وكالات – كتابات :
نشر موقع (فورين بوليسي) الأميركي؛ مقالاً للكاتبة؛ “تاتيانا ستانوفايا”، وهي باحثة غير مقيمة في مؤسسة (كارنيغي) للسلام الدولي، كما أسست شركة (R.POLITIK)، وهي شركة استشارات وأبحاث معنية بالشأن الروسي.
وجاء المقال تحت عنوان: “ما لا يُدركه الغرب عن بوتين حتى الآن”. وتمحور المقال حول الاشتباك مع افتراضات شائعة في الغرب رأى أنها خاطئة؛ إذ يتناول التقرير أوجه القصور والخلل في النظرة الغربية إلى الحرب “الروسية-الأوكرانية”، وأن أحد الاعتبارات التي تُعقِّد المشهد هو اختلاف رؤى كل من الطرفَين: الروسي والغربي؛ تجاه التطورات في “أوكرانيا”.
وقد فنَّدت الكاتبة خمس فرضيات رأت أنها تُمثل إشكالاً بالنسبة إلى النظرة الغربية للحرب بين الجانبين، لا سيما ما يتعلق بترسُّخ النظام الروسي، ومدى تماسُك النخبة الحاكمة، ووجود تأييد جماهيري واسع لخيارات النظام الروسي في “أوكرانيا”، وغياب الدقة عن: “الشائعات الغربية” بشأن سلوك “بوتين”.
تصورات خاطئة..
بحسب التقرير؛ فإن الفرضية الأولى المنتشرة لدى الدوائر الغربية، تتمثل في الإعتقاد بوجود قناعة لدى الرئيس الروسي بأنه خسر الحرب. وناقش المقال هذه الفرضية على النحو الآتي:
01 – غياب الفهم الغربي للأهداف الروسية الحقيقية: أشار المقال إلى أن أحد أبعاد الخلل في هذه الفرضية، ترتبط على نحو رئيس بعدم الإدراك الدقيق للأهداف الروسية في “أوكرانيا”، والقول بأن الهدف الرئيس لـ”روسيا” هو السيطرة على أجزاء كبيرة من “أوكرانيا”، ومن ثم عندما يكون أداء الجيش الروسي سيئًا، أو يفشل في التقدم، أو حتى التراجع؛ فإن هذا يرقى إلى الفشل لدى الدوائر التي تتبنى هذه الفرضية؛ وهذا التصور.

وأكدت الكاتبة أن الأهداف الرئيسة للرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، من هذه الحرب، لم تكن مرتبطةً بتاتًا بالسيطرة على أجزاء كبيرة من “أوكرانيا”، بل كان “بوتين” يستهدف: “تدمير أوكرانيا نفسها بسبب مشروعها وتوجهاتها المناهضة لروسيا”، وفق تعبير الكاتبة، وهو الهدف الذي يرتبط كذلك برغبة “بوتين” في غلق الباب أمام الغرب فيما يتعلق باستخدام الأراضي الأوكرانية جسرًا للتحركات الجيوسياسية المناهضة لـ”روسيا”.
02 – تحقيق “موسكو” أهدافها الإستراتيجية في الحرب: أشار المقال إلى أن ما يؤكد خطأ هذه الفرضية؛ هو استمرار العملية العسكرية الروسية في “أوكرانيا”؛ إذ ترى الكاتبة أن “روسيا” حققت أهدافها الرئيسة المتمثلة في منع “أوكرانيا” من الانضمام إلى حلف الـ (ناتو)، وأجبرتها على أخذ المطالب الروسية الأمنية في الاعتبار، بما يضمن وقف أي تعاون عسكري لـ”أوكرانيا” مع الـ (ناتو)، لكن الكاتبة أشارت إلى أن “روسيا” حتى تستطيع البناء على هذه المكاسب واستكمال أهدافها، سوف تحتاج إلى الحفاظ على وجودها على الأراضي الأوكرانية، والاستمرار في تدمير البُنى التحتية.
03 – قناعة الرئيس “بوتين” بأنه “مُنتصر” في الحرب: لفت المقال إلى أنه ليس هناك حاجة بالنسبة إلى الرئيس الروسي لتحقيق مكاسب كبيرة على غرار السيطرة على “كييف”؛ فهو يرى أنه حقق الأهداف التي كان يرجوها في “أوكرانيا”، كما أنه يعتبر أن ضم إقليمَي لـ”وهانسك” و”دونيتسك” – الذي تعتبره “موسكو” مجرد مسألة وقت – هو أفضل رد يجعل “أوكرانيا” تدفع ثمن الخيارات الجيوسياسية الموالية للغرب؛ على مدى العقدين الماضيين.
