سياسة تلغيم المنطقة بشلالات التسليح .. حينما عملت “واشنطن” على إضعاف العراق أمام إيران !

سياسة تلغيم المنطقة بشلالات التسليح .. حينما عملت “واشنطن” على إضعاف العراق أمام إيران !

وكالات – كتابات :

حينما وجه الرئيس الأميركي؛ “ريتشارد نيكسون”، مناشدة صارخة إلى شاه “إيران”، بكلمة: “احميني”؛ والتي تحولت منذ السبعينيات من القرن الماضي إلى “عقيدة نيكسون” باسم الرئيس الأميركي، وأصبحت في الواقع مستمرة في توجيه السياسة الأميركية إزاء المنطقة إلى يومنا هذا؛ على الرغم من كونها: “كارثة إستراتيجية وإنسانية”.

واستعاد معهد (كوينزي) الأميركي: “عقيدة نيكسون”؛ التي تحكمت بمفاصل السياسة الخارجية الأميركية منذ 50 سنة بالتمام، وتركت آثارًا كبيرة على “العراق” وأدت إلى إطلاق سباق تسلح وحروب في المنطقة ما زالت تداعياتها قائمة حتى الآن، وذلك في تقرير نشره المعهد الأميركي المتخصص بالسياسة الخارجية، على موقع مجلته الإلكترونية (ريسبونسيبال ستيتكرافت).

وذكّر التقرير باللقاء الذي عُقد في مثل هذا اليوم قبل 50 عامًا، وتحديدًا في 31 آيار/مايو العام 1972، بين “نيكسون” وشاه “إيران”؛ في “قصر سعد آباد”، في “طهران”، عندما وافق الرئيس الأميركي للمرة الأولى على أن يبيع الشاه مقاتلات (إف-14) و(إف-15)؛ وقنابل موجهة بالليزر، والتي كانت وقتها الأسلحة الأكثر تطورًا في الترسانة الأميركية، وطلب “نيكسون” في المقابل، أن تستخدم “إيران الشاه” هذه الأسلحة لحماية المصالح الأميركية في منطقة الخليج.

مصدر الصورة: رويترز

كيف بدأت “عقيدة نيكسون”..

وأوضح التقرير أن قدرات “الولايات المتحدة” على إرسال قوات عسكرية إلى الخارج كانت مقيدة؛ حينها، بسبب انخراطها بحرب “فيتنام”، ولهذا فإن “نيكسون” مارس الضغط على الحلفاء في أنحاء العالم من أجل المساهمة بشكل أكبر في العبء العسكري لـ”الحرب الباردة”، وأصبحت هذه الإستراتيجية تُسمى: “عقيدة نيكسون”.

وفي هذا الإطار؛ كان “نيكسون” ينظر إلى “إيران” بمثابة شريك مثالي في الخليج من أجل مواجهة نفوذ “الاتحاد السوفياتي” المتصاعد في الدول المجاورة؛ نظرًا إلى علاقات “الشاه” الوثيقة مع “واشنطن” وارتفاع عوائد “النفط” الإيرانية، في حين أن “الشاه”؛ الذي كان يحلم بتحويل “إيران” إلى قوة عسكرية لا مثيل لها في الخليج، تبنى: “عقيدة نيكسون”، لينطلق بذلك سباق تصدير أسلحة هائل في المنطقة المضطربة ويتواصل حتى أيامنا هذه.

من حظر الأسلحة إلى شلال الدعم العسكري !

وأشار التقرير إلى أن “الولايات المتحدة” كانت؛ في وقت سابق من “الحرب الباردة”، تقوم بالتنسيق مع “بريطانيا” و”فرنسا” من أجل الحد من بيع الأسلحة لدول الخليج، بما في ذلك “إيران”، حتى أنه خلال الستينيات من القرن الماضي، قيدت كمية الأسلحة التي تعتزم بيعها لـ”إيران” خوفًا من أن “الشاه” إذا ظل بلا رادع، سيُنفق كثيرًا على شراء السلاح بدلاً من تطوير الاقتصاد، مما يُعرض للخطر دعم الإيرانيين للنظام الملكي في “طهران”.

