تمنيت فوق الثريا منزلي
والتمني رأس مال المفلس
لاأظنني آتي بمعلومة جديدة أو غريبة، أو أبوح بسر أو أحقق قصب سبق، إن قلت أن أدنى مستوى وصلت إليه دولة العراق، هو مايجري في الحقبة التي تلت عام 2003. ومفردة “أدنى” هذه أقصد بها جوانب الحياة كلها من دون استثناء، كذلك أشير بها إلى السياسيين المتصدرين سدة الحكم جميعهم من دون استثناء أيضا، ومؤكد أن هذه المفردة أقل مايمكن توظيفها في وصف الأخيرين، وشاهدي بهذا أرض الواقع المتردي، وواقع الحال المزري الذي وصلت إليه البلاد.
فبعد أن كان العراق دولة “ينحلف بيها” وهي تحت جلبات حكومات وأنظمة -لااختلاف على عمالتها- باتت اليوم دولة لها الدرجات العليا، والنسب الكبيرة في الجريمة والإرهاب والمخدرات والفساد بأنواعه، والتخلف في أهم ثالوث تستند عليه الدول، ذاك الثالوث هو (الصحة، التعليم، القضاء).
فحين خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت في وضع لاتحسد عليه، إذ تعرضت لقنبلتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين، وكفى بهما ضررا أن يشلّا حركة أية دولة على مدى عقود، إن لم تطل أكثر وتبلغ قرونا. غير أن الحكومة اليابانية وضعت -أول ماوضعت- هذا الثالوث نصب اهتمامها، ونقطة شروعها إلى مستقبل كانت قد رسمته، يقابل هذا محاربة الفساد بكل صرامة وحدية، ولم يكن وجود لعبارات (حب عمك حب خالك) (من جماعتنا) (من ربعنا) (مسؤول). فالقانون يطبق على الجميع، بل على المسؤول قبل المواطن العادي.
يذكرني هذا بحادثة حصلت مع رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ونستون تشرشل، إذ أركن عجلته في مكان ممنوع ليتبضع شيئا، ولما عاد لعجلته وجد شرطيا يحرر غرامة بحقه، فظن أن الشرطي لم يعرفه، واستقبل وصل الغرامة بكل رحابة صدر، إلا أنه وجد قيمة الغرامة 20 باونا، فما كان منه إلا أن قال للشرطي: “أليست غرامة مخالفة كهذه 10 باون؟” أجاب الشرطي: “10 باون للمواطن العادي، أما بحقك فقد حددتها بعشرين لأنك رئيس وزراء”. فحضن تشرشل الشرطي وقال: “إذن، بريطانيا بخير”.
أعود أدراجي بالحديث عن اليابان، إذ صبت جل اهتمامها على تعزير صحة المواطن، حيث العقل السليم غالبا مايكون في الجسم السليم، وأبواب النجاح والتفوق والإنجاز والعطاء، لاتُفتح إلا لمتوهجي العقول ومتفتحيها. كذلك أولت الحكومة اليابانية اهتمامها بسلك التعليم بمراحله كافة، فمنذ نعومة أظفار أطفال البلاد، كانوا ينخرطون في الروضات التي انتشرت في أنحاء الإمبراطورية، كذلك شمل الانتشار باقي مراحل التعليم، ولم يفت الحكومة أن تهيئ لهذا الجانب كوادر تدريسية فائقة القدرة، لينشأ جيل يتلوه جيل مهيأ هو الأخر، لإكمال مشواره التعليمي تدرجا للوصول إلى الدراسة الجامعية، وفتحت الأبواب على مصاريعها للراغبين بإكمال دراساتهم العليا.
ولم تقف الحكومة على هذين الجانبين، فقد أولت القضاء اهتمامات قصوى، ذلك أنه العصب المسيطر على حركة مفاصل الإمبراطورية بأكملها، وبعدله وحياده وتصويب قوانينه يظهر الحق ويزهق الباطل. ولم تُهمش باقي أركان البلاد أو تُترك على غارب مرأى القضاء، بل كان الأخير الرقيب الدائم الذي لايغفل عن أي تقصير يبدر منها.
لعل سؤالا يطرح نفسه هاهنا، أين العراق من ثالوث كهذا؟ وهل لمجالس الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية دور يعول عليه في بناء البلد، أذكر حوارا دار بين رئيس وزراء اليابان وبين السيد حيدر العبادي، حين زار الأخير اليابان إبان إشغاله منصب رئيس وزراء العراق، يوم قال العبادي لنظيره الياباني: “إنه حقا كوكب اليابان”. فرد عليه الأخير: “أرجو أن نسمع يوما عبارة كوكب العراق”. فمتى يحصل هذا؟
[email protected]