وكالات – كتابات :
في 2012، كانت “فرنسا” أكبر مُصدّر للسلع إلى “الجزائر”، بينما استحوذت “الولايات المتحدة” على لقب الزبون الأول لها؛ بفضل وارداتها من “الغاز المُسال”، لكن بعد عام 2013، قلبت “الصين” المعادلة.. كيف ذلك ؟
“الصين” أصبحت الشريك التجاري الأول لـ”الجزائر”..
انتزعت “بكين” صدارة المصدرين إلى “الجزائر” من “فرنسا”؛ التي احتكرتها لعشرات السنين، وتحولت “بكين” إلى الشريك التجاري الأول لـ”الجزائر”؛ التي تبحث عن تنويع شركائها التجاريين، والتخلص نهائيًا من التبعية الاقتصادية الفرنسية، بحسب تقرير لوكالة (الأناضول).
بينما أدى استغلال “الولايات المتحدة”؛ للغاز الصخري، إلى توقفها عن استيراد “الغاز المُسال”؛ من “الجزائر”، واضمحلال دورها بوصفها أكبر شريك تجاري لها، حيث تراجع التبادل التجاري بينهما من نحو: 19.5 مليار دولار؛ في 2007، إلى: 2.6 مليار في 2021.
في المقابل، استغلت “الصين” تضرر الاقتصادات الأوروبية والأميركية من الأزمة المالية العالمية؛ في 2008، لتقوي شراكتها التجارية مع “الجزائر”؛ التي كانت تُعتبر سوقًا محتكرة للأوروبيين، وعلى رأسهم الفرنسيون.
وتزامن صعود “الصين” إلى صدارة الشركاء التجاريين لـ”الجزائر”، متجاوزة “فرنسا”، مع إطلاقها في أيلول/سبتمبر 2013؛ مبادرة “الحزام والطريق”، التي أعلنت “الجزائر” انضمامها إليها؛ في 2014، لكن الانضمام الرسمي لم يتم إلا؛ في 2019.
ففي 2019، بلغت المبادلات التجارية “الصينية-الجزائرية”: 08 مليارات دولار، منها قرابة: 07 مليارات صادرات صينية؛ ما أثار قلق شركاء “الجزائر” الأوروبيين من تقلص نفوذهم، رغم الإمتيازات الجمركية التي حصلوا عليها بفضل اتفاق الشراكة.
“بكين” و”الجزائر”.. تعاون دبلوماسي وأمني طويل..
ليس التعاون التجاري وحده ما جعل “الصين” تُنشيء “شراكة إستراتيجية شاملة” مع “الجزائر”، التي تُعد الشراكة الوحيدة من نوعها في “المغرب العربي”، بل أيضًا الثقة السياسية والتعاون الأمني والعسكري.
فـ”الصين” كانت أول دولة غير عربية تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة؛ في 1958، حتى قبل استقلال البلاد؛ في 1962، وزودتها خلال “الثورة التحريرية” بالأسلحة، وبعد الاستقلال ساعد البلدان الدول المستعمرة على التحرر على غرار “فلسطين” ودول إفريقية ومن “أمريكا اللاتينية”، بحسب (الأناضول).
ولعبت “الجزائر” دورًاً بارزًا في مساعدة “الصين الشعبية” على استعادة مقعدها في “الأمم المتحدة”؛ عام 1971، وهو الموقف الذي أشادت به “بكين” في أكثر من مناسبة.
هذا التنسيق الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي مهدا لشراكة أمنية وعسكرية بين البلدين، خاصة مع تطور الصناعات العسكرية الصينية في الأعوام الأخيرة، في الوقت الذي تُخصص “الجزائر” أكبر ميزانية دفاعية في “إفريقيا”؛ تبلغ نحو: 9.6 مليارات دولار.
إذ أقتنت “الجزائر”؛ في الأعوام الأخيرة، عدة أسلحة صينية، بينها أول سفينة تدريب حربية، وطرادات، وطائرات مُسيرة، وأنظمة للحرب الإلكترونية، ومدفعية ذاتية الدفع، وصواريخ مضادة للطائرات والسفن.
فضلاً عن التعاون الفضائي، حيث أطلقت “الجزائر”؛ في 2017، قمرًا صناعيًا من قاعدة في “الصين”، وكذلك ساعدت “بكين”؛ “الجزائر”، في بناء مفاعل نووي للأبحاث مخصص لإنتاج المواد الصيدلانية الإشعاعية، دخل حيز الخدمة في 1993.
مبادرة الحزام والطريق.. “طريق الحرير”..
إذا كانت “الجزائر” لا تقع على “طريق الحرير” التاريخي؛ بين “الصين” و”أوروبا”، فإنها تُمثل نقطة محورية في: “مبادرة الحزام والطريق”؛ لوقوعها في منطقة ربط بين “أوروبا” و”إفريقيا”.
