مع كتابات.. جليلة الخليع: أناي الهاربة أصادفها في ممرات القصيدة الضيقة

مع كتابات.. جليلة الخليع: أناي الهاربة أصادفها في ممرات القصيدة الضيقة

خاص: حاورتها- سماح عادل

“جليلة الخليع” أستاذة باحثة وكاتبة وشاعرة مغربية، من مواليد مدينة طنجة. حاصلة على شهادة الدكتوراه “النص العربي القديم”. صدر لها عدة مجموعات شعرية.

إلى الحوار:

** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– شغفي بالكتابة بدأ في سن مبكرة مع المذكرات اليومية، كنت أراوغ اللغة بين الظاهر والباطن، ولم أكن أدرك أنني أعتمد بذلك أسلوب التورية. أما الشعر فكان من قلب القضية الفلسطينية، وما تبعثه فينا من حماس، حيث كتبت أولى قصائدي وعمري لا يتجاوز14عاما وهذا مقطع منها:

في يدي اليمنى حجر

وفي اليسرى باقة ورد

أهديها لأحبة الأرض.

في يدي اليمنى حجر

وعلى صدري رصاصات الغدر

تودي بي شهيدا إلى القبر.

من هنا بدأت رحلتي في دروب الشعر العميقة.

** ماذا يمثل الشعر بالنسبة لك؟

– الشعر هو صانع الجمال والمحافظ عليه، الشعر هو بحث دائم وانفلات متجدد، هو كل الطرق اللائقة بالغرق وكل الحبال المتدلية للنجاة، الشعر أناي الهاربة مني والتي أصادفها في ممرات القصيدة الضيقة.

** ديوان “طنجة ومضات من جنون” هل خصصته للحديث عن مدينة طنجة ومشاعرك نحو مدينتك وانتمائك لها؟ ولما كانت هناك صور ترافق النصوص؟

– “ديوان طنجة ومضات من جنون” هو إصداري  الثاني وقد خصصته لمدينتي طنجة، المدينة الآسرة وأنا الحالمة، طنجة المنفتحة الرؤية المنغلقة علي بكل تفاصيلها، طنجة التي تسكنني وأنا أسكنها، هذه العلاقة العميقة التي حاولت قياسها بمسيرة عمري،  طنجة هذا المرسم المفتوح على الجمال،  كان ينقر برقة على أبواب ذاكرة الطفلة بداخلي،  فكنت أقص من شريط ذاكرتي ومضات من حنين بلمسة من جنون.

أما الصور المرافقة فهي للفنان المبدع  الفوتوغرافي “محمد عز الدين” حيث اخترت لكل نص صورة تحاول إضاءته أو تكون مرآته التي تعكس ظلال البوح الخفي المنطلق بالجنون.

** في ديوان “ظل منحن على مقعد الشمس” ما سر الإيجاز والتكثيف وهل سعيت لعمل لغة خاصة بك؟

– كما قلت ذات نص لي “طابع بريدي منسي” وهو من إصداري “رسائل ليست له” أنني متخصصة في المسافات القصيرة حيث قلت:

“ألا تعلم أنني متخصصة في المسافات القصيرة، حتى أفرغ فيها هذا النفس الذي يملأ رئتي، والطول هو بالنسبة لي مراوغة للشهيق والزفير..”

فكل نص لي هو تخفيف لما يحمله نفسي من ثقل، فلا أهتم للطول مادام البوح قد تنفس فيما يحمله زادي من أحرف.

وكل شاعر لديه لغة خاصة به يستطيع القارئ من خلالها التعرف عليه، وهذه اللغة بالنسبة للشاعر بطاقته التعريفية، وإلا لكانت الدواوين عبارة عن استنساخ.

** في ديوان “ظل منحن على مقعد الشمس” مفردات الضياع، الغربة، اليأس، تعكس حالة من الخصام مع الذات حديثنا عن ذلك؟

– ديواني “ظل منحن على مقعد الشمس” هو بحث عن الذات ما بين أقواس الحياة، الواقع بكل تناقضاته، الأحلام التي أنتعلها، ثم تضيع مني بممرات الراجلين، أبحث عني بين دفتي قصيدة علني أجدني، هو ضياع في ممرات الواقع الغريبة وبين الملابس التي تفرضها الحياة علينا، لكن لا تشبهنا أو بالأحرى ليست بمقاسنا.

** ما تقييمك لحالة الثقافة بالمغرب وظروف النشر؟

– بالنسبة لحالة الثقافة بالمغرب أظنها حالة عامة مشتركة مع معظم الدول العربية، إصدارات عديدة ونسبة القراءة ضعيفة جدا، أسماء عديدة تعرفها الساحة الأدبية مع غياب النقد الجاد.

أما بالنسبة للنشر فللأسف الشديد الكاتب يتحمل أعباءه، ما دام الدعم الذي تمنحه وزارة الثقافة يظل دائما من حظ أسماء بعينها.

** في رأيك هل فقد الشعر بهاءه لصالح السرد من قصة ورواية بمعنى أن القراء أصبحوا يقبلون أكثر على السرد وأصبح الكتاب يتجهون إلى السرد؟

– لا أظن أن الشعر فقد بهاءه لصالح السرد، رغم المقولة السائدة أن الزمن الإبداعي العربي الحالي هو زمن الرواية، فالإبداع الروائي لم يكن له أن يتأتى إن لم يلقح ببذور الشعر الإبداعية فالشعر هو صانع الجمال في فنون الكتابة الأخرى، أما بالنسبة لميل القارئ للسرد، فعلينا أن نعلم أن الشعر فن الأقلية النادرة، فهو يحس ولا يفهم.

وهذا الازدحام في المشهد الشعري والإصدارات الشعرية الكثيرة والمهرجانات الشعرية والجوائز المخصصة للشعر ما هي إلا دليل على أن الشعر مازال ديوان العرب والحافظ لتاريخه.

** حصلت على شهادة الدكتوراه “النص العربي القديم “.. حدثينا عنها؟

– بالنسبة لرسالة الدكتوراه في النص العربي القديم تدخل في إطار تحقيق المخطوطات ودراستها، فكانت محاولة مني لنبش الذاكرة المغربية، إذ أن التأليف الذي قمت بتحقيقه لعلم من أعلام القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري، ألا وهو “سيدي محمد بن القاضي”، صاحب التأليفين المهمين “مجلي الآماق” وهو شرح تائية الصوفي المغربي الشيخ “سيدي محمد الحراق”، والمخطوط الذي قمت بتحقيقه وتأليفه قيد الدراسة والتحقيق “النور القوي في ذكر شيخنا مولانا عبد الواحد الدباغ وشيخه مولانا العربي الدرقاوي”.

وكانت هناك دوافع عديدة تكمن في اختياري هذا يمكن تلخيصها كالتالي:

* اكتشاف التراث المغربي، ومحاولة سبر أغواره عن طريق الدراسة والتحقيق، فهي المرة الأولى التي أتعامل فيها مع المخطوط، أفتح بابا جديدا، كنت أجده عصيا.

* التعريف بشخصية “سيدي محمد المهدي بن القاضي” باعتباره شخصية مغمورة، إذ القليل من الباحثين من يعرفه.

* توسيع المدارك حول الطريقة الدرقاوية المتمثلة في شيخها مولاي العربي الدرقاوي وتلامذته.

* التعرف على جنس أدبي وتاريخي في نفس الآن ألا وهو “أدب المناقب” وكذا كتب الأسانيد العلمية باعتبار تأليف “النور القوي” ينتمي إليها ومحاولة التعريف بها.

** لك دراسة بعنوان “تذوق الصوفية لمعاني الأبيات” عن ماذا تدور؟

– كان اهتمامي بالدرجة الأولى للتذوق الصوفي للشعر، هذا الموضوع الذي خصص له، “أبو الحسن علي اليوسي” وهو صوفي وأديب مغربي من أعلام القرن 11 الهجري/ 17 الميلادي والذي ينعت بغزالي عصره، فصلا من كتابه المحاضرات، يعد من أطول الفصول فارتأيت أن أستجمع جهدي لأتطرق لهذا الموضوع الذي جمع بين دفتيه الشعر والتصوف والذوق الحاكم الفاصل ما بينهما.

** “حروف في قبضة الذاكرة”  نصوص أدبية عابرة للأجناس، ماذا تعني عابرة للأجناس؟ وحدثينا عن كتابك عما يدور؟

– بالنسبة لإصداري الأول “حروف في قبضة الذاكرة” فهي نصوص لا تدخل ضمن جنس أدبي معين، هي نصوص أدبية تكتسحها الذاتية بشعرية مفعمة بالتأمل.

كانت للأغنية حصة في الذاكرة، فاعتلت الحروف أوتارها لتدندن مقطعا من هنا ومقطعا من هناك، لترسم تفاصيل الذات الموغلة في الفلسفة، هو البحث عني في تجمعات الحروف، في معاجم اللغة، في نوتات لحن تشد عراباته على ظلي المختفي المتجلي لأعبر إلي في مسارات الكلمة.

الكتاب ليس سيرة ذاتية، وإنما هي ذاكرة إنسانية تطل في حضرة  النصوص. هو الانطلاق من “الأنا” الذات المتكلمة لأستجمع كل الضمائر في  قبضة الحروف.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة