عندما اضطرت روسيا لغزو اوكرانيا , كانت دول الناتو بقيادة واشنطن قبل ذلك تبحث عن اراذل ومناكيد واصاغر ليكونوا بدائل لسياسيين اوكرانيين لتصنع منهم حمالين للسلاح الذي سينفخون به بطن اوكرانيا , ليبلغوا بذلك الى تحقيق احلامهم المريضة في افتعال حرب بينها وبين روسيا مستغلين في ذلك المشتركات التأريخية النائمة التي لو ايقظتها واشنطن فإنها ستكون الحجج الكفيلة بإشعال الحرب , ناهيك عن الأحقاد التي ستنجم بسببها بين الشعب الأوكراني اليهودي وبين الشعب الروسي المسيحي – الأرثوذوكسي , لتضع مسؤولية ذلك على عنق روسيا , وهذا بالضبط مافعلته أمريكا تمامآ مع العراق في قضية الكويت .
والآن بعد ان ايقظت امريكا تلك المشتركات التأريخية , الصغيرة منها والكبيرة , نشبت الحرب وداومت النسور القشاعم منذ 24 اذار من العام الجاري بالتحليق في السماء بالصحو وبالغيم فوق القتلى والحرائق لتنال مايتيسر لها من لحوم الشيوخ والنساء والأطفال الأبرياء الذين وقعوا في ليلة وضحاها تحت نار الحرب ,
بينما نزل الجيش الاوكراني برغبة واشنطن ودول الناتو الى القتال بالنيابة عنهم , حتى ان الناس ذهبوا الى تصديق التنبؤات الغابرة عن نشوء الحرب العالمية الثالثة التي ستبدأها روسيا , فلم يبق إلا إنتظار ماينجم عن حرب الأستنزاف , إذ ان الحرب هدفها الرئيس هو تقسيم روسيا بعد الإطاحة بالنظام السياسي بقيادة بوتين ,
لأن واشنطن ودول الناتو لايسرّهم أن يرون روسيا دولة عظمى ليكونوا امامها كصغار البعوض والذباب , وبالأخص امريكا التي ترنو بطرفها الى ان تكون الدولة العظمى الأولى على الأرض لتحكم العالم وتصنع به ماتريد .
ولذلك فإن ماينسب الى دول الناتو من انها دول ديمقراطية – علمانية على الرغم ان اغلب شعوبها يدينون بالديانة المسيحية , فذلك محض هراء , لأن جميع قادتها ناقص واحد فقط , هم فئة من الصهاينة والماسونية , يتقاسمون مع امريكا فكرة أن روسيا العظمى هي كمد القلب الذي ينبغي ازالته للسيطرة على العالم بالطريقة نفسها التي سيطرت بها امريكا على العراق في توريطة بالحرب على الكويت من اجل اقتطاع اراضيه ومياهه الإقليمية وثرواته النفطية المشتركة , وهذه عوامل إضعاف كبيرة وضعتها امام موقع العراق الجيوسياسي .
اما ذلك الواحد الذي ينقص دول اوربا بالتوقيع على عقوبات ضد روسيا فهي دولة صربيا المسيحية – الأرثوذوكسية وقائدها الرئيس المنتخب لولاية ثانية في انتخابات الثالث من ابريل 2022الكسندر فوتشيتش الذي رفض تلك الدعوات على الرغم من إدانته للغزو الروسي , معتبرآ قراره ” جاد ومسؤول ” وانه لن يتخلى عن صداقته التقليدية مع روسيا , فضلآ عن استمراره بسياسة الحياد العسكري في منطقة البلقان .
وليس مستغربآ ان يكون موقف صربيا الكاره للإصطفاف مع الوهم التي وقعت به دول النيتو في الحرب الإقتصادية التي تشنها ضد روسيا من اجل تحريض الشعب الروسي على الإطاحة بالرئيس بوتن ومن ثم تقسيم روسيا الى جمهوريات اخرى سلافية جديدة , إذ المعروف ان روسيا رفدت حكومة صربيا بالمال والسلاح وبما لديها من مواقف داعمة لمدة طويلة وخاصة في نزعتها القومية وحرب التقسيم مع مسلمي البوسنة والهرسك , لذلك تنظر صربيا الآن الى تلك المواقف على انها كانت من مراحل ترسيخ وجودها القوي بين دول البلقان .
ومن الملفت للنظر ان الشعب الصربي كله يقف مؤيدآ للحرب ضد اوكرانيا ويعتبر ان النصر سيكون للأم روسيا حسب التقارير الأعلامية , فضلآ عن اشتراك المئات من المتطوعين الصرب في الحرب مع روسيا .
اكبر الظن ان الذي اوقع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو في مثل ذلك الوهم هو الطمع في تجديد خارطة اوربا الشرقية , لذلك وقفت هذه الدول الى جانب الدفاع عن النازيين الجدد وتبرير سياسات اوكرانيا الخاطئة ضد الأقليات من الأصل الروسي , اكثر من وقوفها الى جانب تعزيز الأمن والسلم الدولي واحترام المواثيق الدولية , وبهذا عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في اوربا الشرقية تحت ذريعة حمايتها من روسيا بشكل اكبر لكي تضمن مراقبة تحركات هذه الدول وعدم هرولتها وراء روسيا ,
لأن من اهداف امريكا انها تريد ان توقف حالة التصنيع العسكري الواسع وقوة الإقتصاد الروسي المسيطر على تجهيز اوربا بالنفط والغاز , لأن سير الأحداث في اوربا وفقآ لذلك سيقود الى هيمنة روسيا على اوربا وبالتالي ستنشق عصا الناتو , وهذا بالضبط وعلى المدى البعيد يمثل الجانب الأكثر خطورة التي لعبت عليه امريكا في إقناع وترهيب دول الناتو لتنقلب على روسيا , لذلك تقدمت فنلندا والسويد طلبات انضمامهما الى الناتو تحت ذلك الإطار المزيف .
وفي جانب آخر , يبدو ان شيخوخة الرئيس بايدن وبوادر الزهايمر التي اظهرها بشكل متكرر نبهت المفكرين والسياسيين الأمريكيين الى ان شيخوخة امريكا هي ايضا بدت اكثر وضوحآ في قيادة حلف الناتو خلال العقدين الماضيين , وقد أشار الرئيس ماكرون في مؤتمر صحفي مشترك في باريس عام 2019 مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الى : ” إنه يهنئ نفسه على وصفه للحلف بأنه يعاني من الموت الدماغي. ”
وقد كشف ذلك التصريح , في حقبة الرئيس ترامب , عن الخلافات بين دول الناتو وعن كيفية تقوية الدور السياسي لها وخاصة في علاقاتها مع روسيا , وشكك في تطبيق أهم قاعدة من قواعد الأنضمام الى الناتو في ظل حكم الرئيس ترامب وهي أن الهجوم على عضو بالحلف يعني الهجوم على كل الحلفاء .
وهكذا تنبهت الأوساط الفكرية والسياسية الأمريكية ليضعوا الصيغ السياسية التي تجعل من حلف الناتو عملاقآ عسكريآ ثانية في اوربا , والنظر بشكل اعمق الى الطرق التي توحد دول اوربا بدل الأختلافات التي بدت واضحة وخاصة بين مواقف دولة صربيا والمانيا وهنغاريا في موضوعة تطبيق الحظر الإقتصادي الكثيف على روسيا , ووقوف دول من خارج الحلف كدولة بيلاروسيا معها .
وهكذا توحدت دول حلف النيتو كما ترى امريكا , بل وتوسعت بطلب انضمام فنلندا والسويد ومازالت تسعى الى الصفر المحايد , وهكذا استخلصت الطريقة التي وحدت , بل وحدّثت الحلف من عوامل موجودة داخل بيئة اوكرانيا السياسية والتأريخية والأجتماعية بعد ان مهدت لأنتخاب زيانيسكي فجعلت منه دمية سياسية بلا مشاعر او احاسيس لمايحصل من دمار لبلاده .
ولكن بمرور الوقت سيعلم زيلنيسكي أنه سيظل مجرد فنانآ كوميديآ وان لعبة السياسة الأمريكية كانت اكبر منه وان حساباته السياسية غير قابلة للمعالجة بأنضمامه لحلف النيتو التي تشبه حسابات مسلمي البوسنة والهرسك في اعلانهم للإستقلال وصدامها مع الصرب في حرب طاحنة عام 1992 , فهناك متغيرات عديدة ليست بالحسبان , فأحيانآ من حدث صغير ينشأ تغييرآ كبير مما يحول دون تحقيق الوحدة الأوربية التي لعبت عليه امريكا , إذ قوانين السياسة كقوانين الحياة لا يتنبأ بها احد إلا بالتجربة .