فالطفل ينظر إلى أبويه منذ سنواته الطفولة المبكرة على أنهم قدوته ومرجعيته ومصدر الأمان النفسي والعاطفي له، والملجأ من كل ما يخيفه ولا يستطيع التعامل معه أو فهمه، حيث سيسأل دائماً أحد أبويه أو كليهما عن أي سؤال يدور في ذهنه.. وفي حال عدم حدوث ذلك يكون هناك مؤشر لخللٍ ما في علاقة الطفل بوالديه..
ولا شك أن كلاً منا يرى بشكلٍ مستمر محاولات الأطفال بكل براءة تقليد تصرفات الكبار وهذا شيءٌ طبيعي وسليم ضمن حدودٍ معينة، ويجب على الأهل أن يكونوا على دراية بأن الطفل ينبغي أن يتعلم من الكبار لا أن يعيش مثلهم وإلا حصل اختلال في نموه النفسي لأنه لم يعش كل مرحلة بالشكل المطلوب.. وطبعاً قد يبدو هذا الكلام صعباً بالنسبة للعديد من الأهل، لكن على الجميع أن يتذكر أن الإنجاب ليس واجباً لكن التربية واجب ومسؤولية كبرى، ويجب على كل من يخططون للإنجاب أن يفهموا ما يترتب على ذلك من مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى إلى جانب المسؤولية العاطفية والنفسية والإجتماعية والتربوية والمادية تجاه الطفل..
وجزءٌ من تحمل المسؤولية هو إدراك أن الطفل ينظر لأبويه سواءاً كان الطفل ذكراً أم أنثى كقدوة، لذلك قد يقلد تصرفاتهم ويحاول ارتداء ملابسهم واستخدام أغراضهم وهذا سلوكٌ فطري، لكن الكثير من الرجال والنساء اليوم يعانون من مشاكل نفسية عميقة لأنهم كبروا في أجواء مضطربة عاطفياً يسودها الرتابة والعنف وأيضاً، لأن الكثير منهم رأى أن أحد الوالدين أو كليهما يقومان بتصرفاتٍ مؤلمة بالنسبة له، فالطفل يفهم معنى أن يضرب الأب والدته أو يعاملها بعنف، ويفهم معنى أن يخون أحد الزوجين شريكه، ويفهم معنى قيام أحدهما أيضاً بسلوكياتٍ غير مألوفة أو منافية للأخلاق والقانون كالسرقة أو التحرش الجنسي، ولا يستطيع أن يبرر الطفل لأي أب أو أم تركهما له في طفولته لأي سبب، ويزداد الأمر سوءاً عندما يرحل بعض الآباء والأمهات ليبدء حياةً عاطفية جديدة متخلياً عن كل مسؤولياته ومن ضمنها الإنفاق على الطفل ورعايته، وحتى إن كان هناك مؤسسات تحتضن هؤلاء الأطفال لكن القوانين مازالت غير مواكبة للتطورات والتغير في المجتمعات وآثارها النفسية والإجتماعية والتي ستنعكس لاحقاً على المجتمع ككل، ويجب أن يكون هناك إلزام بشكلٍ جدي للآباء الذين يخلون بإلتزاماتهم تجاه أبنائهم لأن سن القوانين مبكراً سيوفر على المجتمع والإنسان الكثير من العواقب وأحدها العواقب الإقتصادية، لأن الكثيرين يهدرون أموالهم في تعاطي المخدرات أو الكحول أو كليهما ليتخلص من ألمه النفسي أو يدفع مبالغ مالية كبيرة لشراء مضادات الإكتئاب والأدوية النفسية أو يتحول إلى شخصٍ مستعد للفساد ولتعريض المجتمع والبلد إلى الخطر لأنه لا يشعر بالإنتماء إليه ولأنه يقوم بالثأر منه لأنه لم يحفظ له حقوقه..
لذلك المسؤولية تبدأ من الأفراد، ينبغي عليهم أن يتحلوا بالوعي وأن يعرفوا ما يريدون بالضبط، فلا داعي للإنجاب إن لم يكونوا مستعدين له، وعند اتخاذ القرار من الطرفين عليهما التحدث بشكل صريح عن مشاكلهما ومخاوفهما دون تردد أو خجل وطلب الإستشارة من متخصص في علم النفس ليساعدهم على ذلك، كما ينبغي أن يتم تأهيلهما لهذه الخطوة بالغة الأهمية، وأن يتعالج كل من يمتلك مشكلة نفسية قبل الإقدام على الإنجاب ليكون شخصيةً سوية قادرة على التعامل مع الطفل خصوصاً مع ضغوط الحياة اليومية وأعبائها.. لأن الطفل الذي يكبر ويجد لدى والديه سلوكاً اجرامياً أو مشيناً سيتحول إلى شخصٍ مشابه لهما وربما أسوء منهما، أو قد يتحول إلى شخصٍ انطوائي بشكلٍ مرضي ويعاني من الخوف والقلق والتوتر والإكتئاب فيجعله شخصيةً غير متزنة قد تؤذي نفسها وقد تقدم على الإنتحار في بعض الحالات..
لذلك على كل رجل وامرأة يفكرون بالإنجاب معرفة أنهم القدوة والملجأ والأيقونة الأهم في حياة أطفالهم وليس الفنانون والمشاهير، وعليهم أن يقوموا بتغيير أنفسهم كي لا يقوموا بتدمير أطفالهم وهذا ما لا يرضاه أحد.. وفي حال حدوث الحمل دون رغبة الطرفين أتمنى أن يكون هناك بعض المحبة والرحمة لديهما ونسيان أي خلاف مهما كان السبب لأن الطفل لا ذنب له.. وقد يبدو هذا الكلام مثالياً لكنني أنقل لكم تجارب أشخاص التقيتهم وسمعت أحزانهم وأمنياتهم ومخاوفهم وجرحهم العميق، ونتمنى طبعاً أن تكون حياة أطفالنا اليوم أفضل من أي وقتٍ مضى خصوصاً أننا قد لا نملك جميعاً المال لكننا نمتلك على الأقل بعض العاطفة التي يستحقها كل طفل..