وفي هذا الصدد؛ عززت “الصين” استثماراتها في “الجزائر”، وانتقلت من قطاع المقاولات وإنجاز المشاريع العقارية والأشغال العمومية والبنية التحتية إلى الاستثمار في قطاع المناجم والصناعات التحويلية.
وأنجزت الشركات الصينية عدة مشاريع ضخمة في “الجزائر”؛ مثل “المسجد الأعظم”؛ (أكثر من: 1.5 مليار دولار)، وآلاف الوحدات السكنية، وأجزاء واسعة من الطريق السريع شرق غرب؛ (أكثر من: 11 مليار دولار)، ودار “الأوبرا”، وتوسعة المطار.
لكن ومع انضمام “الجزائر” رسميًا إلى “مبادرة الحزام والطريق”؛ في 2019، دخلت الشراكة مع “بكين” مرحلة جديدة بالاتفاق على إنجاز شركات صينية لمشروع أكبر ميناء إفريقي وفي حوض “البحر الأبيض المتوسط”؛ بتكلفة: 06 مليارات دولار، بتمويل مشترك، من شأنه فك العزلة عن البلدان الإفريقية غير الساحلية، مثل: “مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو”.
حيث سيرتبط هذا الميناء بالطريق العابر للصحراء الذي يضم، إلى جانب “الجزائر”، كلاً من “تونس ومالي والنيجر وتشاد”، ويصل إلى “نيجيريا”، ويكون مرفوقًا بخط للألياف البصرية، كما سيتبع مشروع أنبوب “الغاز النيجيري” مسار الطريق نفسه حتى يصل إلى شبكة أنابيب الغاز الجزائرية نحو “أوروبا”.
وكان من المفترض أن تتولى شركة صينية تسيير “ميناء الحمدانية” بعد استكماله، لكن الرئيس الجزائري؛ “عبدالمجيد تبون”، أمر حكومته بإعادة دراسة المشروع مع الشريك الصيني: “وفق قواعد شفافة”.
إذ من المتوقع أن يتحول “ميناء الحمدانية” إلى لؤلؤة في سلسلة اللآلئ الصينية المنتشرة في بحار مختلفة من العالم على الطريق البحري لمبادرة “الحزام والطريق”، ما سيسمح بتعزيز وصول السلع الصينية إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية في مدد زمنية أقصر.
التعاون الصناعي والاحتكار الصيني..
قطاعا المناجم والصناعات التحويلية من المجالات الحديثة التي تستثمر فيهما” الصين” مليارات الدولارات بـ”الجزائر”، التي تمتلك احتياطيات مهمة منهما غير مستغلة بالشكل المناسب.
ففي شرق “الجزائر”، وقّع البلدان؛ في آذار/مارس الماضي، اتفاقًا لاستثمار: 07 مليارات دولار، لإنتاج: 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية، حيث سيتم استخراج الفوسفات الخام وإعادة تحويله إلى أسمدة زراعية.
كما استحوذت: 03 شركات صينية على مشروع لاستخراج خام الحديد من منجم غار “جبيلات”؛ (جنوب غرب)، بالشراكة مع “الجزائر”، والذي يُعد أكبر منجم حديد في “إفريقيا”، باحتياطي يُقدر بنحو: 03 مليارات طن، وباستثمار أولي بملياري دولار.
حيث سيتم إنشاء عدة مشاريع مرافقة له، على غرار ربطه بخط للسكك الحديدية لنقله إلى موانيء التصدير في الشمال، وتحويل جزء منه إلى حديد صلب.
وهذه المشاريع ستجعل “بكين” أكبر شريك استثماري لـ”الجزائر”؛ في قطاع المناجم، التي تُضاف إلى نحو: 10 مليارات دولار استثمارات صينية؛ منذ 2010.
ونجاح هذه الاستثمارات من شأنه جعل “الصين”، ليست فقط الشريك التجاري الأول لـ”الجزائر”، بل أكبر مستثمر فيها.
ولا تبدو “الجزائر” قلقة من التحذيرات الأميركية والغربية من إغراقها بالديون الصينية؛ لأنها تتبنى مبدأ الشراكة وفق قاعدة: 51% لـ”الجزائر”، و49% للشريك الأجنبي، حيث تمكنها احتياطياتها من النقد الأجنبي من تغطية هذه الاستثمارات دون اللجوء إلى الاقتراض الكثيف.
وتمتلك “الجزائر” نحو: 44.7 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية، من المتوقع أن تعود إلى الصعود مع ارتفاع أسعار “النفط” و”الغاز” لمستويات قياسية، إضافة إلى امتلاكها احتياطيات ذهب تُقدر: بـ 173.6 طنًا؛ (الثالثة عربيًا)، بينما ديونها الخارجية شبه معدومة.