رصاصة في قلب “صاحبة العقوبات” .. سقوط “البترودولار” بدأ من آسيا وجارِ الإنهيار على رأس واشنطن !

رصاصة في قلب “صاحبة العقوبات” .. سقوط “البترودولار” بدأ من آسيا وجارِ الإنهيار على رأس واشنطن !

وكالات – كتابات :

يمكن أن تتسبب القطيعة بين “روسيا” والغرب؛ والخلاف بين “السعودية” و”الولايات المتحدة”، في خلع “الدولار النفطي”؛ (البترودولار)، عن عرشه لصالح “اليوان الصيني”، حسب ما يخلص إليه تحليل للكاتب؛ سيد زين عباس رضوي”، نشره موقع (ذا جيوبوليتكس).

يُلفت المحلل السياسي والاقتصادي في مطلع تقريره؛ إلى أن “الدولار الأميركي” كان يتربَّع على عرش أسواق “النفط” العالمية؛ منذ سبعينيات القرن الماضي، بوصفه العُملة الاحتياطية بلا منازع في جميع أنحاء العالم، وعزَّزت الاتفاقيات مع “المملكة العربية السعودية”؛ (وعديد من دول الشرق الأوسط الأخرى)، تداول “النفط” و”الغاز” حول العالم بعُملة “الدولار الأميركي”، الأمر الذي عزَّز بدوره مكانة “الولايات المتحدة”؛ بوصفها المهيمن على التجارة العالمية، وهو تحوُّل عن معيار “الذهب” التقليدي.

وفي حين ظهر “اليورو”؛ بوصفه منافسًا قويًّا في التسعينيات، لا يزال التمويل المقوم بـ”الدولار” مزدهرًا، ولم يكن أمام اقتصادات مثل: “الصين وروسيا” من خيار سوى الاحتفاظ بسندات الخزانة الأميركية، وتكديس احتياطيات ضخمة من الدولارات؛ ومع ذلك، هناك عوامل جيوسياسية واقتصادية عديدة تقلب الآن الطاولة على رأس هيمنة “الدولار الأميركي”؛ وكانت العولمة السريعة بالفعل قنبلة موقوتة فيما يتعلق بـ”الدولار”؛ ولكن الآن، يُحفِّز صعود “الصين”؛ بوصفها القوة المحتملة القادمة؛ واستبعاد “روسيا” من نظام (سويفت) المضمَّن بـ”الدولار”؛ هذا التحوُّل التاريخي.

“البترودولار”: السياق التاريخي..

وأوضح الكاتب أن الاتجاه نحو التخلي عن التعامل بعُملة “الدولار” ليس ظاهرة جديدة تمامًا، مشيرًا إلى أن التحوُّل لاستبعاد “الدولار الأميركي” حُفِّز في الأصل في “أميركا اللاتينية”؛ في التسعينيات، عندما حاولت “فنزويلا”، ردًّا على “العقوبات الأميركية”، الإبتعاد عن الوضع الراهن بتفضيل مدفوعات “النفط”؛ بـ”اليوان”، على “الدولار الأميركي”.

مصدر الصورة: CGTN

ويُضيف الكاتب أن “تشيلي” لجأت إلى مقايسة مؤشر أسعار المستهلك لجذب الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية المحلية أكثر من السندات الأميركية في السوق الثانوية؛ ومع ذلك، وبسبب ضعف السياسات النقدية التكميلية والأزمات الاقتصادية المعوِّقة، انعكس اتجاه التخلي عن التعامل بـ”الدولار” انعكاسًا حادًّا خلال الأزمة المالية لعام 2008؛ ومنذ ذلك الحين، لم يُهدد أي تطور كبير بعرقلة هيمنة “الدولار الأميركي”، ولكن الأسواق الآسيوية المزدهرة والتصدُّع الخفي في العلاقات بين “الولايات المتحدة” و”السعودية”؛ يمكن أن يكون نذير شؤم يلوح في الأفق.

تدهور التحالف “السعودي-الأميركي”..

يُلفت الكاتب إلى أن “السعودية”؛ هي أكبر مُصّدر لـ”النفط الخام” في العالم، إذ تبلغ نسبة صادراتها حوالي: 17.2% من صادرات “النفط الخام” العالمية؛ (من حيث القيمة)، وعلى مدى عقود، كانت “السعودية” أحد الحلفاء الأساسيين لـ”الولايات المتحدة” في الشرق الأوسط؛ ومن الناحية الاقتصادية، عملت المملكة بوصفها أكبر مورِّد لـ”النفط الخام”؛ لـ”الولايات المتحدة”؛ وعلاوةً على ذلك، بينما تقود “السعودية”؛ “منظمة الدول المصدرة للنفط”؛ (أوبك)، تمتعت “الولايات المتحدة” بنفوذ على أسعار “النفط” العالمية.

ونظرًا لأن تجارة “النفط” مقوَّمة بـ”الدولار الأميركي”، فقد سمحت هذه الميزة للحكومات الأميركية المتعاقبة بتشغيل عجز تجاري هائل دون أي مخاوف تتعلق بالميزانية، ومن الناحية الجيوسياسية، كانت “السعودية” وكيلًا لـ”الولايات المتحدة” في الشرق الأوسط لمواجهة خصمها اللدود؛ “إيران”، وبعد “الثورة الإيرانية” التاريخية؛ في عام 1979، صعَّدت “السعودية” سُلَّم التفضيل الأميركي في المنطقة تصعيدًا أكبر؛ ومع ذلك، ومع التحوُّل في “البيت الأبيض” من الجمهوريين إلى الديمقراطيين، انفصل الحليفان قليلًا إلى حدٍّ ما.

وعلى مر السنين، خَفَّفت “الولايات المتحدة” من اعتمادها على “النفط” المستورد من خلال بناء احتياطياتها الإستراتيجية الخاصة؛ على سبيل المثال، استوردت “الولايات المتحدة” ما يُقدر بنحو مليوني برميل يوميًّا من “الخام السعودي” في التسعينيات، وانخفض هذا الرقم إلى: 500 ألف برميل يوميًّا فقط؛ في عام 2021؛ بنسبة انخفاض بلغت: 75% على مدار عقدين من الزمان.

وبحسب الكاتب: على الصعيد السياسي، كانت العائلة المالكة السعودية غير راضية تمامًا عن سياسة “بايدن” في الشرق الأوسط، ذلك أن قرار “بايدن” بسحب الدعم من جانب واحد لـ”السعودية”؛ في حرب “اليمن”، أبعد المملكة عن الإدارة الأميركية، وأثارت موجة لاحقة من هجمات “الحوثيين” على منشآت نفطية سعودية غضب العائلة المالكة، وما زَادَ الطِّينَ بِلَّةً أن سعي “بايدن” الحثيث لإنقاذ “الاتفاق النووي” القديم مع “إيران”؛ أدَّى إلى نفور المملكة فعليًّا إلى حد اللامبالاة.

العلاقات بين “السعودية” و”الصين” تزداد قوة..

ونوَّه الكاتب إلى أنه ليس من الصعوبة بمكان تحديد تداعيات تدهور العلاقات بين البلدين، لافتًا إلى أنه منذ أن شنَّت “روسيا” هجومها على “أوكرانيا”؛ في شباط/فبراير 2022، رفضت “السعودية” الاستجابة لدعوات “بايدن” بزيادة حصص المعروض من “النفط الخام”، وكبح أسعار “النفط” العالمية، وبدلًا من ذلك، تمسَّكت مجموعة (أوبك+) – الأعضاء في منظمة (أوبك) و”روسيا” والمُنتجين المتحالفين الآخرين – بخطتهم الأصلية بزيادة طفيفة في الإنتاج المستهدف لشهر حزيران/يونيو 2022، بمقدار: 432 ألف برميل يوميًّا.

مصدر الصورة: الحرة

ويرى الكاتب أن: “اللامبالاة الشديدة” تجاه الدعوات الغربية يُغذِّيها سبب أساس إلى جانب الخلاف المتزامن مع “الولايات المتحدة”، موضحًا أن السبب هو: التعاون “الصيني-السعودي” المتزايد؛ فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، خضع هيكل تجارة “النفط” الدولية في “السعودية” لتغيير جوهري، ويرجع ذلك في الغالب إلى زيادة تعاون “الصين”؛ الذي لا يقتصر فقط على قطاع الطاقة، ذلك أن “الصين”، وتحت غطاء “مبادرة الحزام والطريق”، وَسَّعت أيضًا من وجودها المحتمل في المملكة بطريقة موضوعية من خلال التعاون الثنائي في البنية التحتية والتجارة والاستثمار.

اللعب مع “الدولار”.. هل يفقد المارد الأخضر سطوته أمام روسيا والصين ؟

ووفقًا للبيانات التي أوردها؛ (متعقب الاستثمار العالمي الصيني)؛ الذي يُصدر عن “معهد أميركان إنتربرايز”، بلغت الاستثمارات الصينية التراكمية في “السعودية”:: 43.47 مليارات دولار؛ في عام 2021، وبحسب البيانات الصادرة عن الإدارة العامة الصينية للجمارك، استوردت “الصين” ما يُقدر: بـ 542.39 ملايين طن من “النفط الخام”؛ في عام 2020، وهو ما يُشكِّل أكثر من: 25% من إجمالي صادرات المملكة النفطية العالمية، وتُشير مصادر من أكبر منظم للأوراق المالية في “السعودية” إلى أن “صندوق الثروة السيادية”؛ في المملكة، قد يبدأ قريبًا الاستثمار في الشركات الصينية بعد سنوات من تقييد ممتلكاته الخارجية في “الولايات المتحدة” و”أوروبا”.

وبحسب الكاتب تُشير أيضًا مصادر رسمية إلى أن شركة النفط السعودية العملاقة؛ (آرامكو)، تُجري محادثات لإبرام شراكة مع “اتحاد البتروكيماويات” الصيني، كذلك أنهت (آرامكو) مؤخرًا صفقة بقيمة: 10 مليارات دولار مع شركات “نفط” صينية، وتُشير جميع العوامل إشارة قاطعة إلى اتجاه واحد؛ وهو أن “السعودية” تتحوُّل بعيدًا عن “الولايات المتحدة” وتولِّي وجهها نحو “الصين”، وبطبيعة الحال، فإن التخلي عن التعامل بـ”الدولار”؛ في التجارة والاستثمارات، من شأنه أن يُسهِّل العلاقات الثنائية مع “الصين”.

ويستدرك الكاتب: مع ذلك، هناك بعض العيوب التي تكتنف التعامل بـ”البترويوان” عند مقارنته بنظيره الأميركي، ففي حين نمَت الأسواق المالية الصينية نموًا كبيرًا خلال العقود القليلة الماضية، فإنها لا تزال غير سائلة نسبيًّا مقارنةً بأسواق رأس المال الأميركية؛ وعلاوةً على ذلك، يُسهِّل سوق “اليورو” الضخم؛ البالغ: 13.4 تريليونات دولار، التجارة في الأسواق الأوروبية على نطاق واسع؛ وفي الوقت نفسه، ستقتصر التجارة بـ”اليوان” على “الصين” وستخضع للتلاعب من “بنك الشعب الصيني”؛ وبذلك، فإن التداولات التي تجري تسويتها بـ”اليوان” ستكون مصدر إزعاج للإدارة السلسة للتجارة والودائع القصيرة الأجل؛ ومع ذلك، يمكن حل هذه المشكلات إذا استُخدِم “البترويوان” بوصفه مقايضة للاستثمارات في “الصين”.

الاتجاه المتغيِّر في “آسيا”..

