفعال والإنجرار لسياسة رد الفعل على الأفعال الغربية في إغداق الأسلحة المتطورة على كييف لتسعير الحرب ضدها، وهو بكلامه هذا يُريد تجنيب فرنسا من التورط في ذلك، وما يجره من تبعات خطيرة اقتصاديًا وأمنيًا وإستراتيجيًا على باريس وموقعها الأوروبي والدولي، وهو عبر هذا الموقف يُرسل رسالة غير مباشرة؛ لموسكو، مفادها أن باريس لا تُريد محاربة الروس بالوكالة في الميدان الأوكراني، وأنها تتحفظ على سياسة الغرب مد أوكرانيا بالسلاح كما تفعل مثلاً واشنطن وبرلين، وأنها ستسعى تبعًا لذلك للعمل على إحلال السلام في أوكرانيا وليس صب الزيت على نار الحرب فيها”.

يُريد لعب دور الوسيط..

كما يرى “طارق سارممي”؛ الكاتب والخبير في العلاقات الدولية إن: “تصريحات ماكرون تحمل فيما بين سطورها إشارات بالغة الأهمية، كقوله إن باريس تُريد لعب دور الوسيط لحل الأزمة الأوكرانية، وهذا يعني بشكل ما أن فرنسا تُريد أن تأخذ مسافة من الموقف الغربي الأطلسي؛ وخاصة (الأميركي-البريطاني)، من الصراع في أوكرانيا، والذي هو تصعيدي منحاز وداعم لكييف ضد موسكو، وربما تعكس هذه التصريحات ملامح سياسة باريس ومقاربتها الجديدة للحرب الأوكرانية في المرحلة القادمة، بعد إعادة انتخاب ماكرون”.

مُضيفًا أنه: “منذ البداية وحتى قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، حرص ماكرون على لعب دور بناء وإيجابي يدفع نحو اعتماد مقاربات الحل الدبلوماسي ونبذ الحرب، وهو نهج فرنسي ظل قائمًا حتى في ظل اشتداد الحرب طيلة الأشهر الماضية وبلوغ التوترات الدولية حواف الهاوية على وقعها”.

ويقول الخبير في العلاقات الدولية؛ إن: “الرجل؛ وهو الآن في بداية دورته الرئاسية الثانية، يبدو أكثر إصرارًا على إعادة الاعتبار للوسطية الفرنسية التقليدية التي لطالما شكلت أحد أهم ملامح صناعة السياسات الخارجية والدولية لباريس، ولسعيها كي تكون أوروبا ككل، وليس فقط فرنسا قطبًا دوليًا قائمًا بذاته”.

مخاوف من استمرار الوضع الكارثي..

بدوره؛ يقول الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية؛ “سولونوف بلافريف”، إن “أوروبا” بالكامل أصبحت؛ في الوقت الحالي، تخشى استمرار الوضع الكارثي الناجم عن استمرار العملية الروسية التي دخلت شهرها الرابع، وسط إخفاق أوروبي كبير في حل الأزمة التي تعيش: “عسكرة ملتهبة”.

موضحًا أن “فرنسا” تُدرك جيدًا أنه لا يمكن هزيمة “روسيا” في “أوكرانيا”، رغم انغماسها مع العديد من الدول الغربية: كـ”أميركا وبريطانيا وألمانيا”، في فرض عقوبات على “موسكو”.

وبالنظر إلى سجل التجارة بين “باريس” و”موسكو”؛ خلال السنوات الثلاث الماضية، نجد أن “باريس” تعتمد بشكل كبير على المعادن الروسية، مثل: “البلاديوم والتيتانيوم والنيكل والكوبالت والتنغستن والبلاتين والنحاس”، وبدون هذه المعادن لم تُعد بعض الصناعات الفرنسية قادرة ببساطة على ضمان إنتاجها.

وأضاف الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية، أنه حال قررت “روسيا” تقييد مبيعاتها، فإن الأسعار العالمية سترتفع بشكلٍ حاد، وسيؤثر التضخم في هذه المنتجات الأولية حتمًا على سلسلة الإنتاج بأكملها.

تراجع النفوذ الفرنسي..

وتابع أن هناك ملف آخر تخشاه “باريس” من التصعيد أمام “موسكو”، وهو خسارة النفوذ بالأخص في “القرن الإفريقي”، ما حدث في “مالي والتشاد” دليل على تراجع نفوذ “باريس” لحساب “موسكو”، وهذا الملف يخشاه “ماكرون” نظرًا للاستثمارات الفرنسية في تلك المنطقة، لافتًا إلى أن النفوذ أيضًا بالنسبة إلى “فرنسا” تراجع داخل “أوروبا” نفسها؛ التي أصبحت في حالة انقسام حاد، وبالأخص حول حزمة العقوبات السادسة الخاصة بملف الطاقة، على حد وصفه.

وأشار “بلافريف” إلى ملف آخر يشهد تصدعًا وانقسامًا داخل القارة العجوز، وهو استمرار إرسال الأسلحة إلى “أوكرانيا”، إذ يخشى البعض منها لأنها ربما تُطيل أمد الصراع وتُزيد من تداعياته على الاقتصاد.

إرضاء “بوتين” لحلحلة الأزمة..

في السياق ذاته؛ يقول الباحث المتخصص في الشأن الدولي؛ “محمود البتاكوشي”، إن “فرنسا” تُحاول حلحلة الأزمة “الروسية-الأوكرانية” وتقليل الخسائر الأوروبية، والعمل على وضع لوقف الحرب في أسرع وقت ممكن؛ وإنهاء الآثار السلبية السياسية والاقتصادية التي طالت “أوروبا” كلها، فإطالة أمد الصراع له عواقب وخيمة تمتد آثارها إلى العالم بأثره؛ وليس “روسيا” و”أوكرانيا” فقط.

وأوضح أن “باريس” تُدرك جيدًا أن أفضل حل في الوقت الراهن هو إرضاء “بوتين” لحلحلة الأزمة التي ذهبت بخسائرها بعيدًا، ولم يُعد أحد قادر على الوفاء بفاتورة الحرب الباهظة اقتصاديًّا ونزيفها طال كل العالم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة