هو اوصى ان يدفن في النجف الاشرف الى جوار قبر امه التي اهدى لها ديوانه الشعري (ديوان كالولي) قصائد لم تر النور اعداد وتقديم كريم حنش
كالولي
يهدي قصيدته الى امه
أمي الحبيبة
يا اطيب الامهات
اليك حبي
هذه اول اسطوانة مسجلة بصوتي
اهديها اليكم…..ولكل الاصدقاء
روحي
ولا تكلها اشبيج
وانت الماي
مكطوعة مثل خيط السمج روحي
حلاوة ليل محروكة حرك روحي
حمرية كصب مهزومة بالفالة
ولك روحي
ويستمر في قصيدته ويقول ويقول ,كلماته تنشر صور الواقع الذي لم يجد العدل فيه مكانا لائقا حيث غلبة الزيف والخداع والاثرة وحيث الغالبية الكادحة يستأثر بكدها المتسلطون في شتى العناوين وليس من يرفع صوت الرفض الا اولئك الذين نذروا انفسهم ليكونوا حملة مشاعل الحرية والانعتاق من الظلم والجبروت.
ما كان نصيبهم ….؟
وهل غير الاضطهاد والتشرد أو ان تتلقفهم السجون والمشانق …………..
ليس لهم غير ذلك من نصيب الا ما ندر.
هذا هو نصيبهم وهذا هو ما يصيبهم في الاغلب الاغلب من بلدان العالم الواسع . يتحدثون عن الحرية ويطالبون بها ويقفون امام الجبروت فماذا يمكن ان ينالهم غير القصاص وغير العقاب.
يالوعة الامهات اللواتي عشن اللحظات القاسية في وداع الابناء المتوجهين للغربة او السجون او المشانق وليس من وداع انه فجاءة الفراق الطويل او الابدي وربما وروي جسد الامهات دون اوبة المسافر او عودة الشهيد لكنها تظل معلقة النظر الى الافاق مطرقة السمع الى الابواب مترقبة النوافذ.
لازلت اذكر جدتي وفجيعتها بالولد الغالي (خالي الشهيد مهدي عبد الأمير لّطّيف) الذي لم يعرف له قبر ولا يعلم له جدث ,اجل لم يعرف له قبر ولا استلمت جثته ,فقط شهادة وفاة عنوانها الاعدام بحق الشهيد الذي وصفوه (المجرم) لكنهم رغم هذا قالوا منصفين بأن جريمته غير مخلة بالشرف والزمن يحفظ لهم هذه العبارة وان كانوا بحق لا يستطيعون ان يخالفوها لان المعدوم لم يسرق ولم يقتل ولم يسلب اي حق ولم يعتدي لكنه حمل فكرا لا يرتضيه ذو السلطان في الزمان والمكان وتم الاعدام ووثقت شهادة الوفاة بتوقيع الطبيب المختص وبأمر مسؤول لا ترد له كلمة ولا يقال له لماذا .
انتقل الشهيد الى بارئه البر الرحيم لكن الذى جرى على ذويه كان عظيم …ام ثكلى لا يمكنها ان تبكي ولدها او ان تحزن فأخرجت الى بيت غير بيتها واقفلت عليها الابواب والستائر وحضر المقربون المقربون سرا للمواساة وللبكاء والحزن محاذرين الرقباء والعيون .
كان منظرها يفتت اقسى القلوب واشدها صلابة امرأة تبكي الفقيد العزيز ولا ترفع صوتها .في الغرفة الصغيرة القت عن رأسها الوشاح وظهرت ضفائرها الفضية تخفي وجهها وحين كان يشتد بها الخطب تقف على قدميها وتدور في دائرة صغيرة وكانها تخاطب الفقيد وتهتف بصوت بح من الحزن والشجن (مهدي …مهدي…مهدي …يمه يمته اموت واشوفك).
هذه هي كلماتها وهي صورة عن جميع الامهات الثاكلات او الامهات المفارقات او الامهات اللواتي ضاع منهن الولد بعنوان الشهادة او القتل او الغربة او السفر.
لله در الامهات في اي زمان وفي اي مكان .
رحم الله والدة النواب الذي وري الثرى جوار قبر ام ظلت تنتظره عقود من الزمن وهو لم ينس ان يقول كلمته في ان يكون قريبا منها ميتا بعد ان عاش بعيدا عنها حيا .
سلام للشاعر مظفر النواب الذي سطر كلمات المجد للإنسان والحرية والحياة وللام الخالدة.