لم يعد الشان الاجتماعي ، لاسيما بعد دعوة الفيلسوف الوضعي الفرنسي ((اوجست كونت 1789/ 1857م))لانشاء علم للاجتماع يكون هوالاطار المنهجي لدراسة جميع الظواهرالمجتمعية واتمام تلميذه وزميله الفرنسي (( اميل دوركايم 1858 / 1917م )) لاسس هذا العلم ، وبناءاته النظرية العقلية والعملية التجريبية، لم يعد هو ذالك الشأن الذي يمكن تناوله فيما بعد من خلال تأملات فكرية فقط ، او فلسفية او نفسية ذاتية او شخصية لهذا المفكر او ذاك بعيدا عن اطرهذا العلم ومناهجه البحثية الحديثة !!.
بل اصبح للمجتمع ، ودراسة ظواهره المتنوعة ، وبحث بنيته وتطوراتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية علم ومرجعية منهجية لابد على كل من يحاول ان يدرس هذا المجتمع ، او يبحث في ظواهره ، او يحاول تحليل وقراءة هذه الظواهر .. الخ ،ان يرجع اليه ويطبق مناهج هذا العلم على كل ظاهرة اجتماعية يراد بحثها ودراستها واستخلاص النتائج والاحكام والقوانين الاجتماعية منها !!.
وعلى هذا الاساس ، اذا كان من المقبول بحثيا ودراسيا تاريخيا ان نعود ببحث المسألة الاجتماعية وجذورها(( الظاهراتية )) الى التاريخ اليوناني لنقرأ سقراط ومن ثم افلاطون وارسطوا على اساس انهم من المؤسسين للفكر الاجتماعي القديم وهكذاعندما نرجع بحثيا الى المؤرخين والفلاسفة المسلمين لنقرأ الفارابية اورؤية ابن مسكويه الاخلاقية اورؤى ابن طفيل او ابن رشد …، الفلسفية على انها ايضا من المؤسسات للرؤى الفكرية لعلم الاجتماع فيما مضى فانه ينبغي ان يتعذر علينا بعد صناعة وانشاء علم للاجتماع فيما بعد (( اوجست كونت ودوركهايم وسبنسر وفيبر …. حتى جدنز))ان نرجع في تناول الشأن الاجتماعي الى غيرالمختصين بهذا العلم والطارحين لمناهجه ، والمقننين لعمله واستخلاص قوانينه ونتائجه !!.
وذالك لانه بعد ان تحولت ((المادة الاجتماعية))الى موضوع علم مختص له تعاريفه العلمية وموضوعه المختلف والمميز عن باقي مواضيع العلم الطبيعية الفيزيكية ، والانسانية وهكذا له مناهجه التجريبية الموضوعية الامبيريقية والعقلية النظرية ….. فبعد ذالك التخصص يكون من الصعب الاعتماد على اي رؤى اجتماعية تصدر من غيراصحاب الاختصاص بهذا العلم الحديث الذي له ادواته المساعدة للمختصين في فهم ماهية الظاهرة الاجتماعية ؟،وكيفية اختلافها عن باقي الظواهر النفسية او الطبيعية !!.
صحيح ان جميع العلوم ، وخاصة منها العلوم الانسانية تنفذ بعضها الى البعض الاخر وتتاثر بعضها بالاخر فالمتخصص في العلم الاقتصادي مثلا لايمكن له ان يضع (( برنامجا اقتصادية للمجتمع ناجحا )) اذا لم يستعن بخبرات (علماء الاجتماع ) في مضمار العلم الاجتماعي او علماء النفس الاجتماعي والفردي ليدرك طبيعةالمجتمع ونمطية ادراكه وسلوكه وكيفية تفجير ، وتحريك طاقته للمساهمة في انجاح البرنامج الاقتصادي المراد طرحه ؟!.
وهكذا المتخصص بالعلم السياسي ، او معظم العلوم الاخرى بما فيها علم الاجتماع الذي هو ايضا بحاجة للادراك ، والاستيعاب للاستعانة بمنتجات العلم الاقتصادي وبحوثه ونتائجه … ليضع دراساته وبحوثه الاجتماعية الاقتصادية التي هي بحوث تؤثرفي حركة المجتمع وتشكيلاته الاجتماعية ومدى تاثيرالعوامل الاقتصادية او السياسية او النفسية او… على بنيته السلوكية والاخلاقية والفكرية والاسرية … الاجتماعية وغير ذالك !!.
لكن هذاالتاثيروالتأثربين بعض العلوم الانسانية فيما بينها والبين الاخر لا يلغي (مفهومة التخصص) بهذه العلوم الانسانية التي لم تصبح علوما الا بعد انفصال بعضها عن البعض الاخرفي المواضيع والمناهج والمنطلقات والنتائج كما انها لا تلغي ان عالم الاجتماع وادواته المعرفية هي مختلفة تماما عن ادوات عالم الاقتصاد اوعالم النفس اواي عالم في مجال اخرله ادواته المعرفية ومنطلقاته العلمية ، التي تتناول زاوية من حياة الانسان الاجتماعية ، او الفردية او الفكرية او الفسلجية او الطبيعية او غير ذالك !!.
ان ما يميز علم الاجتماع الحديث اليوم عن باقي العلوم الانسانية الاخرى انه علم استطاع اكتشاف :
اولا : (( قوانين )) الهيئة الاجتماعية ، وكل منتجاتها وظواهرها الفكرية والسلوكية والاقتصادية والنفسية، والاسرية والفردية والقبلية والسياسية … من جهة !.
وثانيا : استطاع من جانب اخر ان يبرز ((الحقيقة الاجتماعية )) ، التي كانت غائبة تماما عن التفكير البشري القديم الفلسفي والديني والطبيعي والاخلاقي والتاريخي والنفسي … وحتى الكوني !!.
اي ان علم الاجتماع في بداية بواكير ولادته ، ونشأته (( اذا استثنينا ابن خلدون ومشروعه الاجتماعي من هذه الولادة والبواكير التي لم يكتب لها الاستمرار والتطور)) استطاع تحديد مفهوم ان المجتمع الانساني(( وحدة قائمة بذاتها ، ولها كينونتها المستقلة )) عن باقي الظواهر الطبيعية او النفسية او الفردية ….. التي تؤثر في صناعة الانسان وحياته !!.
ومن هنا يمكن القول : ((ان اول ماقام تاسيس هذا العلم الاجتماعي عليه هو فكرة تحديد ، ان كان للظاهرة الاجتماعية وجود مستقل في الخارج عن الفردي والنفسي والطبيعي الانساني ؟.
أم ان المجتمع مجرد مفهوم اعتباري يختصر وجوده في الذهن الانساني كمفهوم منتزع من التصورات الذهنية الانسانية ولا وجود واقعي خارجي له ؟.
والحقيقة ان اول من قام بالتنظير لهذه الحقيقة الاجتماعية واثبتها بشكل عقلي ،وتجريبي لا لبس فيه هو مؤسس العلم الاجتماعي الحديث (( إميل دوركهايم)) في كتابه التاسيسي(( قواعد المنهج في علم الاجتماع))عندما لحظ ضرورة دراسة الظواهرالاجتماعية على انها (اشياء خارجية)تفرض نفسها على (( الانسان الفرد )) ، وتخضعه لوجودها الخارجي وظواهرها وقوانينها الاجتماعية المستقلة عنه تماما !!.
ومن هنا بدأت الانطلاقة (( للعلم الاجتماع )) على اساس انه علم يمتلك ((موضوعا مستقلا))يمكن اخضاعه للتجرية الموضوعية وبعد ذالك بحث مناهج هذا العلم وماهية هذه المناهج ، التي يمكن لعلم الاجتماع التحرك داخل اطاراتها، والنهل من معينها (( علم )) يخضع للوضعية والتجريبية من خلال مناهج الاحصاء والتحليل الاجتماعي ، وحاله في ذالك حال اي علم طبيعي موضوعي يمكن اخضاعه للتحليل الامبيريقي !!.
اذاً المجتمع اصبح مادة علمية وجرّ في سياقاته وظواهره ((علما)) سُمي فيما بعد ب((علم الاجتماع / سيسولوجي )) لا لانه محتوى ، او موضوع بالامكان الكتابة والتنظير حول شؤونه الانسانية فحسب، بل لانه هو فعلا مادة مستقلة ، لها كينونة وشخصية موضوعية ، وتمتلك منهجا متكاملا وقانونا يؤثر ويتأثر فيما حوله من ظواهر طبيعية وانسانية اخرى !.
ان هذه الرؤية لعالم الاجتماع الانساني الواسع ، او المحلي ، او الصغير واعتبار انه عالم له قوانينه الخاصة ، وظواهره المميزة ، ومن ثم علمه ومنهجه القائم بذاته يدفعنا للتساؤل حول ماهية هذا العلم ؟ ، وتعريفاته التي طرحت له بصورة خاصة ، لندرك مجالات عمل هذا العلم ؟ ، وافاق اختصاصه الفكري والتاريخي والانساني الحاضر ،وهذا ما سوف نتناوله بالمقدمة ثانية لعلم الاجتماع الحديث !!.
[email protected]
مدونتي :
http://7araa.blogspot.com/