إن محمد بن عبد الله، بغض النظر عن كونه رسول الله الذي بلغ المسلمين رسالة ربهم، وتلك مرتبة قداسة لا تضاهى، يتبعه قرابة ملياري مسلم، تضع كل مسيء له في مواجهة هذه الجموع من البشر، فإنه من أعظم شخصيات الكون، بل هو أعظمهم على الاطلاق، يحترم قداسته كل الأحرار المختلفين معه، من فلاسفة ومفكرين وأدباء وفنانين، ولم يبادر إلى الإساءة لشخصه الكريم الا لئيم من جماعة مرضى التطرف والحقد والكراهية، المنحطين حلقيا والمنبوذين اجتماعيا، فمحمد يدافع عن نفسه بكل ما تركه من أثر، يحدث الآتين عن رفعة خلقه وسمو روحه، ليس هناك منصف في هذه الأرض لم يجر مدحه على لسانه، فلا يليق به إلا المدح، وما المسيء له سوى مسيء لنفسه، وبكلمة واحدة أن أصدق القول فيه: إن محمدا هو محمد، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى أهل بيته الطاهرين، وأصحابه الخيرين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وعلى أمته في العالمين.
إلا أن ما قاله المسيء الهندوسي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يقتبسه من كتاب الفيدا، إنما هو موجود في صحاح الحديث عند المسلمين وكتب التفسير، يروي البخاري ومسلم في صحيحيهما “عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ (ص) ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ”، وروى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ”، وهذا ما روي في أهم كتب الصحاح، إلا أنه مخالف لحقائق تاريخية تثبت بالدليل الواقعي، المتفق مع أخلاق رسول الله ومنطق الإسلام أنه ص تزوجها وعمرها يتراوح بين ال14 وال18 سنة، ولكن لا سبيل إلى الطعن في ما رواه البخاري ومسلم، وان كان فيه دفع مظنة الإساءة للنبي ص، على الرغم من أن المحدثين يقولون أن البخاري ومسلم رويا لأكثر من ستين ضعيفا وفيهم متهمون بوضع الحديث.
لو أن الأمر توقف على الزواج من عائشة الصغيرة لهان، لأن التاريخ نفسه يصحح هذه الهفوة، إلا أن الطامة الكبرى هي القصة التي نسجت حول زواجه من زينب بنت جحش التي خطبها هو صلوات الله وسلامه عليه بنفسه، لزيد ابنه بالتبني، الذي كان يعرف بزيد بن محمد، وقد رفضت زينب السيدة القرشية ذات الحسب والنسب والمال والجمال الزواج بمولى، ولم تقبل به حتى قرأ عليها ص قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب 36]، ويرى المفسرون أن هذه الحادثة هي سبب نزولها، وإن كنت لا أقر نزول القرآن على أسباب، وإنما هي مناسبات، تعبر عن مصاديق نسبية لنص مطلق، مصاديقه لا تحد،
إن ثراثنا الإسلامي يقول إن النبي ص طرق باب زيد، الذي كان يومها ابنه بالتبني، قبل أن ينزل قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)، المحرم التبني، وعندما رآى زينب قال: سبحان مقلب القلوب والاحوال، فوقع حبه في قلبها، إذ يقول معظم المفسرين في تفسير قوله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا. الأحزاب/37)، إن رَسُولُ اللَّهِ ص خَرَجَ يَوْمًا يُرِيدُ زيدا وَعَلَى الْبَابِ سِتْرٌ مِنْ شَعْرٍ، فَرَفَعَتِ الرِّيحُ السِّتْرَ فَانْكَشَفَ، وَزينب فِي حُجْرَتِهَا حَاسِرَةٌ، فَوَقَعَ إِعْجَابُهَا فِي قَلْبِ النَّبِيِّ ص، فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ كُرِّهَتْ إِلَى زيد، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُفَارِقَ صَاحِبَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، ويقول آخرون: أبطأ زيد عن رسول الله ص يوما فأتى منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا، فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين، ثم رجع ص إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله ص فقال لها زيد: هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك، فلعلك قد وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني، فجاء زيد إلى رسول الله ص فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك ان أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال رسول الله: لا، اذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك،
انصافا أن هناك مفسرين وخصوصا المعاصرون من السنة والشيعة يسقطون أي اعتبار لهذه الرواية المسيئة للرسول الكريم، الذي وصفته عائشة بان خلقه القرآن، بل ان الله وصفه بمحكم كتابه الكريم بقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}، إذ يقول الطبرسي في تفسير مجمع البيان: الذي أخفاه في نفسه هو أنه أن طلقها زيد تزوجها وخشي لائمة الناس أن يقولوا أمره بطلاقها ثم تزوجها، ويروي علي بن الحسين (ع): أن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال له أريد أن أطلق زينب قال له أمسك عليك زوجك فقال سبحانه لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك، إلا أن الطبرسي يعود ليورد قول البلخي: ويجوز أن يكون أيضا على ما يقولونه أن النبي استحسنها فتمنى أن يفارقها زيد فيتزوجها، وكتم ذلك، لأن هذا التمني قد طبع عليه البشر، ولا حرج على أحد في أن يتمنى شيئا استحسنه، أما القرطبي فيذكر أقوال المفسرين السابقة، ويورد ما وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع، ثم يعلق عليه بقوله: قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، كَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاضِي بَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ الْقُشَيْرِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
كنت قد بحثت موضوع زواج النبي ص من زينب رضي الله عنها، في كتابي التأويل بين اللغة والكلام، فرأيت أن التبني من ركائز مجتمع ما قبل الإسلام، وان تحريمه سيحدث هزة وجدانية، قد تعطل مفاعيل ذلك التحريم واقعيا، ولا يتجرأ أحد على تفعيله واقعيا، بخطوة مستفزة للمنظومة الاجتماعية القائمة، إلا الصادق الأمين رسول الله محمد ص، الذي لا يختلف إثنان على حيازته كامل المشروعية الأخلاقية والدينية، فلو أن غيره تزوج طليقة ابنه بالتبني لرمي بما لا يحب، إلا محمد ص لا يقال به إلا الخير، ولكن على الرغم من أنه قد أعلم وحيا بأنه هو من يفعل ذلك التحريم، بالزواج من طليقة ابنه بالتبني، ومع يقينه بأن الله معه، كان مترددا عندما قال لزيد: امسك عليك زوجك، وهو صادق في ما قال، فعاتبه الله جلّ وعلا.
إن المتحدث باسم الحزب الحاكم في الهند ذي النزعة الهندوسية المتطرفة، قد وقع على كنز ثمين روى في نفسه الخبيثة نزعة الحقد والكراهية، فعب ما عب منه، وتقيأه قبيحا مقرفا، والخوف أن يقرأ هذا المصاب بلوثة الكراهية روايات محاولة النبي الانتحار، ومواقعته زوجته بعد رأي امرأة جميلة حركت شهوته، وسحر اليهود له بحيث لم يعد يعي ما يقول، ونسيانه القرآن فذكره به أحدهم، عندما سمعه يقرأ آيات كان ص قد نسيها، وغيرها من الترهات التي تصور النبي شهوانيا تحرك شهوته مجرد رؤية امرأة جميلة، ومسحورا من قبل اليهود، أي مجنون والعياذ بالله، على الرغم من أن الله نفى عنه ذلك، وناسيا للقرآن وقد نفى الله ذلك، وكل هذه الروايات باطلة بنص القران الكريم، وقد وصف رسول الله عليه الصلاة والسلام الدواء لهذا الداء العضال، يوم قال: أعرضوا حديثي على القرآن، لكنهم قالوا هذا حديث موضوع وضعه الزنادقة، وأجزم أن الزنادقة أكثر فرحا ببعض ما يعج تراثنا الإسلامي من إساءات لسيدنا المصطفى، أعظم الخلق مكانة عند الخالق.