خاص : كتبت – نشوى الحفني :
فجرت “مجزرة تكساس”؛ التي راح ضحيتها: 21 قتيلاً، قضية حمل السلاح المرخص بيد المواطنين الأميركيين، الأمر الذي أثار الرأي العام الأميركي والعالمي، ومع انتشار حوادث إطلاق النار في مناطق مختلفة من “الولايات المتحدة الأميركية”، حذرت مؤسسات بحثية من خطورة تنامي انتشار السلاح في يدي المدنيين على مستوى الداخل الأميركي، مُقّدرة عدد الأسلحة الفردية بين يدي المدنيين بحوالي: 400 مليون قطعة؛ ما يُمثل نصف الأسلحة الفردية المنتشرة بين المدنيين في دول العالم، بحسب (واشنطن بوست).
على إثر الحادث الأخير، دعا الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، إلى المزيد من السيطرة على الأسلحة، معتبرًا أن التعديل الثاني في الدستور الأميركي الذي يحمي حق المواطنين في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها: “ليس نهائيًا”.
وسأل “بايدن”؛ في تصريح من “البيت الأبيض”: “متى سنفعل ما يجب القيام به، للحد من المذابح التي تحدث في بلدنا ؟”، داعيًا إلى فرض قوانين مراقبة السلاح، وذلك في أعقاب مقتل: 19 طفلاً ومعلمين إثنين في مدرسة ابتدائية في ولاية “تكساس”.
وقال “بايدن”، عن قوانين مراقبة الأسلحة: “في حين أنه من الواضح أنها لن تمنع كل مأساة، إلا أننا نعلم أن بعضًا منها سيكون لها تأثير كبير ولن يكون لها تأثير سلبي على التعديل الثاني”، مشددًا على أن: “التعديل الثاني ليس مطلقًا. عندما تم تمريره، كان يمنع امتلاك أنواع معينة من الأسلحة. كانت هناك دائمًا قيود”.
و”بايدن”، الذي ساعد في تمرير الحظر الفيدرالي على الأسلحة الهجومية عندما كان عضوًا في “مجلس الشيوخ”، أشار إلى أنه شعر بالدهشة لأن المسلح الذي هاجم المدرسة في “تكساس” دخل إلى متجر واشترى: “أسلحة حرب مصممة ومسوقة على أنها قاتلة”.
ارتفاع معدل جرائم القتل..
وكان قد كشف تقرير رسمي لـ”مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأميركي؛ في عام 2021، عن تسجيل أكبر نسبة ارتفاع في جرائم القتل بـ”الولايات المتحدة”، منذ أن بدأ المكتب في رصد وإحصاء تلك الجرائم منذ ستينيات القرن الماضي.
وأظهر تقرير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ارتفاع جرائم القتل بنسبة: 30%؛ خلال عام 2020، مقارنة بعام 2019، كما أظهر التقرير حدوث زيادة بنسبة: 5% في جرائم العنف بين عامي: 2019 و2020، فيما انخفض إجمالي عدد الجرائم التي تم الإبلاغ عنها بنحو: 6% في الفترة نفسها، وأحصى تقرير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ارتكاب أكثر من: 21 ألفًا و500 جريمة قتل خلال العام الماضي، وهو عدد لم يرصده مكتب التحقيقات منذ منتصف التسعينيات.
وبلغ معدل جرائم القتل؛ في عام 2020، حوالي: 6.5 لكل: 100 ألف شخص، أي أقل بنسبة: 40% مما كان عليه في الثمانينيات والتسعينيات، عندما بلغت جرائم القتل ذروتها في “الولايات المتحدة”.
تخطى إنتاج 140 مليون قطعة سلاح..
وفي الفترة الأخيرة، شهدت “الولايات المتحدة الأميركية” طفرة في إنتاج الأسلحة النارية التي يستخدمها الأفراد في الداخل الأميركي لتتخطى: 140 مليون قطعة سلاح منتجة داخليًا؛ بحسب موقع (ATF)، وهو “المكتب الأميركي للكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات”، والذي يوفر بيانات متعمقة حول تصنيع الأسلحة النارية وبيعها.
وقد أنتجت المصانع الأميركية للأسلحة، أكثر من: 11 مليون سلاحًا؛ في عام 2020، وفقًا لتقرير (ATF) نُشر الأسبوع الماضي.
لم تكتف السوق الأميركية بإنتاجها، فبحسب التقرير، استوردت “الولايات المتحدة”، في الفترة نفسها: 71 مليون قطعة سلاح ناري وصدرت: 7.5 مليون قطعة فقط، الأمر الذي يعكس الكم الهائل من الأسلحة النارية المتوفرة في البلاد؛ والذي ساهم في تصاعد أعمال العنف المسلح وجرائم القتل وعمليات الانتحار.
