يستعد البرلمان هذا اليوم للتصويت على قانون يطلق عليه قانون الأمن الغذائي الطارىء ويسوق المروجون لهذا القانون وهم من التحالف الثلاثي الكثير من التبريرات التي تحاول ان تحاكي عواطف الجماهير لغرض اقناع الشارع بأنه من الضروريات الملحة التي فرضتها الظروف السياسية التي يمر فيها العراق وحالة الفشل السياسي في معلجة الوضع الداخلي والذين يطلقون عليها حالة الانسداد السياسي، وبات واضحا عدم وجود أية بوادر أمل لإنفراجه قريبة لهذا الوضع…وقد يتوهم البعض إن حالة العقم السياسي الذي يمر بها البلد يمكن أن يعالج بعمليات جراحية تؤدي إلى إنفرجه قريبة لكن الواقع على الارض يعكس إمور أخرى بعيده كل البعد عن مصالح الشعب العراقي…
عليه فإن الترويج لقانون الامن الغذائي الطارىء من باب محاكات عواطب الشارع العراقي هو ترويج غير ناهض ولا يلاقي إذنا صاغية من قبل الشارع لأن الشارع يعرف جيدا الغرض من القانون والهدف الحقيقي لتشريعة ولم يصبح ذلك خفيا على أحد حيث يوظف الطرف الآخر مناسبة تشريع هذا القانون بطرق مختلفة ليس لعرقلة تشريعه كما يحاول هذا الطرف تسويقة حيث يصف القانون بإنه سرقة معلنة للأموال العامة يتم توزيعها بطرق تثير الشبهات…وهذا الكلام واقع يعرفه ابسط مواطن لكن هذا الطرف ينطلق من فلسفة “لو العب لو اخرب الملعب”، من منطلق اما احصل على حصتي في هذا القانون من الاموال العامة التي سوف تسرق من خلال تشريعة ثالث ومثلث كما يقولون أو أننا سوف نكون العظمة التي تقف لكم في الزور في كل مرحلة منمراحل تنفيذ القانون وسرقة الاموال العامة…
المبلغ المعلن والمخصص ضمن القانون لحد كتابة هذه السطور هو 25 ترليون دينار عراقي وهذا المبلغ قابل للزيادة بعد إضافة 10 ترليون دينار قروض ومبالغ أخرى متوفرة وقد يصل المبلغ حتى إلى 40 ترليون دينار وهذه ليس مجرد توقعات لكن من خلال تجارب سابقة مع القوانين التي يشرعها البرلمان فالنصوص تتغير بعد التصويت بحيث ما ينشر في الجريدة الرسمية يخالف النصوص التي تم التصويت عليها وهذا ما يقر به السياسيين على شاشات التلفزة في مقابلاتهم المختلفة، وهذا ما لاحظناه عندما تم تغير نصوص بعض مواد الدستور وإضافة خمس مواد لم يصوت عليها الشعب فهذه الطبقة التي تتحكم اليوم في العراق لا يهمها شعب ولا يهمها برلمان إنما يهمها مصالحها الشخصية ولاحظنا كيف ضربت هذه الطبقة السياسية حتى قرارات المحكمة الإتحادية عرض الحائط عندما تضاربت مع مصالحها وراحت تشكك ب أعلى سلطة قضائية في البلد وقد وصل بالبعض بوصفها بإن وجودها غير دستوري..لكننا سوف ننطلق من المبلغ المخصص ضمن القانون قبل التصويت عليه وهو 25 ترليون دينار عراقي وكيف يراد تقسيمها بين الطبقة السياسية وهذا ليس استقراء ايضا إنما واقع المحاصصة التي بنيت عليها العملية السياسية في العراق ولو سلطنا الضوء على آلية تقسيم الوزارات التي تشكل مجلس الوزراء نلاحظ إن الألية وضعت على أساس 12 وزارة للشيعة و 6 وزارات للسنة و 3 وزارات للشيعة وحيث إن الوزارات ليس أكثر من وكالات للأحزاب التي شكلتها عليه فإن مبلغ ال 25 ترليون سوف يتم توزيعة كما يلي 12 ترليون للتيار و 6 ترليون لعزم وتقدم و 3 ترليون للديمقراطي الكوردستاني و تبقى 4 ترليون هي تستخدم لذر الرماد في العيون من خلال توظيفها من قبل الحكومة في سد النواقص هنا وهناك لكي لا يثور الشارع…
الآن لو حاول التيار اقتسام حصته مع الاطار مناصفة بمعنى 6 ترليون للاطار و 6 ترليون للتيار سوف يمضي التصويت على القانون بكل سلاسة هذا اليوم وبعدها يجلس منظريهم على شاشات التلفزة يشرحون أهمية تشريع هذا القانون وحاجة الشعب له وغيرها من التنظيرات التي لا اساس لها على ارض الواقع…أما إذا اصر التيار على الاحتفاظ بكامل حصته او إستعداده عن التنازل عن 3 ترليون دينار فقط للاطار ورفض الاطار هذا سوف نشهد الكثير من المزايدات وإتخاذ معاناة المواطنين سلم لإنتقاد هذا القانون وقد نشهد اللجوء مرة أخرى للقضاه لإيقاف تنفيذه….
هذه الاموال سوف تدخل مباشرة في جيوب الاحزاب دون حسيب أو رقيب فهو قانون طارىء وقوانين الطوارىء لا تخضع اموالها لمراجعة ابواب صرفها….ولا يتوهم البعض ان معارضة الاطار للقانون نابعة من حرصه على المحافظة على المال العام إنما معارضته نابعة بأنه سوف يفقد حصته في تقسيم الكعكة الشهية….علما إن اية اموال سوف تضاف تخضع لنفس مبدأ القسمة اعلاه….إن المال العام يتسرب إلى جيوب الاحزاب كما تسربت الأسئلة الامتحانية وبطرق شيطانية لا مثيل لها وهذه الاحزاب متفننة في طرق نهب المال العام كما قال السياسي المخضرم عزت الشاهبندرفي إحدى مقابلاته.
كلما تم ذكره أعلاه هو يمثل الوجه الواضح والمعلن لكل سياسات الأحزاب ولا يوجد ما هو جديد وغير معروف للجميع وكان يمكن أن تمضي العملية بكل سلاسة من إنتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة وإقرار الموازنة العامة لو بقي مبدأ التوافق هو الساري في العملية السياسية وكانت الأموال سوف تتسرب إلى جيوب الاحزاب عبر قانون الموازنة وما كانت هناك حاجة لقانون الأمن الغذائي الطارىء كما جرت العادة على مدى 19 سنة من حكم الاحزاب…لكن الجديد في الامر إن هناك طرف شيعي وطرف كوردي حاولا إستثمار فوزهما بالإستحواذ على حصص الأطراف الأخرى فتعرقل كل شيء…لذلك لجأت الاحزاب التي إعتبرت نفسها فائزة في الإنتخابات وبعد محاولات عديدة فاشلة لإبعاد ألاطراف الأخرى إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في العراق وفرض مبدأ محاصصة مختلف عن المبدأ السابق وإذا نجحت هذه الأحزاب في تمرير قانون الامن الغذائي الطارىء بدون موافقة الطرف الأخر وبعد ذلك نجحت في إجبار حكومة تصريف الاعمال على تنفيذه بغض النظر عن رأي القضاء في هذا القانون وبغض النظر عن إن هل القانون دستوري أو غير دستور عند ذلك يكون العراق قد دخل نفقا مظلما بل أكثر ظلاما من النفق الحالي حيث يكون الشعب العراقي أمام معادلة حكم جديده فبعد أن كان نظام الحكم دكتاتوري باطنيا وديمقراطي ظاهريا، سوف يكون نظام الحكم دكتاتوريا بالظاهر والباطن يبنى على ثلاث دكتاتوريات
دكتاتورية المناطق الشيعية يتصرف فيها ممثل هذه المناطق كيفما شاء وتصب كل الأموال المخصصة لها في جيبه وبعد ذلك إذا أراد أن يلقي ببعض الدريهمات هنا وهناك لهذه المناطق فهو حر وإن أراد منعها فهو حر وله السلطة المطلقة في تنفيذ ما يشاء في هذه المناطق من تعين محافظين إلى اصغر درجة وظيفية هي ملك بيده على أن تؤيد الاطراف المتحالف معها كل خطواته دون نقاش فالوسط والجنوب ضيعة مملوكه له
وبالمثل المناطق السنية سوف تكون مجرد ضيعة مملوكة للأحزاب السنية أو إلى رئيسا الحزبين المشاركين في التحالف الثلاثي، وهذا ينسحب على الحزب الديمقراطي في المناطق الشمالية حيث تكون السلطة مطلقة بيد الديمقراطي…
كذلك سوف نكون أمام وضع جديد في تقسيم الحصص حيث سوف يحتفظ الكورد بكل وارداتهم من النفط والمنافذ الحدودية على أن يشاركون الوسط والجنوب بكل خيرات هذه المناطق بنسب عالية جدا وعلى حاكم الوسط والجنوب تلبية هذه المطالب وإلا فإن قلب الطاوله عليه سوف لم يكن صعبا…
أما ما يسمى حكومة تصريف الأعمال فسوف تكون حكومة كاملة الصلاحيات تنفذ ما تأمر به وهي غير قادرة على رد أي طلب للأحزاب فالمحكمة الإتحادية معطلة والبرلمان مسيطر عليه بالكامل وتستثمر هذه السيطرة في تشريع قوانين تجذر تمسكهم بالسلطة وتجذر الدكتاتورية بأقصى صورها…
سوف يتم تمرير قانون موازنة جديد يلبي متطلبات الأحزاب في التحالف الثلاثي بكل سهولة وسوف يمرر قانون إنتخابات جديد يلبي مصالح هذه الأحزاب بسهولة وسوف يتم تمرير قانون جديد للمحكمة الإتحادية وتشكل محكمة إتحادية جديدة من قضاة تابعين لهذه الاحزاب وسوف يفرض القانون الجديد للمحكمة الاتحادية شرط الإجماع في إصدار قراراتها، بعدها يتم الإعتراف بقانون النفط والغاز للأقليم…إن الوجه الأخر لقانون الأمن الغذائي الطارىء في حقيقة الامر لا يمثل مجرد قانون يمرر عبر البرلمان إنما هو إنقلاب حقيقي على الدستور وعلى كل مؤسسات الدولة وهو إبعاد للمحكمة الإتحادية وتأثيرها، إنقلاب بأسلوب ناعم يؤدي إلى تكريس الدكتاتورية في البلد، ويؤدي لا سامح الله إلى تداعيات خطيرة منها تقويض الحشد الشعبي وربما حل كافة تشكيلاته…
إن هذا الوجه الآخر الأقبح لقانون الأمن الغذائي الطارىء سوف تكون له تداعيات خطيرة على وحدة ومستقبل العراق وهو اللبنة الأولى نحو إقرار مبدأ تقسيم العراق لذلك يجب أن يكون هناك رفض شعبي كامل له وعلى جميع المستويات لكي لا نصل إلى نقطة اللاعودة ولات حين مندم.