خاص – كتابات :
ما إن تدخل بقدميك إلى متحفه، حتمًا سيختلط عليك الزمن وترتبك مؤشرات الوقت في معصمك، فقد دخلت لتوك عتبات بداية القرن العشرين لتشاهد أبجديات منتجاته الإلكترونية وبدايات تكنولوجيته، قبل انطلاقاتها المتطورة حاليًا، والمتجسدة أمامك في أجهزة راديو خشبية بديعة الصنع تحمل علامات تجارية لأرقى المصانع العالمية، وساعات لأشهر الماركات ومصابيح غاية الأناقة وثريات ثمينة وغيرها من الأنتيكات، التي تشغل مكانًا رغم ضيق المساحة الذي هو في الأساس جزء من مسكن الشاب العراقي المثقف “حيدر عرب”، وأيضاً متحفه العامر بالنفائس والمقتنيات التي لا تُقدر بثمن.
حارس “الزمن الجميل”..
شغف غير عادي بالتراثيات والتحف والأنتيكات الراقية هو ما يُحرك “حيدر عرب”، ويدفعه دائما لبذل جل وقته وكامل ماله وجهده في اقتناءها وشراءها من بلدان صُنعها ومنشأها الأصلي، مهما بعدت المسافات ومهما بلغ ما يتكبده من مشقة وسفر.
فرغم تواضعه وبساطته يمتلك “عرب”، خبرة ومعرفة المثقف الأنيق التي لا تضاهى بالأنتيكات والتحف، التي كرس نفسه لرسالة حفظها من عوامل الزمن وبطش الجهل بقدرها وظلمات النسيان. فلا يحتاج الشاب العراقي المثقف منك سوى إشارة عابرة على جهاز من عشرات الأجهزة التراثية التي يحتفظ بها، حتى يسرد لك بشكل معرفي آخذ، تاريخ الجهاز وسنة صنعه ومنشأه الأصلي والبلد المُصّنع والظرف التاريخي الذي أنتج خلاله وربما كيفية وماهية الحاجة إلى صنعه، بالإضافة إلى خبرة واسعة في الصوتيات وتقنياتها.
ووسط غرفة شغلت عشرات الأجهزة والنماذج التراثية من مساحتها الصغيرة نسبيا، من الصعب التحرك إلا بحذر، فأنت في حضرة تاريخ. تحُفك الأواني وزهريات الفاخرة والمصابيح الأنيقة والنجف والساعات الثمينة من كل اتجاه.. “كرامافون” أثري يتوسط صف من أجهزة الراديو متنوعة الأشكال غاية في دقة الصنع والتأنق يعلوها إناء عتيق مزركش النقوش الفنية تناسب ما كلف الفنان الصانع لميناء الساعة القديمة المزينة حائط الخلفية والتي تشغل المجال الصوتي للمكان بدقات مؤشراتها الرتيبة.
“ابن بطوطة” التراث..
في لقاء مصور معه، يقول “حيدر عرب” أن بداية ظهور هوايته الشخصية في الاهتمام بالمقتنيات والتراثيات منذ منتصف التسعينيات، منطلقاً من شغفه الخاص بفن التسجيلات ما جمعه بالفنان العراقي الأصيل “جبار چلوب”، الذي تعلم منه حب شراء أجهزة التسجيل القديمة والعتيقة حتى تطور الأمر معه إلى أن يسافر بلدان عدة أو يكلف أحدا لشراء جهاز تسجيل أو راديو نادر الصنع، وكثيرًا ما يلتقط تلك المقتنيات التراثية من على مواقع التسويق العالمية ليسارع بشرائها من ألمانيا أو من أميركا.
ويقدم “عرب”- في المقطع المصور- إحدى نماذج أجهزة الراديو من نفائس مقتنياته سنة إنتاجه ترجع إلى العام 1890، أشتراه من ألمانيا، وآخر من أميركا تاريخ صنعه يرجع إلى سنة 1942 محتفظًا بالكتالوج الخاص به، وثالث يُسمى: “بلوبونجد”، وهي ماركة ألمانية تعني بالعربية: “النقطة الزرقاء”، نسبة للمشروع التكنولوجي الذي أهداه “هتلر” إلى الشرق وساهم مساهمة كبيرة في الحرب العالمية الثانية، الذي عني بصناعة الرادارات والراديوهات العسكرية وأجهزة الاستخبارات، بحسب تعريف “عرب” لتاريخ جهازه.
وكذلك راديو ماركة “نورماندي” ألماني الصنع، وهو من أرقى الماركات العالمية، التي لم يجمعها سوى أبناء طبقة الارستقراطية وكبار الساسة على مستوى العالم، وراديو “جروندغ” الألماني أيضًا وقد أشتراه “عرب” من السويد. بخلاف عشرات الماركات والمنتجات التراثية الفخمة والراقية.