17 نوفمبر، 2024 9:33 م
Search
Close this search box.

بالتطبيع يعرف العبد من الحر !

بالتطبيع يعرف العبد من الحر !

إن كانت حجج قادة حكومات الدول الرائدة الى التطبيع هي بمجاورتهم للعدو الصهيوني , وأن حكوماتهم ولم ترجُ أملآ من الدول العربية الأخرى البعيدة عنها أن تساعدهم في حروبها معه سواء في عام 1948 أو عام 1967 أو عام 1973, لذلك وقعت حكومة مصر على معاهدة التطبيع منذ زيارة رئيسها السادات في 1977 لتكون رهينة لأمريكا في مقابل انسحاب الكيان الصهيوني من شبه جزيرة سيناء .
فإن حقيقة تلك الحجج هي اولآ ; ان حكومة الأردن حين وقعت عام 1994 على معاهدة السلام , فقد كانت في مقابل الغاء الديون المترتبة عليها بينما في بادئ الأمر استدرجوها الى موافقة العدو على التنازل عن الضفة الغربية الى الأردن , إلا ان ذلك لم يتم وتركوا أمر الضفة الغربية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني بالتفاوض . وبهذه المعاهدة أصطفت الأردن رهينة مع مصر بيد امريكا في تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني .
وبالتطبيع على الطريقة الصهيونية , فقد تم خداع منظمة التحرير الفلسطينية بكل بنود اتفاق اوسلو عام 1993وخاصة في بند الحكم الذاتي الفلسطيني وتم توقيعها على اتفاق السلام .
هؤلاء القادة مع حكوماتهم قد بذروا بهذه الحجج بذور التطبيع ليلتهمها اللاحقون من الحكام . ثانيآ ; ان كل دول المواجهة المتمثلة في سوريا ولبنان ومعهما الأردن ومصر إضافة الى قوى التحرير الفلسطينية , لم يرموا بثقلهم في كل الحروب السابقة مع الكيان المحتل لأسباب عديدة , قبل ان يقرروا التطبيع مع العدو في تلك الحقبة .
ولو نعود الى التأريخ سيظهر لنا جليآ ان جذر المشكلة التي قادت الى النكبة بالشعب الفلسطيني واستكملت جوانبها هو أن القادة العرب حينذاك لم يبلغوا بالوعي السياسي الدرجة التي تؤهلهم الى اتخاذ القرار السياسي الصحيح في كل النواحي السياسية التي احاطت بالنكبة , فضلآ عن تسلّط المصالح الشخصية التي شطّت بهم عن تلك القضية المركزية ,
في حين أن ذلك التقهقر بالوعي السياسي هو الذي شجّع في سعي الغرب المناصر للصهيونية من قبل الى خلق ذلك الكيان الشاذ في قلب العرب لكي يسيء الى دين وتأريخ العرب من ناحية , وللأخذ بثأر هزيمة الجيوش الصليبية التي دحرها العرب على يد صلاح الدين الأيوبي من ناحية اخرى , ولم يكتف الغرب بصنع نمط للسياسة في هذه القضية الذي يشبه نمط إخراج العرب المسلمين من الأندلس عندما رفضوا الإلتقاء مع ثوابت العقيدة الإسلامية كمسيحيين فحسب , بل سعوا بالدعم العسكري الى إقتلاعه تدريجيآ على يد الصهاينة , وهذا ما جاء عن فراغ , بل هي نظرة الجماعات الأنجيلية البروتستانت التي تؤمن بالصهيونية المسيحية وتدعو بضرورة التعجيل بسيطرة الكيان الصهيوني الكاملة على كل أرض فلسطين إيمانآ منها بأن هذا يسرّع من عودة المسيح ثانية .
وقد برزت هذه الإرادة على ارض الواقع بعد عام 1948 , حين اوجدت الصهيونية لنفسها اسبابآ دينية اخرى لتضيفها الى حسابها العنصري , فعمدت الى الحروب والإغتيالات والقمع والتهديم للإستحواذ على باقي الأرض التي يسكنها الفلسطينيون للوصول الى الفراغ الذي وصلت اليه امريكا في غزوها لأراضي الهنود الحمر وأنهت بذلك هويتهم على الأرض .
بهذه الطريقة تعمل القوى الصهيونية , وماتزال سافرة , على تلك الأسباب لأنها تمضي بإستراتيجية خاصة بها تختلف احيانآ عن إستراتيجية أمريكا الداعمة لتلك القوى والتي تناور بها زيفآ أمام العالم , لطرد الشعب الفلسطيني بالكامل من كل اراضيه .
ولو تعلم دول التطبيع الجديدة وهي البعيدة أيضآ عن الكيان الصهيوني , ان قرارات تطبيعها مع العدو هي محض قرارات انانية خالصة تتوافق الى حد ما مع الصهيونية المسيحية بالنظرة والدعم للكيان الصهيوني , وبهذا أثبتت إنحطاطها الفكري السياسي ثانية , في كونها تجاهلت القضية الفلسطينية على مبدأ قادتها الجهلة الأوائل الذين جاءت بهم بريطانيا , وانها الى الآن رهينة بيد أمريكا الوريثة ولايرجى منها اي مساعدة لدعم القضية الفلسطينية او القضايا العربية .
هذا الإرتهان للإعتبارات البريطانية السابقة والأعتبارات الأمريكية اللاحقة , تعتبر أولآ عبودية من اجل حماية عروشها ومصالحها الذاتية , وثانيآ السكين التي طعنوا بها تأريخ عروبتهم بالظهر , مع انهم ليسوا مجبرين على ذلك ابدآ .
ولكي تعبّر دول التطبيع الناطقة بالعربية عن حريتها واخلاقها والهروب من محنة الإرتهان لتثبت انها ذات ثوابت دينية واخلاقية متجذرة بتأريخهم , وهذا ليس بالعسير الآن وهي ترى الكيان الصهيوني يتجاهل شعبآ بكل تأريخه وتراثه الإسلامي , بل ويسعى الى محو ذكره بعد طرده من اراضيه بالأنانية نفسها التي دفعتهم الى التطبيع معه , وما عمليات القتل والهدم والتشريد إلا علامات لهذا الطرد ,
والأجدر بقادة هذه الدول ان يخمدوا غبار التطبيع الذي تسلق وجوههم وان يتراجعوا عن الإقرار به على الأقل ومخاطبة العدو انهم بعد الإحتكام الى المباديء التي قادتهم الى التطبيع , وجدوا أن قرار التطبيع هو خطأ مبدأي , كان ولايزال , ولم يكن مطلوبآ بشكل جازم وخاصة في هذه الأيام , وقد تبين انهم قد اختاروا السلام في مقابل موت شعب عربي شقيق ومسلم , وما القتل والهدم والتشريد وانتهاك حقوق الإنسان الذي تقوم به قوات العدو ضده إلا دلائل على ذلك , وهذا يخالف عقيدتهم الإسلامية .
عند ذلك تعود وجوههم الى حقيقتها , ويتبين من ذلك انهم تقيأوا بذور التطبيع الأولى التي بذرها اسلافهم الأوائل , وسيكون موقفهم هذا هو موقف العقلاء الذي يضمر الدعم والمساعدة للشعب الفلسطيني وسيعودون أحرارآ بالإنضمام الى تأريخهم وقيمهم الإسلامية التي هي نفسها دعت البرلمان العراقي الى إصدار قراره بتجريم التطبيع مع العدو ونالوا به تأييد أحرار العالم , لكي لايموتون بالتطبيع عبيدآ بلا دين او اخلاق أو بأي عنوان آخر .

أحدث المقالات