خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
بعد اجتماع الحكومة التركية تطرق الرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”، في مؤتمر صحافي؛ للحديث عن الأوضاع السورية، وقال: “سوف نتخذ الخطوات اللازمة لبناء منطقة آمنية بعمق: 30 كيلومتر على حدودنا الجنوبية في المناطق التي تُعاني من أوجه القصور”.
ولفت إلى أن المناطق التي تُعد مركز إنطلاق للهجمات على “تركيا” والمناطق الآمنة، ستكون على رأس أولويات العمليات العسكرية.
وأضاف: “درسنا أبعاد الموضوع في اجتماع مجلس الأمن الوطني؛ وسوف نُعلن القرار قريبًا”.
ويرى الخبراء السياسيون في تصريحات “إردوغان”، بداية لعمليات جديدة في الشمال السوري على غرار عمليات (درع الربيع)؛ عام 2020م، و(نبع السلام)؛ في العام 2019م، و(غصن الزيتون)؛ في العام 2018م، و(درع الفرات)؛ في العام 2016م.
وأهداف كل هذه العمليات بـ”شمال سوريا” والمناطق الكُردية وبعض المناطق العربية السورية مثل: “إدلب، وعفرين، وشمال حلب، والباب، ورأس العین، وتل أبیض”، بحسب “علي حيدري”؛ في تقريره المنشور على موقع مركز أبحاث (جريان) الإيراني.
تأثير الحرب الروسية على القرار التركي..
تُدار معظم مناطق الشمال السوري؛ التي لا تقع تحت السيطرة التركية، مثل: “منبج، والقامشلي، وکوباني، وتل رفعت”، بواسطة الأكراد حلفاء “الولايات المتحدة”، و”رسيا”، و”سوريا”.
ومنذ بداية الحرب الروسية على “أوكرانيا”؛ قبل ثلاثة شهور، ساد تصور بأن هذه الحرب لن تستغرق أكثر من شهرين، لكن يبدو أن “روسيا” وقعت في شرك وتكبدت خسائر عسكرية وإنسانية كبيرة؛ (على حد مزاعم التقرير الإيراني)، ولم تُعد تملك بالفعل الفرصة للتركيز على “سوريا”.
وعليه اتخذت “تركيا”؛ (في ظل إنشغال أهم الأطراف في سوريا)، قرار الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية والعمل في بناء منطقة آمنة بعمق: 30 كيلومتر في شمال “سوريا”.
أهداف “إردوغان” السياسية..
هدف “تركيا” المُعلن من حشد القوات في شمال “سوريا”، هو الحيلولة دون تحول المنطقة إلى بؤرة للفصائل الكُردية المتحالفة مع حزب (العمال الكُردستاني)؛ تحت مُسمى: “القوات الكُردية الديمقراطية السورية”، وإبعاد خطر هذه القوات عن الحدود التركية الجنوبية.
لكن يتوارى خلف هذا الهدف المُعلن؛ العديد من الأهداف الأخرى التي يمكن الإشارة إليها مثل: وصول قطار الأزمة السورية إلى محطته النهائية؛ وتثبيت حكومة “بشار الأسد”، في “دمشق”، وتسعى “تركيا” إلى القيام بدور في المستقبل السياسي لذلك البلد.
لقد راهنت “أنقرة” بمليارات الدولارات على سقوط “الأسد”، والآن تبحث بعد فشل هذا المخطط عن مكانة في المستقبل السوري. وعليه تستفيد من نفوذها بين صفوف المعارضة السورية؛ التي تعمل حاليًا على كتابة دستور جديد، في احتلال بعض الأجزاء السورية بشكل مباشر وتسكين العناصر الموالية للحكومة التركية في هذه المناطق.
حشد القوات ونظرة على الانتخابات الداخلية..
تجرى انتخابات الرئاسة التركية العام المقبل، بينما تُصارع البلاد أزمة اقتصادية تزداد رعبًا بشكل يومي. ووفق التقارير الرسمية فقد تصل نسبة التضخم في “تركيا” إلى: 150 – 200%، وهي نسبة غير مسبوقة خلال العشرين عامًا الماضية.
وهذه الإشكالية كافية في غموض آفاق الانتخابات، ناهيك عن حملات المعارضة على سياسات حكومة “إردوغان” بشأن استقبال اللاجئين. وعليه يتعين على “إردوغان” أن يُبيّن مستقبل اللاجئين في “تركيا” بأسرع وقت. وبناء منطقة آمنة في “سوريا”؛ وإنشاء منازل سكنية تمهيدًا لنقل مليون مهاجر سوري؛ وفق تصريحات “إردوغان” قد يُسهم في استعادة شعبية الرئيس التركي ورفع مستوى الآمال في الانتخابات مستقبلًا.
تركيا و”محور المقاومة”..
جودة هذه العمليات والمناطق المختارة للمشروع؛ قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين “تركيا” و”محور المقاومة”، وبالتالي سوف يواجه المشروع المزيد من التحديات الجديدة.
وخلال الأشهر الماضية؛ تغيرت توجهات “أنقرة” الدبلوماسية تجاه “إيران”؛ حيث حذرت السواعد الإعلامية التركية في إطار الحديث عن المفاوضات النووية من رد الفعل التركي إزاء الإجراءات الإيرانية الإقليمية، والاستفادة من قدراتها في إبقاء “إيران” داخل حدودها. وهذا التغيير مرتبط بتطبيع العلاقات التركية مع “تل أبيب” و”الرياض”.
وقد تشهد الأيام والأسابيع المقبلة؛ حدثًا مشابهًا وتغير الدبلوماسية التركية تجاه “إيران”، الأمر الذي سوف يزيد من تعقد الأوضاع في المنطقة.