كما درجت عليه العادة, يأتي تقدير مبدعينا, بمختلف مجالات إبداعهم, متأخراً دائماً ! بعد أن يقضوا أو وهم يعانون إهمالاً وكمداً ممضاً.
هكذا كان الأمر مثلاً مع العالم والباحث الاجتماعي الدكتور علي الوردي… وقد لا يحدث الاهتمام أبداً, كما بالنسبة لجواد سليم وزينب وحسين مردان والمثقف العضوي المفكر هادي العلوي والفنان التشكيلي الكبير فيصل لعيبي و المعمارية الراحلة زها حديد, ومطربين وملحنين وسينمائيين ومفكرين وأكاديميين وأطباء… والكثير الكثير من مبدعينا طوردوا واستشهد من استشهد منهم تحت التعذيب وأغتيل بعضهم, ونفذ آخرين منهم الى خارج الوطن, وما من مؤسسة حكومية تتابعهم اليوم وتحتضنهم.
على العموم أن ما يخلّد هذه الشخصيات هو ما تركوه من منجزات وآثار ابداعية, بالأساس, متداولة بين المواطنين وتسكن ذاكرتهم..
وقد ترك شاعرنا الأثير مظفر النواب إرثاُ غنياً ثراً من شعره الثوري والعاطفي, باللهجة الشعبية العراقية او باللغة العربية الفصحى, بقيت لأجيال تدور على شفاه العراقيين وغير العراقيين, تشحن ثوريتهم تارة وتداعب أرق مشاعر عشقهم, تارة أخرى.
الكثير من محبي فقيدنا مظفر النواب اقترحوا مكافأته بإعادة نشر دواوينه وجمع القصائد المتفرقة الضائعة ومقابلاته الإذاعية والتلفزيونية والصحفية وكاسيتات مهرجانات الشعر التي أنشد فيها قصائده, وصوره ولوحاته وحتى جمع نتاجات كل من كتب عنه شعراً أو نثراً أو نقداً والاغاني التي استلهمت من أشعاره…
آخرين طالبوا بتمثال له يزين شارع المتنبي قريباً من متنبيه. أو اطلاق اسمه على شوارع وساحات في مدن البلاد او على مؤسسات ثقافية أو قاعات محاضرات ومهرجانات شعرية او كاليريهات رسم تشكيلي او مكتبات.
كل الاقتراحات الواردة أعلاه , وغيرها مما لم أطلّع عليها ,مفيدة. وهي تستحق وضعها موضع التنفيذ, تقديراً لقامة استثنائية كبيرة من قامات الثقافة العراقية مثل مظفر النواب, أرسى أسس مدرسة نوعية جديدة للشعر الشعبي, وأصبح أيقونتها, ولثوري فذ انحاز إلى بُناة الحياة الجديدة وقضايا حرية الشعوب.
وأسمح لنفسي أن أضيف, بأن من الأهمية بمكان, تأسيس متحف خاص به, يكون مزاراً لمحبيه, ولتلاميذ المدارس والطلبة بعد تضمين المناهج المدرسية, باقة مختارة من أشعاره, وخاصة التي تمجد الوطن وحب شعبه, وكل ما يرفع من أذواق قارئيه, واطلاع المستمعين على تقنيات القراءة الشعرية, التي أبدع بها الشاعر, بصعودها وهبوطها, بتحولات الفرح والشجن فيها… فقد كان مميزاً بحق في طرق القاءه لقصائده.
قد يكون اقتراحي سابق لأوانه, وسقفه عالٍ, في ظل عملية التجهيل المنظمة, وتغييب كل صانعي وممثلي الجمال والفرح والانعتاق, في زمن ” الغشاش راهي وإيده بجيوبه, والحر الكريم محاسنه ذنوبه “, كما غنى المنولوجست عزيز علي. ولكن, من قال بأن كل ما يتمناه الناس ومحبي الشاعر, يدركوه ؟!
المؤكد أنه سيأتي أوانه في يوم بهي !
العنوان مأخوذ عن الشاعر ناصيف اليازجي.