19 ديسمبر، 2024 12:21 ص

تنبيه : اذا كنت ديماغوجيا وهتافويا وإمعة ،رجاءا لا تقرأ هذه المقال .
تصويت البرلمان العراقي على قانون تجريم التطبيع مع اسرائيل ، يعد اول موقف واضح ومباشر من النظام السياسي الحاكم في العراق تجاه اسرائيل منذ عام 2003 .
وحملت ديباجة القانون عبارات صاخبه ومكررة ومستنسخة من بيانات جميع الانظمة السياسية التي حكمت العراق .
وجاء اصدار هذا القانون باغلبية بسيطة وبعد سلسلة اتهامات متبادلة بين بعض القوى السياسية بالسعي للتطبيع مع اسراييل او التمهيد لذلك .
وصدر القانون في ظل ازمة سياسية خانقة واشكاليات حول شرعية رئاسة البرلمان ومقاطعة بعض الكتل السياسية لجلساته ، سبقتها اتهامات حول صوابية العملية الانتخابية .
والازمة السياسية الراهنة ،هي محصلة لأزمة وطنية كبيرة ،نتجت عقب التغيير في عام 2003 ،حيث يتراكم الفشل في التأسيس للدولة واعادة صياغة العقد الاجتماعي والوطني ، وبالتالي يتراكم ضعف الدولة والكيان العراقي ،وذلك وفق معايير موازين القوى في المنطقة والجوار والعالم .
وهنا اكثر من علامة استفهام حول قوة القرار ومديات تاثيره حينما يصدر من دولة ونظام سياسي ضعيفين وفاشلين ،وعاجزين عن معالجة مشكلاتهما وازماتهما البينية والتكوينية ،فضلا عن علاقتهما المهزوزة مع الشعب ؟؟؟
كذلك ، نتساءل عما سيضيفه هذا الموقف من قوة للدولة وللنظام الحاكم في وقت يصلي شعبه على سجادة مستوردة من الصين وياكل الفجل المستورد من ايران ويغسل عجيزته بالغسول التركية ؟

°° قانون التجريم وتنافر الواقع.

بالاضافة الى الازمات والتناكف بين الكتل السياسية والتي دفعت باتجاه التصويت على القانون ، يواجه القانون معضلة التطبيق على الارض ، وذلك في ظل احاديث ومعلومات عن علاقات متعددة المستويات مع اسرائيل ومؤسسات ومنظمات وشركات اسرائيلية ، نسجها بعض المقربين من السياسيين العراقيين فضلا عن علاقات تجارية ومالية وثقافية واجتماعية ومنظماتية من قبل مواطنين عراقيين .
والذي نعلمه جميعا ان هناك علاقات حزبية وسياسية بين احزاب عراقية ومثيلاتها في اسرائيل .
فلا ينكر الحزب الشيوعي العراقي انه يتبادل التهاني في المناسبات مع نظيره الاسرائيلي حزب راكاح .
كما ان الاحزاب الاشتراكية العراقية لا تنكر انها زميله لنظيراتها في اسرائيل، وذلك في اطار منظمة الاشتراكية الدولية ، اذ نتذكر جميعا لقاءات الراحل جلال طالباني مع بعض رفاقه الاسرائيلين من حزب العمل ومنهم شيمون پريز .
ايضا اتذكر وفي سهرة جميلة في مقهى بحي الكراده قبل سبع سنوات ، جمعتني بضابط كبير سابق في استخبارات وزارة الداخلية ،روى لي تفاصيل الزيارات المكوكية التي كان يقوم بها شقيق احد القيادات في جماعة اسلامية عراقية من الطائفة الشيعية الى اسراييل ،بل وقال ان هذا ( الشقيق ) يملك بيتا في شمال اسرائيل .
ايضا وفي احداث عام 2007 في مدينة البصرة ، اطلعت على وثائق وردت في جهاز حاسوب يعود لجماعة شيعية تدعي انها مناصرة للامام المهدي .تثبت ان هذه الجماعة المصطنعة ، كانت تنسق مع اسرائيل عبر كل من مثنى حارث الضاري واياد علاوي .
اما البضائع الاسرائيلية في الاسواق العراقية ،فلا اظن ان معرفتها تحتاج الى نبيه لاسيما التي تحمل علامات اردنية مزيفة من قبيل المعطرات والمساحيق ومواد التنظيف التي تنتجها شركة مصانع البحر الميت الاسرائيلية .
فهل ستجرم الاحزاب التي تقيم علاقات حزبيه مع نظيراتها في اسراييل ؟ وهل سيفتح تحقيق بصلات البعض، السياسية والامنية والتجارية والمنظماتية مع اسرائيل ؟
هل سينسحب هذا القانون على موافقة العراق في قمة بيروت (2001) على مبادرة الملك فهد وعنوانها الارض مقابل السلام ؟ وهل النظام العراقي الحالي سيسحب موافقته بالفعل ؟! لان المبادرة هي نصف اعتراف باسرائيل خارج حدود 67 .

الاهم من كل ذلك ، تجريم التطبيع باقسى العقوبات ، يعني ان العراق بلغ مرحلة الذروة في الصراع والمواجهة مع اسرائيل ، وبالتالي ومنطقيا يفترض ان نشهد حربا مباشرة بين الطرفين ، فهل يجرؤ احد ما من اعضاء النظام في بغداد على اطلاق رصاصة باتجاه علامة حدودية اسرائيلية ؟
ومقارنة مع نسخ مكررة من مواقف وشعارات وديماغوجيات الانظمة العراقية والعربية ، يبدو لي ان قيمة وجدوائية هذا القانون لا تتعدى المزايدات الفارغة والديماغوجيات التي تضع الشعب العراقي في ( شوال) وتدور به حتى يسكر ويدوخ في خيالات فنطازية شبيهة بتلك التي كنا نطرب لها حينما قدمنا مصروفنا اليومي (15فلسا )وتبرعنا به مدة عام لدعم ( جبهة التحرير العربية ) بعد ان زارنا في المدرسة ،عضو في الجبهة وكان مفتول العضلات ويفتل شاربا غليضا واخبرنا في حينها : ابنائي ، ان اخوتكم الان على مشارف القدس فادعموهم .( كان ذلك عام 1972) .
•• استنساخ الخداع
كثيرون يتفقون معي ( ولكن بصمت ) على ان المتاجرة بالقضية الفلسطينية وشتم اسرائيل ، بات سلعة كاسدة ، وصارت مثارا للسخرية ،وترهات لا يأبه بها الاسرائيليون ،الذين اكتفوا بتغريدة متواضعة على توتيتر ردا على القانون العراقي .!
وهذه الترهات ، يراد منها ان تكون مادة مخدرة للشعوب مرة ، واخرى ستار دخان للتغطية على العلاقات والتنسيق السري بين الانظمة والجانب الاسرائيلي .
صدام حسين طالما ( دوخنا ) في ختاميات خطبه بعبارة عاشت فلسطين حرة وابية ،ومثيرا ماقال : (( اعطوني شبرا واحدا على الحدود مع فلسطين وسترون ما ذا اصنع )). لنعلم فيما بعد انه كان يرسل طارق عزيز للاجتماع ب( جاك تيرنر ) مدير مكتب شيمون بيريز في اوسلو ولثلاث مرات ومنها عام 1986 حيث تسلم معلومات مصورة عن القوات الايرانية في الفاو ومنطقة خوزستان .
وطارق عزيز نفسه ،صرح لفاروق حجازي مدير مكتب وكالة فرانس بريس في بغداد عام 1998 بانه (( لم يعد احد من القادة العرب يفكر بمحاربة اسراييل )) .
واكثر من ذلك ، بلغ حجم الصادرات الاسرائيلية للعراق من عام 1992 ولغاية عام 2003 اكثر من 180 مليون دولار وذلك عبر شركات انشأها قصي صدام حسين في الاردن وكانت تديرها عائلات وشخصيات معروفة من تكريت والرمادي تقيم حاليا في عمان .
عدي صدام حسين باع الاسرائيلين نسخة اصلية من كتاب التوراة كانت مدفونه في قبر النبي العزير جنوب العراق بسعر 350 الف دولار .
وازيد على ذلك هو ما قالته مجلة الطيران الدولي في عددها الصادر في 6 مارس اذار عام 1991 ونقلت فيه عن تحقيق اسرائيلي بان الصواريخ ال 39 التي اطلقها صدام على اسرائيل كانت رؤوسها المتفجرة معبأة ( بالاسمنت ) .!!!
في الختام الخص هذا المشهد العربي الهزلي بماقاله يفيغني بريماكوف في كتابه ( اسرار الشرق الاوسط ) بان جمال عبد الناصر صاحب مقولة : سنرميهم في البحر (( .. كانت علاقته باسرائيل قد بدأت في حرب عام 48 وحينها كان برتبة رائد حيث اجرى اتصالات مع ضباط اسرائيليين في مكان ما من منطقة رفح ..وقد تطورت العلاقة بعد ثورة 52 وبدا حوارات مع رئيس حزب العمل الاسرائيلي موشيه شاؤول ، وكانت تجري عبر رسائل يتم تبادلها بين سفراء اسرائيل ومصر في المقر الاوروبي للامم المتحدة ..وبلغت الحوارات مستوى التفاهمات وصولا لمرحلة ابرام اتفاقية . لكن بن غوريون الذي تقاعد وكان يعيش في النقب عاد الى تل ابيب وعمل على احباط تفاهمات موشيه – عبد الناصر . بافتعال حرب عام 1956 .. )) .

• (( اننا ننام على فضيحة ونخادعها .. ))
للروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي .