الجزء الأول
مقدمة تمهيدية موجزة ؛ بعد وفاة رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – حدث أول خلاف بين المسلمين بشأن مَنْ سيخلفه لرئاستهم وإدارتهم وقيادتهم . ومما يبدو من الأخبار التاريخية للمؤرخين المسلمين كان الخلاف عاصفاً ، إذ حاولت قبيلتا الأوس والخزرج من إعادة النمط القبلي والسلطة القبلية الى المجتمع ، لكن بعد تدخُّل كبار الصحابة في موضوع النزاع ، في مقدمتهم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والزبير بن العوام وسعد بن أبي الوقاص وعثمان بن عفان وغيرهم تم حلُّ الخلاف ، وذلك بالإتفاق على إنتخاب أبي بكر الصديق كخليفة يحكم المسلمين من بعد رسول الله محمد لأسبقيته للإيمام والإسلام ولمجاهداته الكبيرة بماله ونفسه في سبيل الله ولمواقفه العظيمة ولحسن سيرته وذكاءه الوقَّاد وعقله الراجح ، وتمت له البيعة الصغرى ثم البيعة العامة فيما بعد بوقت وجيز . وحكم أبو بكر الصديق سنتين ونصف بالعدل وتمكن من حسن إدارته وسياسته وعبقريته من تسوية جميع المشاكل والتحديات التي واجهته خلال تصديه لمنصب الخلافة .
وجاء عمر بن الخطاب الى سدة الحكم للخلافة بوصية من أبي بكر الصديق وقبله المسلمون وبايعوه كخليفة جديد من بعده لخلافتهم وإمامتهم وقيادتهم . فحكم الإمام عمر بن الخطاب عشر سنواتٍ ونصفٍ بالعدل والإحسان في خلافته التي آمتازت بالكثير من التطور والإزدهار والتقدم على صعيد الحكم والسياسة والعمران والرخاء ، وذلك بفضل عبقرية الإمام عمر السياسية والإجتماعية والإدارية للحكم والحكومة . بعد تعرض الإمام عمر الى محاولة الإغتيال أوصى أن يتم إنتخاب الخليفة القادم من خلال مجلس الشورى الذي كان يتكون من ستة صحابيين ، منهم الإمام علي بن أبي طالب .
عقب وفاة الإمام عمر متأثراً بحادثة الإغتيال الإجرامية التي تعرض لها في محراب مسجد رسول الله وهو يَؤمُّ المسلمين تم إنتخاب عثمان بن عفان كخليفة راشدي ثالث وتمت له البيعة العامة ، عليه فأمير المؤمنين الإمام عمرى الفاروق هو أول شهيد آستشهد في المحراب ، في محراب رسول الله محمد بالمدينة . لكاتب هذا المبحث ملاحظات على كيفية إنتخاب عثمان بن عفان ، لكن بما إن المبحث خُصِّص لبحث موضوع الإمام علي وآبنيه الحسن والحسين وشيعتهم ومواقف هؤلاء إزاءهم عبر التاريخ سوف نرجيءُ ذاك الموضوع الى فرصة مؤاتية أخرى ، ولو أني سابقاً قد تطرقت اليه في مقالات ومباحث منشورة .
حكم الإمام عثمان بن عفان إثني عشر سنة ، كان النصف الأول منه يمتاز بالعدل والسوية وآنتهاج نهج الإمامين العادلين والحاكمين الصالحين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب . أما النصف الثاني منه فلم يكن كذلك وتخلَّلته سلبيات ونقاط ضعفٍ ومشاكل وإشكاليات كبيرة في هيكلية الخلافة في المدينة – العاصمة والولايات ، وفي المجتمع بشكل عام وسببه الضعف الذي طرأ على رأس الخلافة ، وهو الخليفة عثمان بنفسه لعوامل يطول شرحها في هذا المبحث . ومن بعده تبدأ الخلافة بعهد خليفة رابع جديد للخلافة الراشدة ، وهو علي بن أبي طالب .
خلافة علي وحكمه وسياسته والأحداث فيها وأسبابها : لم تكن خلافة علي بن أبي طالب وحكومته كخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والنصف الأول من خلافة عثمان بن عفان ، حيث كانت حكومتيهما تمتاز بالهدوء والإستقرار والتماسك الداخلي والتطور والعمران والإزدهار والقوة والتوسع ، وهذا ما لا نجده خلال قيادة وحكومة عليٍّ كلها . إذ بعد تسلُّم عليٍّ لمنصب الخلافة حدث إنشقاق كبير قاده بعض الصحابة ، في مقدمتهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله وأم المؤمنين السيدة عائشة ضد عليٍّ ، وذلك بالمطالبة بمحاكمة قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان . ولم يتوقف الأمر الى هذا الحد ، بل إنهم جمعوا جيشاً وآتجهوا نحو العراق . لهذا آضطر الإمام عليًّ أن يُغادر المدينة بجيشه واللقاء بهم والحوار معهم أولاً بهدف محاولة درء الخلاف وحلِّه كي لا تسيل الدماء بينهم . سنحاول لاحقاً تتبُّع العوامل وأسباب الخلاف بينهم وعلي بن أبي طالب .
لقد بذل الخليفة الرابع علياً جهوداً كثيرة في الحوار مع المنشقين ، لكنهم أبَوا إلاّ القبض على قتلة عثمان بن عفان ومحاكمتهم والإقتصاص منهم ، وكانت مطالبة المنشقين وذريعتهم صعبة وغريبة للغاية ، فأحد المتهمين – مثلاً – هو محمد بن أبي بكر الصديق ، بخاصة إنهم ، وهذا هو الأهم لم ينهجوا الطريقة الصحيحة والمشروعة لمحاكمة قتلة الخليفة الثالث ، فالدعوة الى تحقيق العدل في قضية مقتل الخليفة عثمان والإقتصاص من القتلة قطعاً لا يتم بالتمرُّد والقيام المسلح وشقِّ عصا الطاعة عن خليفة جديد منتخب شرعيَّاً . فذلك – بحسب ما توصَّلتُ اليه – بالحقيقة هو حجة باهتةٌ ومدحوضة ومرفوضة على الصعيدين الشرعي والعقلي .
بالتالي وقبيل إندلاع حرب الجمل التاريخية الكارثية المعروفة ترك الزبير بن العوام الجيش المخالف لعلي وغادره وبُعيد إندلاع القتال بين الجيشين هَمَّ طلحة بن عبيدالله ترك الجيش فعاجله مروان بن الحكم بسهم فأصابه ، ولما وصل اليه فيما بعد جندي من جيش عليٍّ قال له بايع علياً نيابة عني ! . وآنتهى القتال بمقتل الكثيرين من الطرفين وفوز جيش الخليفة عليٍّ وأسر أم المؤمنين السيدة عائشة ، فعاملها الإمام علي معاملة كريمة وبكل تقدير وإجلال وآحترام ، ثم بعدها إعترفت بخطئها فيما تسببت به ومضت اليه ، وأرسلها الخليفة علي بحراسة شديدة الى المدينة ، حيث بيت رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – . كانت السيدة عائشة كلما تذكرت حرب الجمل تتنهَّد وتتأوَّهُ وتبكي كثيراً حتى تبلى خمارها لشدة ندمها ! .
هنا أريد أن أقول إن الحق كان بجانب الإمام علي ومَنْ وقف بوجهه كان مخطئاً ، كائناً مَنْ كان ، ثم لا شك إن الزبير بن العوَّام وطلحة بن عبيدالله قد أخطئا فيما عزما اليه ، وهو شق عصا الطاعة عن إمام منتخب ، لكنهما لم يُشاركا في القتال ، بل إنهما رجعا وندما وأنابا . وهكذا أم المؤمنين السيدة عائشة كما ذكرنا . أما إن مذهب الشيعة لا يذكر أحداث التاريخ المذكورة كما هي وبأمانة علمية وبعدل وآعتدال إزاء هذه المواقف للصحابة الثلاثة المذكورين ، بل إنه يشن عليهم ما لا يليق بهم ويطعن فيهم ويسيء الأدب تجاههم ، بل تجاه رسول الله نفسه كما سنرى بعد قليل . وقد وصلت الكراهية لدى الشيعة حدوداً بعيدة جداً ، إذ هم حتى لا يُسمون بنائتهم بآسم عائشة ، مع إن أهل البيت النبوي الكريم كانون يُسمون بناتهم وأبنائهم بأسماء عائشة وأبي بكر وعمر وعثمان ، مع ذلك يدَّعون إنهم شيعة أئمة أهل البيت النبوي الكريم بدءً من علي إذن ، أين مصداقية الإدعاء والتبعية للبيت النبوي الكريم وشخصياتهم الجليلة القدر … حقاً إنها تناقضات صارخة ومفارقة مأساوية كبرى ..؟
لا بل وصل الإنحراف عندهم بأن طعن الكثير من الفقهاء ورجال الدين الشيعة في شرف خاتم النبيين رسول الله محمد وأم المؤمنين السيدة عائشة وآفتروا على الإمام عليٍّ بزعمهم الإفترائي إن رسول الله وكَّله بعد موته بتطليق السيدة عائشة منه ، وقد سمعت وشاهدت ذلك الإفتراء والبُهْت والإفك العظيم منهم باللغتين الفارسية والعربية من خلال فضائياتهم الطائفية الغارقة مثلهم في التطرف والغُلُوِّ التأليهي لجمعٍ من البشر . وذلك هو أحد المعاني البارزة والواضحة كوضوح الشمس الساطعة في رابعة النهار لمفهوم تصدير الثورة الإيرانية الى خارج ايران الذي أعلن عنه الخميني مؤسس حكومة ولاية الفقيه عام [ 1979 ] من القرن الماضي في طهران !! .