وأوضح الكاتب أن اقتصادات مثل “روسيا” و”إيران”، شأنها شأن “السعودية”، اقتربت هي الأخرى من “آسيا”؛ فقد أعربت “روسيا”، على سبيل المثال، باستمرار عن ميلها للتحوُّل نحو نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود؛ (CIPS) – وهو نظام معاملات يُقدم المقاصَّات والتسويات الدولية بعُملة “الرنمينبي”؛ (الاسم الرسمي للعُملة الصينية) – لبيع نفطها في “آسيا” في ظل “العقوبات الغربية”.

وبدورها، تحدَّت “الهند”؛ الضغط الأميركي، علانيةً بشراء ما يقرب من: 15 مليون برميل من “النفط” من “روسيا” منذ غزو “أوكرانيا”، ويُمثل “الخام الروسي” الآن حوالي: 17% من الواردات الهندية، ارتفاعًا من نسبة تقل عن: 1% قبل الغزو الروسي؛ والسبب الأساس هو “النفط” الأرخص بـ”الروبل”، خاصةً في وقتٍ لا تزال “أوروبا” فيه تدرس فرض حظر على “النفط الروسي”، وحتى “إيران” اشتهرت بتداول الخام مع “الصين”؛ بموجب “العقوبات الأميركية”؛ من خلال التخلي عن “الدولار الأميركي” من أجل التسويات.

سعر الفائدة..

وقد يُجادل بعض الاقتصاديين بأنه حتى لو حدث ذلك، فإن تأثير التخلي عن التعامل بـ”الدولار” سيكون تدريجيًّا وغير ذي جدوى من الناحية الاقتصادية، ولكن علينا أن نفهم أن السياق التاريخي غير متماثل، وأن الحقائق على أرض الواقع اليوم مختلفة نسبيًّا؛ أولًا: الاقتصادات في “آسيا” أقل اعتمادًا على التعامل بـ”الدولار” على نحوٍ ملحوظ من الاقتصادات الناشئة في “أميركا اللاتينية”؛ التي نوقشت في المؤلفات الموجودة في هذا الصدد، ثانيًا: الاقتصادات الآسيوية، وخاصةً: “الصين والهند”، أكثر أهمية من حيث الحجم والسياسة النقدية، وحتى التحوُّل نحو شبه التخلي عن التعامل بـ”الدولار” يمكن أن يقلب نفوذ “الولايات المتحدة” ويُقلل تقليلًا كبيرًا من قوة “العقوبات الأميركية”.

مصدر الصورة: رويترز

ويختم الكاتب بالقول؛ إن من المفهوم أن المشرِّعين الأميركيين منزعجون من تحدي تحالف (أوبك بلس)، وفي الآونة الأخيرة أَقرَّت لجنة قضائية في “مجلس الشيوخ” الأميركي؛ مشروع قانون “عدم إنتاج وتصدير النفط لعام 2021″؛ (NOPEC)، لتعديل قانون مكافحة الاحتكار الأميركي، وفي حال إقراره في “مجلس الشيوخ” و”مجلس النواب”، فسيحصل المدَّعي العام الأميركي على سلطة تعريض دول (أوبك+) لدعاوى قضائية بشأن تواطؤ محتمل، متجاوزًا الحصانة السيادية المضمونة لدول (أوبك بلس)؛ وفي حين قُدِّمت طلبات مماثلة وفشلت على مدى العقدين الماضيين، فإن أبرز ما في الأمر هو “يأس”؛ “الولايات المتحدة”، في مواجهة العجز، بحسب تعبير الكاتب.

كما حذَّرت “السعودية”؛ المشرِّعين الأميركيين، بالفعل في عام 2019؛ من أن مثل هذا القانون، في حالة إقراره، سيُجبرها على التحرك ببيع “النفط” بعُملات مختلفة؛ واليوم، ومع تأخر “أوروبا” في تنفيذ جدولها الزمني فيما يتعلق بالاستغناء التدريجي عن “الخام الروسي” إلى جانب نفوذ “الصين” المتزايد في (أوراسيا)، يبدو أن التحوُّل الحتمي عن “الدولار الأميركي” قد يضرب في وقتٍ أقرب مما كان متوقعًا في البداية، إذا كان متوقعًا بأيَّة حال.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة