حقا انها جريمة لا تُغتفر ، خصوصا إن تعلّقَ الأمرُ بفلذاتِ أكبادنا ، فحتى أطفالنا صار لهم نصيب من مـﺂسي هذا البلد ، علما اني لم أسمع قبل اليوم ، ان مدرسة ما توزّع بسكويتا ، فاستغربت من الخبر ، وبدأت هذه الأزمة بضبابية ، وكُرة تنتقل من ملعب الى ملعب ، وستنتهي كزوبعة في فنجان ، شأنها شأن كل الجرائم والسرقات الكبرى والخيانات العُظمى التي تُرتكَب بحقنا كل يوم وكل ساعة ، لتستقر أخيرا في ملعب برنامج الغذاء العالمي ، فلنفوّض أمرَنا الى الله ، فكل مَن يتعامل مع الدولة ، يصبحُ فاسدا ، حتى لو كانت منظمة انسانية ، وكأن الفساد عدوى ووباء مستفحل في هذا البلد !.
انها جريمة كبرى في جميع المقاييس ، ولكنها لا تُقارنْ مع عشرات السيارات المفخخة خلال فترة هذا الحَدَث الأعلامي ،والتي أطاحت بمئات الأبرياء ، وممن لا ناقة لهم ولا جمل (كالعادة )في الصراعات والسجالات السياسية ، انها جريمة كبرى ، ولكنها لا تقارنْ بأزمة الفشل الأمني الذريع ، جريمة لا تُغتفر ، ولكنها لا تقارن بأزمة الكهرباء وفساد وزارتها ، انها جريمة حقا ، ولكنها لا تقارن ، بأردأ المواد الفاسدة ، القليلة جدا التي يتقاضاها المواطن في مفردات البطاقة التموينية ، لا تقارن مع تـﺂمر دول الجوار على حصة البلد من المياه ، لا تُقارن مع تدهور الزراعة والصناعة ، لا تقارن مع فشل وكسل وشلل البرلمان لأقرار العديد من التشريعات الملحّة ، ومنها قانون التقاعد ، لا تقارن بصفقات الفساد الفلكية ، التي قيدت بأجمعها ضد مجهول ! .
هذه الأزمة لا تقارن مع صفقات تـﺂمر السياسيين في أروقة الدولة التي تحوّلت الى حلبات للصراع ، لتسقيط بعضهم بعضا ، بشكل يشبه استعراضات المصارعة الهزلية ، ولكنها مبكيةً لنا ، حيثُ كلٌ يسحبُ النارَ الى قرصِه ، وكل يحرص على أجهاض اي مكسب ما دام لصالح خصمه ، حتى لو كان هذا الأجهاض ، تفريطا في حق المواطن وتدميرا لحياته ، حتى لو كان تكريسا للتخلف والعبثية والعودة الى مربع ما تحت الصفر !، وبذلك تبقى ارصدتهم بأجمعهم صفرا ، و(مكانك راوح) !.
هذه الأزمة لا تقارن مع ما يصادفه أي سائق لسيارته في شوارع بغداد ، حيث يبقى تحت مطرقة السيطرات والأختناقات المرورية ، والشوارع المتهالكة المصطبغة بالدماء ، وأسوأ (بنزين) يمكن ان تتعاطاه سيارة !، هذا إن نجا من (لاصقة) أو (عبوة) أو (كاتم ) أو (مفخخة)!.
من كل ما سلف ، تبدو أزمة البسكويت وكأنها (زلاطة) على حد تعبير المثل العراقي التهكمي ، بالنسبة للمِحَن الملحمية التي يعانيها المواطن ، وتهدد وجودَه ، أين أزمة البسكويت ، من جيش من الأزماتٍيهددُ وجودَ بلد بأكمله بالزوال ، بلد اسمه العراق ؟