ووفق التقرير؛ فإن قطاع صناعة الأسلحة النارية زاد أضعافًا خلال السنوات العشرين الماضية، إذ إن عدد شركات صناعة السلاح العاملة في “الولايات المتحدة” زاد من: 2222 شركة في العام 2000؛ إلى: 16,936 شركة في العام 2020.
هذا الانتشار المرعب للسلاح له أسباب كثيرة أخرى خلاف الإنتاج الضخم منها الأساس القانوني؛ حيث ينص الدستور على أنه لا يجوز انتهاك حق الناس في تنظيم الميليشيات وإقتناء الأسلحة وحملها كون ذلك ضرورة لأمن الدولة الحرة.
ويسمح القانون الأميركي لمن هم في عمر: الـ 18 و19 و20 عامًا بشراء المسدسات والبنادق العادية، لكن يمنعهم من شراء الكحول والدخان.
نفوذ هائل للوبي السلاح..
وفي ذلك يرى “سليمان مراد”؛ وهو أستاذ جامعي مقيم في “الولايات المتحدة”، أبعاد أخرى مثل البُعد السيكولوجي، وهو هنا الخوف الذي يُغذيه إجمالاً العنصرية؛ حيث قال إن دراسات أجريت أظهرت أن: 67% من الذين يشترون السلاح يقولون إنه للحماية الشخصية وأنهم يخافون من العنف والجريمة ولا يشعرون بالأمان.
ويُضيف “سليمان مراد” أن هناك بُعد اجتماعي يعكسه نفوذ هائل للوبي السلاح؛ وهذا البُعد له تأثير ضخم على صناع القرار في “واشنطن” وفي معظم الولايات عبر الرشاوى التي تدفعها هذه الشركات إلى السياسيين وكذلك النفوذ الكبير لـ”الجمعية الوطنية الأميركية للبندقية”؛ (NRA)، والتي تضم حوالي: 05 ملايين عضو.
وتشهد “الولايات المتحدة” عمليات إطلاق نار شبه يومية في الأماكن العامة وتُسجّل المدن الكبرى على غرار: “نيويورك وشيكاغو وميامي وسان فرانسيسكو”، ارتفاعًا لمعدل الجرائم التي تُرتكب بواسطة أسلحة نارية، تصاعدت حدتها منذ بدء جائحة (كورونا) في 2020.
انقسام بين “الجمهوري” و”الديمقراطي”..
كما يشهد ملف حيازة السلاح في “الولايات المتحدة” انقسامًا تاريخيًا بين الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي)؛ بشأن تفسير نصوص الدستور في هذا الصدد، حيث ينص التعديل الثاني للدستور؛ (تم سنه 1971)، على: “حرية امتلاك السلاح”، وهو النص الذي يراه الديمقراطيون حقًا قاصرًا على الولايات المكونة للاتحاد الأميركي، وأن الآباء المؤسسين لـ”الولايات المتحدة” أرادوا هذا الحق للبلد كسلطات فيدرالية، وليس حقًا مطلقًا للأفراد.
في المقابل؛ يرى الحزب (الجمهوري) أن امتلاك السلاح وحيازته حق أصيل يكفله الدستور للأفراد، وصوّت الجمهوريين في مناسبات عدة داخل “الكونغرس” ضد أي قانون يُعدل ضوابط حيازة السلاح، الذي يُعد حقًا شخصيًا بموجب الدستور للدفاع عن النفس.
تشريع سلامة حمل السلاح..
ولكن بعد الحادث الأخير؛ بدأت بوادر اتفاق على: “حل وسط” تظهر، ففي أعقاب حادث إطلاق النار على أطفال المدرسة، قال السيناتور الأميركي؛ “جون كورنين”، وهو جمهوري من ولاية “تكساس”، إنه مستعد للعمل مع السيناتور الأميركي؛ “كريس مورفي”، وهو ديمقراطي من ولاية “كونيكتيكت”، بشأن تشريع سلامة حمل السلاح.
وقال “كورنين” إن قوانين: “العلم الأحمر” هي المسار الأكثر واقعية للتوصل إلى حل وسط في “الكونغرس”، حيث تسمح قوانين “العلم الأحمر” لإنفاذ القانون بأخذ الأسلحة مؤقتًا بعيدًا عن أولئك الذين يعتبرون تهديدًا لأنفسهم أو الآخرين، مؤكدًا أن الحادث الأخير يمكن أن يوفر: “دفعة” جديدة للمحادثات المتوقفة حول تشريع سلامة الأسلحة.
وأضاف: “خلال الأيام الماضية، أجرى كل من الديمقراطيين والجمهوريين؛ في مجلس الشيوخ، مناقشات على مجموعات صغيرة لقياس دعم الحزبين لتمرير أي تشريع، لكن التوصل لحل لا يزال بعيد المنال، حيث غضب بعض الجمهوريين من فكرة تقييد حمل السلاح، وشكك العديد من الديمقراطيين في حدوث تقدم حقيقي”.
