المكانة العالمية لـ”الدولار” تتآكل ولا عزاء للمتعبدين في محرابه !

المكانة العالمية لـ”الدولار” تتآكل ولا عزاء للمتعبدين في محرابه !

خاص : بقلم – د. أحمد السيد النجار :

الباحث والخبير الاقتصادي بمركز (الأهرام) للدراسات الإستراتيجية

يستنكر البعض الحديث عن تراجع مكانة “الدولار” كعُملة احتياط دولية، ويستدلون على ذلك بحركة أسعاره في أسواق العُملات في مضاربات الأجل القصير أو بوضعه في “مصر”؛ حيث يقف “الجنيه” في موقف متراجع تاريخيًا منذ قرابة نصف قرن مقابل “الدولار”؛ وكل العُملات الحرة الرئيسة، نتيجة العجز الكبير والمتواصل في الميزان التجاري وعجز ميزان الحساب الجاري في الغالبية الساحقة من تلك الفترة.

ولأن الاستنكار لا علاقة له بالعلم أو بدراسة الاتجاه طويل الأجل لأسعار “الدولار” وحصته من الاحتياطات العالمية؛ فلنُذّكرهم بها بناءً على بيانات تقرير (IFS)؛ الصادر عن “صندوق النقد الدولي”: في عام 1966؛ كان “الدولار” يُساوي” 362 ين ياباني، وانخفض في عام 1976؛ إلى: 296 ين، وانخفض إلى: 168 ين؛ عام 1986، وانخفض إلى: 109 ين؛ عام 1996، ووصل في بعض أيام التداول إلى أقل من: 80 ين.

ومع صعود “الصين” والعديد من الدول الآسيوية؛ وتراجع الفوائض التجارية اليابانية لدرجة التآكل الكلي تقريبًا، والتدني الشديد لمعدل نمو الاقتصاد الياباني؛ الذي بلغ: 0.7% سنويًا في المتوسط خلال الفترة من: عام 2004 حتى عام 2013، وانخفض إلى أقل من: 0.3% سنويًا في المتوسط خلال الفترة من: عام 2014 حتى عام 2021.

أصبحت “اليابان” أسوأ من “أميركا” في التباطؤ الاقتصادي فارتفع “الدولار” مقابل “الين”، لكنه يدور حول مستوى: 120 – 130 ين حاليًا، أي نحو ثُلث سعره في عام 1966. يعني الميل التاريخي لسعر “الدولار” تجاه “الين” تراجعي بشكل قوي.

وكان “الدولار” يُساوي: 04 مارك ألماني عام 1966، ثم انخفض إلى: 2.5 مارك عام 1976، وانخفض إلى: 2.2 مارك عام 1986، وانخفض إلى: 1.5 مارك عام 1996، وذلك قبل أن يدخل “المارك” في العُملة الأوروبية الموحدة؛ (اليورو).

كما انخفض “الدولار” من: 4.4 فرنك سويسري عام 1966، إلى: 2.5 فرنك عام 1976، وانخفض إلى: 1.8 فرنك عام 1986، وانخفض إلى أقل من: 1.3 فرنك سويسري عام 1996، وهو يبلغ في الوقت الحالي أقل من: فرنك سويسري، أو بالتحديد: 0.97 فرنك سويسري.

ورغم أهمية تحركات “الدولار” مقابل العُملات الرئيسة، إلا أن حصته من الاحتياطيات الدولية لمختلف دول العالم هي الأهم.

وتُشير دراسة لـ”صندوق النقد الدولي” إلى أن حصة “الدولار”؛ في سلة احتياطيات البنوك المركزية حول العالم، قد تراجعت من: 71% عام 1999، إلى: 59% في الربع الرابع من عام 2020. كما تراجعت تلك الحصة حاليًا لأقل من: 48% من احتياطيات البنوك المركزية لكل بلدان العالم.

وهذا التراجع أمر طبيعي ويتسق مع تراجع المكانة العالمية للاقتصاد الأميركي؛ الذي كان ناتجه يُشكل نحو: 45% من الإجمالي العالمي في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كانت اقتصادات “أوروبا واليابان والاتحاد السوفياتي السابق والصين” مدمرة تقريبًا، وانخفضت تلك الحصة تدريجيًا لتصل إلى نحو: 25,8% من الإجمالي العالمي عام 1997. وتراجعت إلى نحو: 23,2% من الإجمالي العالمي عام 2015، وهي تراوح حاليًا حول خُمس الإجمالي العالمي عند قياس الناتج بـ”الدولار”؛ وفقًا لأسعار الصرف السائدة، وإلى أقل من: 19% من ذلك الناتج العالمي حاليًا عند قياسه بـ”الدولار” وفقًا لتعادل القوى الشرائية.

وبالمقابل؛ كان الناتج المحلي الإجمالي لـ”الصين” يُشكل نحو: 3,5% من الإجمالي العالمي عام 1997. وارتفعت تلك الحصة إلى: 14% من الناتج العالمي عام 2015، وهو يدور حول مستوى: 17% من الإجمالي العالمي حاليًا إذا قيس الناتج بـ”الدولار” وفقًا لسعر الصرف السائد، وحول مستوى: 23% من الإجمالي العالمي؛ وفقًا لتعادل القوى الشرائية.

أما الصادرات الأميركية؛ فقد كانت تُشكل نحو ثُلث الصادرات العالمية عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وانخفضت إلى: 21,6% من إجمالي الصادرات العالمية عام 1948، وإلى: 14,3% عام 1963، وإلى: 8,4% من الإجمالي العالمي عام 2020، وفقًا لتقرير “إحصاءات التجارة العالمية” الصادر عن “منظمة التجارة العالمية” (2021)، مع وجود عجز هائل في الميزان التجاري الأميركي بشكل متواصل منذ خمسة عقود.

وبالمقابل ارتفعت حصة الصادرات الصينية من الإجمالي العالمي من: 0,9% عام 1948، إلى: 1,3% عام 1963، إلى: 15,2% عام 2020، مع وجود فائض تجاري هائل ومتواصل منذ أكثر من ثلاثة عقود.

ومع الاستبعاد المتوقع للاحتياطيات الدولارية من احتياطي “البنك المركزي الروسي” بعد الإجراءات اللصوصية التي اتخذتها “الإمبراطورية الأميركية”؛ بوضع يدها على الأصول الدولارية لذلك البنك، فإن حصة “الدولار” في احتياطيات البنوك المركزية سوف تنخفض على الأرجح، خاصة وأن “روسيا” تتجه لتسوية علاقاتها التجارية بـ”الروبل”، كما تتوسع “الصين” في تسوية علاقاتها التجارية مع العديد من شركائها في “آسيا” بالذات بالعُملات المحلية للطرفين.

كما أن المخاوف التي أثارتها الإجراءات اللصوصية الأميركية بحق “البنك المركزي الروسي” سوف تدفع الكثير من البنوك المركزية إلى التركيز على “الذهب”، خاصة وأن الاحتياطيات الدولارية لا تأتي بعائد يُذكر في ظل تدني أسعار الفائدة على “الدولار” حتى بعد رفعها مؤخرًا إلى: 1%.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة