بعد أن توقفت مواسم الحج بسبب إجراءات المملكة بجعل الحج محدودا وانتقائيا للمواطنين والمقيمين داخل حدودها دون غيرهم لأداء هذه الفريضة ، وبشكل حرم الملايين من تحقيق أمنياتهم وأداء واجباتهم في الحج ، عاد موسم الحج لهذا العام بقرار يقضي بتخفيض العدد بما يقل عن الأعداد التي كانت سائدة قبل الوباء ، مما يعني أن حصة الدول قد تقلصت للنصف تقريبا وهو قرار فيه العديد من وجهات النظر بهذا الخصوص ، فالمملكة سمحت منذ أشهر بحج العمرة وبدون تحديد وقد بلغ عدد المعتمرين فيها خلال شهر رمضان مثلا أضعاف العدد الاعتيادي للحج ولم تؤشر حالات وبائية تستوجب تقليص الأعداد ، وكما هو مألوف فان حصة العراق من عدد الحجاج توزع بالطريقة التي تحددها هيئة الحج والعمرة عن طريق القرعة او من خلال بعض الاستثناءات ، فليس كل الحجاج هم من أصحاب الحظ السعيد ممن يفوزون بالقرعة ، بدليل إن الكثير من المسؤولين في مختلف السلطات أصبحوا من الحجاج لمرة او أكثر بحصص لا يعرفها إلا الراسخون في العلم ، وهي قضية معروفة وتمر كل عام بردود مشتركة خلاصتها ( حسبنا اله ونعم الوكيل ) .
ولان حصة العام الحالي تختلف عن بقية تلك الأعوام وفيها عودة ميمونة للحج بعد انقطاع قسري لعامين ، ونظرا لتقليل الحصص عما كانت عليه فقد توقعنا بان يكون التوزيع أكثر عدالة من ذي قبل بإعطاء أولويات لمن فازوا بتلك القرعة التي جعلت البعض أمام احتمال الحصول على الحجة او الموت بنواياها وأمنياتها أمام الله ، ورغم إننا نجهل الكثير عن هذا الموضوع لأن طريقة الاختيار لم تعلن بشكل واسع بوسائل الإعلام ، إلا إن ما يثير التساؤلات و( الاشمئزاز ) هي تلك الإعلانات التي تبثها شركات الحج والعمرة بوسائل التواصل الاجتماعي او غيرها ليل نهار ولحد اليوم ، والتي تروج للحج التجاري بمبالغ متفاوتة تتراوح بين 12 – 20 ألف دولار للشخص الواحد ، وما يثير التساؤل هل إن مقاعد الحج التجاري هي من ضمن حصة العراق او هي من دولة (المنشأ ) التي تتحكم بالعدد والشروط ، والسؤال الآخر يتعلق بمدى شرعية ومشروعية التنافس على واحد من أركان الإسلام ( الحج ) استنادا لما ينفقه الفرد من أموال وليس من نواياه في أداء هذه الفريضة قبل تقادم العمر ، فحج هذا العام اشترطوا له عمرا لا يتجاوز 65 عام وكثيرا من الراغبين حرموا من الحج لأجل غير معلوم .
والغريب في هذا الموضوع إن شركات الحج والعمرة واغلبها بطابع ربحي تتنافس فيما بينها على أساس الأسعار وفي تقديم الرفاهية بما يجعل الحج ( VIP ) ، ووجه النقد لها إنها تتم في موسم تم فيه تقليص العدد مما يعطي أسبقية لمن لديهم قدرات على الدفع وكأن الحج متعة تشترى بالدولار ، وكما هو معروف فان الحج فريضة يتوجب إتاحتها لكل المسلمين لمن استطاع إليه سبيلا ولم يرد بعدالة وانتظام ، اخذين بالاعتبار التفاصيل الشرعية والدستورية التي تنادي بتكافؤ الفرص بما في ذلك الحق في أداء الحج ، ونحن بحاجة لتوضيح عن أسباب انتشار الحج التجاري بشكله الواسع هذا العام بالذات ، آخذين بنظر الاعتبار إن الترويج للحج التجاري ينطوي على استفزاز لمشاعر من ادخر مالا حلالا للحج عبر سنوات طوال ولكنه سيعجز عن مجاراة الأسعار ، نسال الله أن يهدي من يعنيهم الأمر لجعل الحج متاحا وان يكون تمييزه بما يمنع تقادم الاعمار ولليتامى والأرامل وذوي الاحتياجات ، بدلا من إدخال الحج في بازار الدفاتر والشدات بالدولار او غيره من العملات ، وفي كل الأحوال فان قبول الحج أمرا متروكا لله وحده وعليه توكلنا وبه نستعين .