18 ديسمبر، 2024 11:23 م

ليس بيننا وبين فارس جبل من نار

ليس بيننا وبين فارس جبل من نار

يعجب الأشقاء العرب ويحزنون على ملك العراق الضائع وخسرانه الشوط الذي قطعه في التطور قبل نصف قرن حتى صار ارقى بلاد الشرق ، ويتألم الأصدقاء الأبعد على عناء العراق دون غيره او اكثر من غيره طول الأزمان، وتحطمه في غضون عقدين لا اكثر في آخر أحواله، ويتحسر احبابنا على دولة ناهضة متحضرة عظيمة أخافت اعداء الشرق والغرب وافادت اصدقاء الشرق والغرب ، ومع الحسرة والألم والعجب تساؤل باندهاش،
ياترى ياعراق الحضارة كيف جفت بحيراتك وانهارك ، واين اختفت خضرتك واشجارك ،ولم زاد قحطك وعلا غبارك ، ولم لا يكاد يخمد اوارك ، ياعراق العلم ومدارس الفكر اين ذهب عميق فكرك، وكيف جف ندي حبرك ، وعلام انحدر شانك وحيرت في امرك ، ياعراق الخير اين كل خيرك، ولم لاتقوم من عللك مثل غيرك ، ولم اختفى كل صوت صادح من طيرك ، ياعراق الشكيمة والقوة كيف وسعت بك الهوة وزادت بك الجفوة وطالت بك الغفوة.
ويسالون عن القانون الذي كان هو من اخترعه اين ياترى ضيعه ، ويسالون عن الموسيقى التي ابتدعها كيف ودعها ، و يسالون عن الحرف الذي ابتكره لم جفاه و أنكره، ويسالون عن الخلق الذي كان شعاره كيف زال وقاره و انكشف للناس دثاره ، يسالون عن العز والثراء كيف صارا هباء ، يسالون عن البلد الذي ادب الحكام واعجز الانام كيف اصبح اول من يستسلم للئام، ويسوسه الهمل ويترأسه جهال العوام.
اين ياترى ما كان من موارد الزراعة ومصادر العلم والتقدم والصناعة ، واين الرجال الذين وقفوا يدافعون وماتوا يحاربون ومااستكانوا ولا وهنوا، كيف بلغ بالعراق ان يقع بين ايدي عصبة من اللصوص لايرحمون ولايشبعون ولايتوبون ، وهل هذا من سوء تدبيره، ام من شعب مغيب عن مصيره ، ام من امة تخلت عن بعضها وضحت بارضها وتأخرت عن حرصها والذود عن عرضها.
ثم يعجب ابناء العمومة ان اصابهم ما أصابك وعلام تكالب اعداؤك ، و أن لكل مصاب زوال ولكل داء شفاء الا داؤك ، في كل قرن محنة تعود وبلاء يستجد ، في كل حين ما ان يبنيك ابناؤك ويذهب غثاؤك ويثمر عناؤك حتى تهجم محن اخرى ومصائب تترى.
أيظن الناس أن لو كان بأيدينا لرضينا ، او كان بمقدورنا فمضينا ، او اريد لنا التباعد فأبينا، انما هي مجريات الأمور وصحبة الدهور وجيرة العصور التي لا مفر منها ولا محيد عنها ، لو كان لنا من امرنا الخيار لما اخترنا هذا الجوار ولما سكنا هذه الديار، ولاقبلنا بما جرى وصار الا انها حكمة العزيز الجبار .
ثم يلومونك يا عراق ،، لم كل امر يدبر للامة لايلقى إلا على كاهلك ولايمر الا من خلالك ، ولم كل بلية الا عبر سهولك وجبالك ، والى متى سيبقى هكذا عسر حالك ،
وياليت لنا دعوة تستجاب او نتخذ من دونهم ساتر او حجاب، او نفرق البحر او نشق السحاب، فلا جواب لدينا الا قدرنا الذي شاء الله ان يكون ،وأجل لايتبدل حتى تتبدل آجال المنون ، وشاء الله ان لا تكون مستجابة تلك الدعوة لصالح من الصحابة ، وكل هذا مما حكمت به علينا لأقدار ، التي هي تحت مشيئة المهيمن القهار، فأقلوا علينا اللوم ابناء جلدتنا ، و أعذرونا ابناء عمومتنا ، فها نحن كما تروننا ،،ليس “بيننا وبين فارس ،، جبل من نار”.