لكن بعد اجتماعه مع “الشاه”؛ في آيار/مايو 1972، أمر “نيكسون”؛ الحكومة الأميركية، بالتراجع عن سياسة تقييد مبيعات الأسلحة لـ”إيران”، ولهذا، فإن اتفاقيات بيع السلاح لـ”إيران” والخدمات العسكرية الأخرى ما بين عامي: 1970 و1974، تزايدت بمقدار: 23 ضعفًا.

وتابع التقرير أنه بحلول أواخر السبعينيات، كان “الشاه” مستمرًا بالقيام بعمليات شراء مكلفة ماليًا، بما في ذلك العشرات من طائرات (إف-14)، والمدمرات الصاروخية الحديثة؛ و07 طائرات استطلاع من طراز (أواكس) المتطورة تكنولوجيًا.

إنطلاق سباق التسليح..

وكنتيجة لذلك؛ قال التقرير إن: “التعزيز العسكري الإيراني الهائل تسبب في إطلاق سباق تسلح في الخليج، حيث أنه في مقابل القوة الإيرانية المتصاعدة وتزويدها المسلحين الكُرد في العراق بالسلاح، قام العراق بزيادة إقتنائه للأسلحة من (الاتحاد السوفياتي). كما أنه كرد على تنامي القوات المسلحة العراقية، قامت المملكة السعودية بتسريع زيادة مشترياتها من الأسلحة الأميركية، بما في ذلك: 60 مقاتلة من طراز(إف-15)؛ في العام 1978”.

وحول الإطاحة بـ”الشاه”؛ في العام 1979، ومجيء آية الله “الخميني”؛ المعادي لـ”أميركا”، قال التقرير إن الإيرانيين ثاروا على “الشاه”؛ الذي أنفق بسخاء على شراء الأسلحة الأميركية؛ ولم يستثمر في تحسين نوعية حياة غالبية الإيرانيين، وهي نقطة كان “الخميني” يُلفت إليها دائمًا في خطاباته الثورية.

ولهذا، يعتبر التقرير أن: “عقيدة نيكسون” ساعدت في تحويل “إيران”، من حليف لـ”أميركا”، إلى خصم لها.

“واشنطن”.. صانعة الخصم الإيراني..

وتابع التقرير أنه رغم سقوط “الشاه”، فإن “واشنطن” ضاعفت من سياسة: “عقيدة نيكسون”، مراهنة على بيع المزيد من السلاح للحلفاء العرب من أجل العمل على احتواء “إيران”، ومارس أمراء العائلة الحاكمة في “السعودية”؛ الضغوط من أجل الحصول على المزيد من السلاح الأميركي للدفاع عن أنفسهم أمام النظام الإيراني الجديد المناهض للملكية في “طهران”، والذي كان مسلحًا بالعتاد الأميركي ويتعهد: بـ”تصدير الثورة الإسلامية” إلى الخارج.

وأضاف أن “الثورة الإيرانية”؛ في بداية العام 1979: “صدمت”، الرياض وواشنطن، كما أن الغزو السوفياتي لـ”أفغانستان”؛ في نهاية ذلك العام، أثار حالة من الذعر، وأنه ردًا على ذلك، أعلن الرئيس الأميركي؛ “جيمي كارتر”، أن: “أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج، سيتم التصدي لها بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية”، معلنًا أوامر لتعزيز تواجد القوات الأميركية في “الخليج العربي” وما حوله.

مصدر الصورة: رويترز

الحرب “العراقية-الإيرانية” وسياسة تلغيم المنطقة بالسلاح الأميركي..

وذكر التقرير أن الحرب “العراقية-الإيرانية”؛ بدأت في العام 1980، واستمرت لثماني سنوات، وفاقمت من زعزعة الاستقرار في الخليج، وأن العنف الكبير الذي ظهر كان نتيجة لتكديس السلاح في البلدين؛ الذي جرى بدوافع من: “عقيدة نيكسون”، خلال السبعينيات، مضيفًا أنه كنتيجة للعقيدة نفسها، فإن “واشنطن” ساندت مبيعات الأسلحة بدرجة غير مسبوقة من “الاتحاد السوفياتي” و”فرنسا” إلى “العراق”، لضبط قوة “إيران”؛ التي في الوقت نفسه، حصلت على أسلحة أميركية من السوق السوداء.

وتابع أن الحرب “العراقية-الإيرانية” تسببت في ارتفاع أسعار “النفط” العالمية، كما أنها جعلت الجيش الأميركي منغمسًا بعمق أكبر في الخليج، وأدت أيضًا إلى مقتل: 750 ألف شخص.

الإنحراف الكبير وإضعاف “العراق” !

أما “الإنحراف الأكبر”؛ في “عقيدة نيكسون”، فهو بحسب التقرير الأميركي؛ تمثل في تدخلات الجيش الأميركي في حرب الخليج؛ العام 1991، ثم غزو “العراق”؛ العام 2003، وبالتالي انتشار كبير للقوات القتالية الأميركية، مضيفًا أن هاتين الحربين ساهمتا في تعزيز القوة الإقليمية النسبية لـ”إيران” من خلال إضعاف قوة “العراق” واستعداده لمواجهة القوة الإيرانية.

وللمفارقة؛ فقد دفعت هذه العوامل؛ “واشنطن”، إلى العودة مجددًا إلى “عقيدة نيكسون”، حيث تعمد “واشنطن” إلى بيع كميات غير مسبوقة من السلاح إلى “السعودية” و”الإمارات” لتتمكنا من مواجهة “إيران”، بما في ذلك ذلك صفقة قياسية قيمتها: 60 مليار دولار، أبرمت مع “السعودية”، في العام 2010.

إلا أن التقرير أشار إلى أن “السعودية” و”الإمارات” استخدمتا التدفق الهائل للأسلحة الأميركية من أجل: “شن غزوهما المضلل لليمن”؛ في إطار مواجهة نفوذ “إيران”، وساندتهما إدارتا؛ “باراك أوباما” و”دونالد ترامب”، من خلال إمدادات العائلة من الأسلحة، حيث أن “السعودية” تلقت ما بين عامي: 2015 و2019، ربع إجمالي صادرات “أميركا” من السلاح.

وختم التقرير بالقول إن: “عقيدة نيكسون” ألحقت الضرر مجددًا بمصالح “الولايات المتحدة” وشعوب الشرق الأوسط، حيث أدت الحرب في “اليمن” إلى مقتل نحو ربع مليون شخص ودفعت أكثر من نصف سكان “اليمن” إلى مستويات حادة من إنعدام الأمن الغذائي، في حين أن التدخل العسكري الذي قادته “السعودية” أدى فعليًا إلى تعزيز نفوذ “إيران”، وأشعل المشاعر المناهضة لـ”أميركا” بسبب مقتل العديد من اليمنيين بفعل الذخائر الأميركية.

وخلص التقرير إلى القول أن: “بيع عدد لا يُحصى من السلاح المتطور إلى دول الخليج وفق منطق (عقيدة نيكسون)، قاد إلى كوارث إنسانية وإستراتيجية متكررة”. ودعا المعهد الأميركي؛ “واشنطن”، بعد مرور 50 عامًا على العقيدة، إلى إنهاء دورها في سباقات التسلح في الخليج، وأن تلتزم عوضًا عن ذلك بالتفاوض حول الاتفاقيات متعددة الأطراف تتعلق بخفض مبيعات السلاح إقليميًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة