18 نوفمبر، 2024 3:40 ص
Search
Close this search box.

التجديد الديني نظرة تأصيلية – 1

التجديد الديني نظرة تأصيلية – 1

التجديد او التحديث هو لازمة من لوازم التطور الانساني والثقافي والحضاري والاقتصادي والاجتماعي بالنسبة للدين وذلك لأن الدين عبارة عن منظومة متكاملة من القيم والمعارف والعلوم كما أنه منهاج او رسالة يترتب على إتباعها والعمل والتداول بقوانينها كمال العبادة للخالق والسعادة للمخلوق في الدنيا والاخرة .

والاسلام هو دين متجدد ليكون مناسبا للزمان والمكان وذلك لأن رسالته هي الرسالة الخاتمة ونبيه ختام الانبياء وكتابه القرآن الكريم أخر الكتب السماوية  ومعجزة الاسلام والذي شرفه الله تعالى بأن جعله كاملا تاما {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ } ، بل ان القرآن الكريم مثل معجزة للنبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) لأن كلمات القرآن وآياته وسوره الشريفة كانت تمثل تحديا كبيرا لقريش ولغتها الفصحى وبلاغتها الخرافية الساطعة في أدبهم على صعيد الشعر والنثر والخطابة ، ولقد كانت آيات الكتاب الكريم تمثل نمطاً ومستوى جديدا لم يألفه اهل الادب والبلاغة والمعرفة وعندما أرادوا الطعن والتشكيك في القرآن فأنهم اعتبروه ابداعا وسحرا {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} ، ولما خابت مساعيهم في الصاق هذه التهمة لابعاد الناس عن الايمان برسالة الاسلام حاولوا اتهام النبي بأنه يتلقى هذا الكلام فكان الرد الالهي بتحدي هؤلاء أن يأتوا بسورة واحدة لاثبات دعواهم {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ }.

وظاهرة التحديث والتجديد انطلقت من أوسع ابوابها في ظل الائمة الهادين المهديين وذلك لأن وجود الرسول الاكرم(صلى الله عليه واله) كان ضمانا لاستمرار الاتصال الالهي ونزول الوحي ولقد انقطع بموته ورحيله هذه البركات العظيمة التي كانت تتمتع الامة الاسلامية بخيراتها في ظله الشريف ، اما مسيرة الائمة الخلفاء ابتداءً من أمير المؤمنين علي (ع) فكانت سلسلة متنوعة من الادوار المتعددة وباتجاهات مختلفة بحسب الزمان والمكان وما يرتبط بهما من الظروف المحيطة والاوضاع على صعيد السلطة والمجتمع.

” فإن سيرة أهل البيت (عليهم السلام)  كذلك لم تترك حالة أو واقعة أو موقفاً إلاّ وتجد في سيرتهم (عليهم السلام) حكمه ورأي الشريعة فيه، حتى ورد عنهم (عليهم السلام): (ما من واقعة إلاّ ولله فيها حكم)، وروى سماعة عن الامام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فقلت: أصلحك الله أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال (عليه السلام): (نعم وما يحتاجون اليه الى يوم القيامة ) فقلت: فضاع من ذلك شيء ؟ فقال (عليه السلام) : (لا هو عند أهله( ” . (1)

وهكذا نرى بكل وضوح ان اهل البيت (عليهم السلام) مارسوا التحديث والتجديد على صعيد اليات العمل من خلال الاجتهاد واستنباط الحكم المناسب من القرآن الكريم والسنة النبوية مراعاة للمتغيرات التي تشهده الساحة الاسلامية والتحديات التي يتعرض لها الدين او الفتن التي تهدد عقائد مجتمعه الاسلامي او الاخطار التي تتربص بمريديهم او شيعتهم من الاعداء في السلطة وخارج اطار السلطة من الحركات المنحرفة .

اما بعد وفاة الامام الحسن العسكري(ع) وغيبة الامام المهدي(عج) الكبرى فلقد استمر فقهاء مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) منذ القرن الهجري الرابع بعد تأسيس الشيخ الطوسي للحوزة العلمية على نفس تخطيط ومنهج أئمتهم في تحديث آليات العمل الاسلامي وبما يتلائم مع متطلبات زمانهم ومكانهم وذلك بعد ان ارسى ائمة اهل البيت القواعد الاصولية العامة والتي تتيح لفقهاء الامامية الجد والاجتهاد لاستنباط الاحكام المناسبة للظروف الموضوعية المحيطة بهم انطلاقا من الحديث او المنهج الذي رسمه بوضوح الامام جعفر الصادق (عليه السلام) لرواة حديثهم او فقهاء المذهب وذلك بقوله (” إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا “) ، وكذلك روي عن الامام الرضا (عليه السلام) حديث بنفس هذا المضمون . (2)

كان هذا المنهج المتجدد العام في الاجتهاد واستنباط الاحكام لدى فقهاء المؤسسة الدينية الشيعية الى ان ظهرت الحوزة التقليدية في بداية القرن العشرين تقريبا وترسخت بقوة في الوسط الديني الشيعي بعد دخول الاحتلال الانكليزي للعراق سنة 1917م .

إذن فالتجديد والتحديث ضرورة تنسجم مع حركية الدين الاسلامي وطبيعة شريعته السمحاء وسيرة قادة الاسلام النبي الاكرم واهل بيته الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) والغاية من وراء ذلك هو الحفاظ على ديمومة الاسلام ومناسبته لكل الازمان في قيادة المسلمين نحو التطور الذي تشهده الحياة على كل الميادين والا فأن الجمود والانكفاء على الاتباع والتقليد الاعمى سوف يؤدي الى عجز المسلمين عن فهم الاسلام او الحفاظ على شريعته و نشر الدين بما يتلائم مع حاجة الانسانية اليه .

1-   “دور الائمة في حياة الامة الاسلامية – خطاب المرحلة (56)…دور الأئمة في الحياة الإسلامية “

2-   الوسائل في آخر باب – ٦ – من أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضى به من كتاب القضاء

أحدث المقالات