ووفقًا للكاتبة؛ فإن “بوتين” يعتقد أنه مُنتصر في الحرب، وينتظر بسعادة إعلان “أوكرانيا” أن: “روسيا موجودة في أوكرانيا إلى الأبد”، وفق تعبير الكاتبة.
تصعيد روسي..
وفقًا للمقال؛ تقوم الفرضية الثانية على قناعة غربية مفادها ضرورة إيجاد آليات تحفظ ماء وجه “بوتين” وتضمن تجنب التصعيد الذي قد يصل إلى استخدام الأسلحة النووية.
وحاول المقال التحليلي تأكيد خطأ هذه الفرضية على النحو الآتي:
01 – قناعة “روسيا” بمحاربة الغرب في “أوكرانيا”: طرحت الكاتبة افتراضًا تساءلت فيه عن مصير الحرب إذا قبلت “أوكرانيا” معظم مطالب “روسيا”؛ من الاعتراف بشبه جزيرة “القِرم” على أنها أراضٍ روسية، وأن “دونباس” مستقلة، والإلتزام بجيش أقل حجمًا، والتعهد بعدم الانضمام إلى الـ (ناتو) أبدًا.
وتُجيب الكاتبة أنه حتى لو فعلت “أوكرانيا” ذلك؛ فإن الحرب لن تنتهي. ويُشير المقال إلى أنه على الرغم من أن “روسيا” تخوض حربًا مع “أوكرانيا”، فإن القناعة الراسخة لدى (الكرملين)؛ هي أنه يخوض حربًا ضد الغرب على الأراضي الأوكرانية.
وتؤكد الكاتبة أن (الكرملين) يرى في “أوكرانيا” سلاحًا مُناهضًا لـ”روسيا” في أيدي الغرب، كما أن الرئيس الروسي يرى أن القيادة الأوكرانية ليست جهة فاعلة مستقلة، بل أداة غربية يجب تحييدها، مهما كانت التنازلات التي ستُقدمها هذه القيادة؛ (بغض النظر عن مدى واقعية هذه التنازلات).
ومن ثم ذهب المقال إلى أن “بوتين” سوف يواصل الحرب إلى أن يرضخ الغرب نفسه ويعترف بما وصفته الكاتبة: بـ”جذور روسيا في أوكرانيا”.

02 – خشية “موسكو” من الحضور الغربي في “أوكرانيا”: أشارت الكاتبة إلى أن الغرب ينظر إلى الأزمة من منظور خاطيء؛ إذ إنه في سعيه إلى وقف الحرب، يُركز على الذرائع التقليدية التي ساقتها “موسكو” لبدء العملية العسكرية، لكنه يتجاهل في المقابل الهاجس الروسي من الحضور الغربي في “أوكرانيا”، وسعي “بوتين” إلى استخدام “أوكرانيا” لإجبار الغرب على الحوار وفقًا للشروط الروسية.
ومن ثم، رأى المقال أن “أوكرانيا” مجرد: “رهينة” في هذه المعادلة.
ترسُّخ النظام..
اشتبك المقال مع فرضية يُروج لها الغرب على نطاق واسع، وهي أن الحملة العسكرية الروسية في “أوكرانيا”، أدت إلى اضطرابات داخل “روسيا”، بل محاولات انقلاب.
وناقش المقال هذه الفرضية على النحو الآتي:
01 – حرص النخبة الروسية على بقاء “بوتين”: رأت الكاتبة أن هذا الافتراض خاطيء، وأن العكس هو الصحيح على الأقل حاليًا؛ إذ أصبحت النخبة الروسية قلقة للغاية بشأن كيفية ضمان الاستقرار السياسي وتجنُّب الاحتجاجات ضد “بوتين”؛ وذلك باعتباره الزعيم الوحيد القادر على إصلاح النظام السياسي ومنع الفوضى.
وأشارت الكاتبة إلى أن النخبة الروسية حاليًا عاجزة سياسيًا وخائفة وضعيفة، وهو أمر يطعن في منطقية هذه الفرضية.
02 – صمود النظام الروسي وضعف معارضيه: أشار المقال إلى أن اتخاذ أي خطوة احتجاجية أو انقلابية ضد الرئيس؛ “بوتين”، في الوقت الحالي سيكون بمنزلة انتحار.
ولفتت الكاتبة إلى عدم إمكانية حدوث ذلك؛ إلا إذا فقد الرئيس “بوتين” قدرته على إدارة البلاد؛ (جسديًا أو عقليًا)، لكن على الرغم من عدم الرضا عن الأوضاع وحالة السخط إزاء سياسات “بوتين”، فإن النظام الروسي نفسه لا يزال صامدًا.
وتؤكد الكاتبة وجهة نظرها بالقول بأن استفاقة النخبة الروسية سوف تستغرق وقتًا أطول بكثير مما يتوقعه كثيرون.
تأييد جماهيري..
بحسب المقال؛ فإن الفرضية الرابعة التي تُسيطر على النظرة الغربية ترتبط بوجود قناعة بأن الرئيس الروسي؛ يخشى الاحتجاجات المناهضة للحرب.
وناقشت الكاتبة هذه الفرضية على النحو الآتي:
01 – نجاح “بوتين” في إيقاظ النزعات القومية في “روسيا”: رأت الكاتبة أن أحد الاعتبارات التي تدحض هذه الفرضية، تتمثل في أن الرئيس الروسي عمِل منذ بداية الحرب على إيقاظ؛ ما وصفتها الكاتبة: بـ”النزعات القومية المُظلمة”، التي يعتمد عليها الرئيس الروسي كثيرًا.
ووفقًا للكاتبة؛ فإنه حتى إن تعامل الغرب مع هذه الحرب بأي شكل، فسيكون عليه التعامل مع صعود هذه النزعة المعادية لليبرالية في مرحلة ما بعد الحرب.
02 – تحفُّز الجماهير الروسية لتدمير “النازيين الأوكرانيين”: وفقًا للمقال فإن الرئيس الروسي – على عكس ما تتصور العديد من الدوائر الغربية – يخشى الاحتجاجات المؤيدة للحرب، خصوصًا مع الضغط الذي سيُمارسه الروس المشاركون في هذه الاحتجاجات، الراغبون في تدمير من يُسمونهم: “النازيين الأوكرانيين”، ومن ثم قد تُمثل هذه الفئات مصدر ضغط على “بوتين”.
شائعات غربية..
الفرضية الخامسة التي تُسيطر على النظرة الغربية، تتجسد في الترويج لرواية أن الرئيس الروسي اعتقل العديد من الدوائر المقربة منه من حاشية ومسؤولين.
وناقش المقال هذه الفرضية على النحو الآتي:
01 – ترويج غربي لشن بوتين “حملات تطهير” في موسكو: أشارت الكاتبة إلى أن السبب وراء صعود هذه الفرضية وسيطرتها على النظرة الغربية، يرتبط بما أُثير حول اعتقال بعض المسؤولين، ومنهم نائب رئيس مكتب “بوتين” السابق؛ “فلاديسلاف سوركوف”، واعتقال “سيرغي بيسيدا”، المسؤول الرفيع المستوى، فضلاً عما أُثير عن عمليات تطهير بين الدائرة المقربة من “بوتين”.
02 – تضارُب “شائعات التطهير” مع أساليب “بوتين” المعتادة: أشارت الكاتبة إلى أن هذه الفرضية وما تحمله من تكهنات، يجب النظر إليها على أنها: “شائعات”، خصوصًا مع إشارة مصادر رفيعة المستوى إلى أنه لم يَجرِ إلقاء القبض على “بيسيدا” ولا “سوركوف”، فضلاً عن أن “بوتين”؛ حتى إن كان مُستاءً من حاشيته، فإن هذا ليس أسلوبه في تطهير دائرته المقربة، ما لم يتم ارتكاب أعمال خطيرة، فضلاً عن أن المسؤول الأول والرئيس عن الحملة العسكرية هو: “بوتين”.
وختامًا؛ يُشير المقال إلى أن النظرة الغربية للحرب “الروسية-الأوكرانية” تحمل مغالطات عديدة، ومن ثم فإما أن يُغير الغرب مقاربته تجاه “روسيا” ويبدأ في أخذ المخاوف الروسية التي أدت إلى هذه الحرب على محمل الجد، أو ينهار نظام “بوتين” وتتراجع “روسيا” عن طموحاتها الجيوسياسية، كما رأى المقال أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين “روسيا” و”أوكرانيا”؛ إلا أن يكون امتدادًا لاتفاق بين “روسيا” والغرب؛ لذلك يتوقع المقال أن تستمر الحرب لسنوات في أحسن الأحوال.