منذ عقد التسعينات وانا اسمع بعضهم وكلما هبت عاصفة ترابية هوجاء أو حمراء وواحدهم يحمل استكانة الشاي بيده اليمنى ، والملعقة بيده اليسرى ليخوط بصف الاستكان قولا وفعلا ، بأنها مفيدة وستعمل على تطهير الارض وتعقيم الاجواء وقتل الفايروسات وتنشيط التربة وقد سمعت آخر هذه الاسطوانة المشروخة قبل أيام وخلال العاصفة الترابية ما قبل الأخيرة والتي تسببت بـ 4000 الاف حالة اختناق ، فيما تسببت سابقتها بـ 5000 الاف حالة اختناق ووفاة واحدة ، اضافة الى تعليق الرحلات في مطارات بغداد، والنجف، والسليمانية، اضافة الى توقف الامتحانات في عموم المدارس والجامعات وهي العاصفة الثامنة على التوالي خلال 35 يوما فقط لاغير !!
فهل صحيح ان العواصف الترابية – الغبارية …الرملية- نافعة ومفيدة كما يزعم الخائطون بصف اللكن والاستكان ؟ ولاسيما بأن ” الريح الحمراء” وجل العواصف الاخيرة التي عصفت بالعراق كانت من هذا النوع الاحمر القاني، لم تذكر في كتب التراث والتأريخ قط الا على سبيل الشؤم والبؤس والخطر والعقوبة والعذاب !
التقارير العلمية العالمية التي طالعتها تباعا وجلها اميركية وبريطانية قد اجمعت على ان هذه العواصف هي واحدة من اهم الملوثات البيئية والصحية الحالية ، وهي السبب الرئيس في انتشار الفايروسات والاوبئة والبكتيريا حول العالم وابرزها ” حمى الوادي ، السارس ، الانفلونزا ، السحايا ، الحمى القلاعية ، امراض الجهاز التنفسي وفي مقدمها الربو ” اضافة الى انها السبب في العديد من الازمات القلبية والسكتات الدماغية المفاجئة ايضا حتى بعد مرور ايام على العاصفة !
صحيح ان التقارير اياها كشفت بأن هناك فوائد في نقل التربة المفيدة الى مناطق بعيدة ، وصحيح انها كشفت ايضا عن امتصاص العواصف الرملية لأنبعاثات تغير المناخ ، الا انها اجمعت في الوقت نفسه على ان هذه الفوائد كانت ما قبل تلوث الارض وتلويثها ، وقد زاد الانسان نفسه من مخاطر هذه العواصف بتلويثه للتربة والمياه والاجواء …فأوكسيد الكبريت ، واوكسيد النتروجين ، والرصاص ، واول اوكسيد الكاربون ، والمخلفات البايولوجية ، والكيمائية والنووية ،ومكبات النفايات العشوائية ، ومناطق الطمر الصحي غير الاصولية ، علاوة على الغازات السامة المنبعثة من المصانع وعوادم السيارات ووسائل النقل المختلفة كلها يتم نقلها عبر العواصف حول العالم لتخرب البيئة وتعمل على تدميرها على النقيض تماما من الادعاء بتحسينها وتطهيرها كما يردد بعض المتأثرين بثقافة “التخدير الجمعي” من متثيقفي وفلاسفة المقاهي والحانات والدواوين ، ولو كانت العواصف برمتها وبكل انواعها مطهرة ومنقية ومفيدة كما يزعمون،وكما يهرفون بما لايعرفون ، لما فصلها الله تعالى وذكر بعضها كعلامة من علامات التخويف والوعيد والهلاك والعذاب للامم العاصية والمارقة ليتوب من لم يعمه العذاب بعد الى بارئه ويعود الى دينه قبل ان يهلك وقومه كما هلك الاولون ولات حين مناص ، ومن انواع الريح المذكورة في القرأن الكريم للوعيد والعذاب ” الريح الصرصر، الريح العقيم ، الريح القاصف ، الريح العاصف ” وكلها بخلاف المفيدة ومنها الرياح المبشرات والناشرات والذاريات والاخيرة تحمل المطر وتحرك السحاب وتنشر البذور وحبوب اللقاح وتنقل الخير والرخاء حيثما حلت بإذن ربها ، اضف الى ذلك بأن المفيد من الغبارية عامة انما يكون بعاصفة وعاصفتين في كل عام وليس بـ 80 عاصفة متتابعة في العام الواحد بسبب الاهمال الزراعي المتعمد ، والتغير المناخي ، تتسبب بدخول الاف مؤلفة من المرضى الى المستشفيات الاهلية والحكومية ، وتعجل من التصحر ، وزحف الرمال ، وغياب المساحات الخضراء ،وتعليق الرحلات الجوية ، اضافة الى وقوع عشرات الحوادث المرورية المؤسفة ، الا ان ثقافة التخدير الشعبوي تحاول تحسين الصورة على الدوام وتعميمها لزيادة التقاعس والركون وهضم التصحر والسكوت على تجريف الاراضي الزراعية وتحويل جنسها الى سكني ، وغض الطرف عن قلع الاشجار ، واجتثاث النخيل ، وغياب الحزام الاخضر ، وانحسار التشجير ، وتراجع المساحات الخضراء ، وعدم التعامل الجدي مع هشاشة التربة الناجمة عن نقص مناسيب الامطار وتجفيف الانهار وتحويل مجاريها من قبل الدول المتشاطئة مع العراق – ايران وتركيا – بغياب الخطط الزراعية الخمسية والعشرية ، وتوقف بناء السدود ، وحفر القنوات ، وبناء الاحواض والخزانات المائية العملاقة للافادة من المياه في مواسم الفيضان والامطار والثلوج ، مصحوبة بالصمت المطبق حيال عدم السيطرة على جفاف الروافد والبحيرات والاهوار ….والنتيجة هي “جاي وجذب” خوط استكان الشاي ، حط رجل على رجل ، تحول الى خبير زراعي ، وتفلسف على كيفك ، وتعلم الحجامة برؤوس اليتامى ، هي خربانه خربانه ..ظلت عليك ، ولله در القائل :
وقل لمن يدعي في العلم فلسفة ..حفظت شيئا وغابت عنك اشياء !!
اللهم رياح رحمة ورخاء ، لا ريح وعيد وعذاب ..قولوا امين
المطلوب حملة_تشجير_مليارية …لوقف العواصف الغبارية بدلا من تجريف البساتين والاراضي الزراعية، فلقد تعلمنا منذ الصغر وحفظنا عن ظهر قلب عبارة ” ازرع ولا تقطع ” الا ان ما يجري في العراق أرض الجراد حاليا …ارض السواد ماضيا ” هو اقلع،اشلع ،اقطع …واياك اياك أن تزرع ” .
وبناء عليه أتمنى وبعد انجلاء العاصفة الترابية والريح الحمراء بإذنه تعالى على كل الفرق التطوعية والشبابية والجمعيات الخيرية والانسانية والمجالس البلدية ومنظمات المجتمع المدني اضافة الى ما يسمى بالنشطاء ” وان كنت امقت هذا المصطلح والتوصيف ” في عموم العراق اطلاق حملات تشجير مليارية ترافقها حملات دعم وترويج وهاشتاجات وبوستات وتغريدات في كل مواقع التواصل دفعة واحدة على المستوى الوطني وذلك للحد من تبعات ومخاطر العواصف الغبارية في كل المحافظات والمدن والاقضية والنواحي واطرافها لتثبيت التربة تلافيا لمزيد من العواصف الترابية المستقبلية او على الاقل لتقليل اضرارها الكارثية وللحد من التصحر وزحف الرمال تجاه المدن …لو هاي هم عملية مستحيلة وتحتاج موافقة اميركا وبريطانيا ومجلس الامن وبعض دول الجوار ؟!
علما بأن العراق بحاجة الى 14 مليار شجرة لإيقاف عملية الزحف الصحراوي بحسب صحيفة الاندبندنت في تقرير كانت قد نشرته قبل عامين نقلا عن خبراء في وزارة الزراعة العراقية …ومقدما اقول اذا كانت هذه الاشجار ستستورد بقرض ربوي من البنك الدولي وشقيقه صندوق الحقد الدولي ، فدعونا نتصحر افضل ..واذا كانت هذه الاشجار ستستورد من دول الجوار ولاسيما من تركيا وايران ” فأتركوا الموضوع كليا وتحدثوا معهما عن زيادة مناسيب مياه دجلة والفرات واعادة مجاري المياه التي قطعت عن العراق وتم تحويلها لتصب في اراضيهم بدلا من العراق ..بمعنى دعوكم من اشجارهم وتحدثوا معهم عن روافدهم وأنهارهم ….!
وأسأل وزارة الزراعة ” اذا كنت تعلمين جيدا بأن العراق بحاجة الى 14 مليار شجرة لوقف الزحف الصحراوي فكيف تسمحين اذن بتجريف الاراضي الزراعية واجتثاث النخيل والبساتين وتحويل جنس الاراضي من زراعي الى سكني ؟! فعلا عجيب امور، غريب قضية..بس ويامن تحجي ، ومن اين تبدأ ، وفي اية مصيبة تبحث وعن اية قضية ..ويكلك اصلاح وتغيير واعمار وتأهيل وما ادري ايش ..ولك عمي بس اطلعوا منها ، كل العراق ينصلح ..!!