قوانين “العلم الأحمر” في 19 ولاية..
وبحسب موقع (أكسيوس) الأميركي؛ فإن تسع عشرة ولاية لديها قوانين “العلم الأحمر”، بما في ذلك الولايات التي يُسيطر عليها الحزب (الجمهوري)؛ مثل “فلوريدا وإنديانا”.
ومع ذلك؛ توقفت المحادثات في المجلس التشريعي لولاية “تكساس”؛ في عام 2018، عندما طلب الحاكم؛ “غريغ أبوت”، من المشرعين اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، وفي وقت لاحق، تخلى عن الفكرة بعد أن رده المدافعون عن السلاح.
ليست الحل الأمثل لقضايا العنف..
وحول ما يمكن أن تُقدمه قوانين “العلم الأحمر”، قالت الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والإستراتيجية؛ “إيرينا تسوكرمان”، لموقع (سكاي نيوز عربية)، إنها: “موجودة بالفعل؛ لكن لا يتم تنفيذها دائمًا، حيث يُحظر على الأشخاص المصابين بأمراض عقلية شراء الأسلحة النارية.عبّر مُطلق النار في حادثة تكساس عن عدوانه على وسائل التواصل الاجتماعي في الماضي، لكن لم يتم تقييمه مطلقًا”.
وأوضحت “تسوكرمان” أن: “قوانين العلم الأحمر تسمح للشرطة أو أفراد الأسرة بتقديم التماس إلى محكمة الولاية لإصدار أمر حجز مؤقت للأسلحة النارية من شخص قد يُشكل خطرًا على الآخرين أو أنفسهم. يتخذ القاضي قرارًا بإصدار الأمر بناءً على تصريحات وأفعال صاحب السلاح المعني. يتم التعامل مع رفض الإمتثال للقانون كجريمة جنائية، وكانت ولاية كونيتيكت أول ولاية تُصدر مثل هذا القانون في عام 1999”.
مضيفة إنه: “يمكن إساءة استخدام أي قانون، فعلى سبيل المثال، إذا كانت لدى أفراد الأسرة خلافات سياسية أو اجتماعية مع شخص ما وأرادوا وضعه في موقف صعب، فمن الممكن إساءة استخدام نظام المحاكم، كما قد لا يكون القاضي مؤهلاً لاتخاذ قرار بشأن مستوى التهديد بدون تقييمات الخبراء التي لا يمكن الاعتماد عليها دائمًا أيضا”، مؤكدة أن: “هذه القوانين ليست الدواء الشافي من حوادث العنف”.
يصعب تنفيذها على المستوى الفيدرالي..
وحول إمكانية فرض القانون على كل الولايات، قالت “تسوكرمان”: “حاولت الحكومة الفيدرالية، عادة تحت إدارات ديمقراطية، توسيع نطاق دمج القانون في القوانين الفيدرالية، لكن مثل هذه القوانين يصعب إنفاذها على المستوى الفيدرالي، وأي قانون يُقيد حقوق الولايات يُنظر إليه عمومًا باستياء من قبل الجمهوريين”.
وأوضحت أن الديمقراطيين: “سيُحاولون كعادتهم اللعب بالورقة المضادة للسلاح قبل الانتخابات النصفية، لكن حتى هذا الحادث لن يُساعدهم بالضرورة بسبب عوامل أخرى ذات صلة، مثل حقيقة أن هناك فشلاً في نظام تقييم الحالة العقلية لمُطلق النار. من المحتمل أن يكون هذا الوضع أكثر فائدة للجمهوريين الذين سيُشيرون إلى عدم كفاية حماية الشرطة للجمهور في مناطق مثل المدارس”.
حوادث إطلاق نار سابقة..
يُذكر إنه فى عام 2021؛ شهدت “الولايات المتحدة”: 693 عملية إطلاق نار.
وفي عام 2020؛ أظهر تقرير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ارتفاع جرائم القتل بنسبة: 30%؛ خلال 2020، مقارنة بعام 2019.
كما أظهر التقرير حدوث زيادة بنسبة: 5% في جرائم العنف بين عامي: 2019 و2020، حيث بلغ معدل جرائم القتل؛ في عام 2020، حوالي: 6.5 لكل 100 ألف شخص.
فى عام 2019؛ تم ارتكاب أكثر من: 21 ألف و500 جريمة قتل، وفقًا لـ”مكتب التحقيقات الفيدرالي”.
فى عام 2014؛ ارتكبت: 14249 جريمة قتل في “الولايات المتحدة”، من بينها: 9675 بواسطة الأسلحة النارية؛ أي: 68% من هذه الجرائم.