خاص : بقلم – أشرف إيوب :
لدي يقين لا يقطعه الشك أن مَنْ يقتل الجندي المصري قد ناصب الشعب المصري العداء، أي أصبح عدو، واستقر في خندق الأعداء.
بعد 40 عامًا من عودة “سيناء”، “سيناء” لم تتحرر بعد، طالما لم يتحرر الإنسان، طالما المصريين سكانها محرومين من حقوقهم في تملك أرضهم المبنية؛ والتي كانت مزروعة، كيف تحررت وقد عاد إليها المحتل محتفلاً.
وحالنا في “سيناء” يقول: “كيف نُحارب إرهابًا ونحن نضرب أسس استقرار المجتمع وقوانينه وأعرافه لنجد أنفسنا ليس أمام حرب على الإرهاب؛ إنما أمام دعم الجماعات الصهيووهابية الداعشية الإرهابية”.
طل علينا الأسبوع الماضي في ساعاته الأولى من أول أيامه؛ السبت 07 آيار/مايو 2022م، بعملية إرهابية قامت بها عناصر تنظيم “ولاية سيناء” الموالي لتنظيم (داعش)، استهدفت قوات تأمين إحدى محطات رفع المياه غرب “سيناء”، اسفرت عن إرتقاء: 17 جندي؛ بينهم ملازم “سليمان علي سليمان”؛ خلال تصديهم للهجوم، حتى جاء يوم الأربعاء الماضي 11 آيار/مايو 2022م، ليصل عدد الشهداء إلى: 23، بعد إرتقاء 06 جنود، بينهم النقيب “أحمد بسيوني أبوالخير”، شهداء، في الهجوم الإرهابي المسلح على نقطة لحرس الحدود بالفوج الأول؛ عند ساحل البحر، غرب مدينة “رفح”، التي تم رفع إحداثيتها من على الخريطة، وفي نطاقة المنطقة العازلة التي تدخل ضمن المنطقة الممنوعة المتاخمة للحدود مع “قطاع غزة”؛ (من ساحل البحر حتى معبر كَرْم أبوسالم على مسافة: 05 كم من الحدود الدولية)، وهي منطقة خالية من السكان تمامًا باستخدام تكتيكات قتالية تُشبه سياسة الأرض المحروقة، والتي تتمثل في تجريف الأرض الزراعية وهدم المنازل وتهجير السكان، وهي العملية الأولى منذ سبع سنوات بعد تبني الجماعات الصهيووهابية الداعشية عملية استهداف زورق عسكري بصاروخ (كورنيت)؛ في 16 تموز/يوليو 2015، وبعد خمس سنوات من آخر عملية تمت في نطاق مركز “رفح”، أي عملية الهجوم على كمين “البرث”؛ جنوب مدينة “رفح”، في 07 تموز/يوليو 2017، والتي استشهد فيها؛ “أحمد المنسي”، وعدد من أفراد كتيبته، تلك العملية هي التي حددت ساعة الصفر لإنطلاق العملية الغاشمة 2018؛ منذ أربع سنوات وثلاث شهور، أي في 09 شباط/فبراير 2018، والتي نجحت في تطويق خطر الإرهاب في الحواضن التقليدية لعناصر التنظيم الإرهابي في مثُلث: “رفح والعريش والشيخ زويد”.. بإخلاء قرية “جوز أبورعد”؛ (جنوب غرب رفح)، من السكان في اليوم السابع من إنطلاق العملية، وتطهير قرى “بلعا وأبوشنار ومَرٍبَعِة الفول” وأطراف قرية “الحسينات”؛ باستسلام أفراد وقيادات الدواعش تحت وطأة الحصار والتجويع، وهي القرى التي بقيت مأهولة بالسكان في مركز “رفح”، وتحد مدينة “الشيخ زويد” من الجهة الشرقية، ولم يتبق إلا أراضي قرى قبيلتي: “السواركة” و”الرميلات”، التي هجروا منها من نهاية 2014، أو التي نزحوا منها بشكل جماعي من هذا التاريخ؛ وحتى 2021، حيث تمركز تنظيم (ولاية سيناء) الداعشي في قرية “المطلة”؛ في غرب “رفح”؛ (رميلات)، وقرى جنوب “رفح” وتوابعها؛ (التومة وجنوب الزوارعة والمهدية وشبانة والصبات ومزارع سليم)، وقرية “المقاطعة” في “الشيخ زويد”؛ (سواركة)، التي تُعتبر عاصمة التنظيم.
وكانت عملية المصالحة مع عناصر التنظيم من أبناء قبيلتي: “السواركة” و”الرميلات”، التي لعب فيها شيوخ متعاونين مع المخابرات الحربية الدور الأكبر في إقناع الشباب بالاستسلام مقابل عفو أجهزة الأمن عنهم؛ بعد التحقيق والإيداع في مقر أمنى لنحو ستة أشهر، دور مهم في فقدان تنظيم (ولاية سيناء) الداعشي قدرة الدفاع عن المناطق التي كان يُسيطر عليها في “رفح” و”الشيخ زويد” ـ ولا نعلم مدى نجاح عملية المصالحة من عدمه ـ فمن المؤكد أنها خلقت عملية إرباك وصراع داخل التنظيم.
شهد شهري آذار/مارس ونيسان/إبريل 2022م؛ استخدام ورقة “اتحاد القبائل”؛ الذي يتشكل من رجال الدولة العميقة لنظام “مبارك” أو بالأحرى عناصر “مكتب شؤون القبائل” بالمخابرات والأمن الوطني، كغطاء لجماعات مسلحة غير نظامية من قبيلة “الترابين”؛ كانت تتعاون مع قوات “إنفاذ القانون”، وكانت تتحرك متخفية وملثمة؛ ينعتها أهلنا هنا في “سيناء”، بـ”البشمرجة”.. حيث تم توسيع الجماعات المسلحة لتضم أفراد من قبائل أخرى للدخول على خط المواجهة، أهمها “السواركة” و”الرميلات”.
فقام أحد مسؤولي “اتحاد القبائل”، بالإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ (فيس بوك)، عن تسليح الاتحاد عناصره المنتشرين في قرى ومدن شمال ووسط “سيناء”، لإسناد مقاتليه في ميدان ومسرح العمليات العسكرية.
وتعجبت حينها بالكتابة على يومياتي بالـ (فيس بوك)؛ من هذا الإعلان السافر لجماعة مسلحة غير نظامية أن تُفصح عن خططها بعد أن كانت تتوارى خلف لثام وبرفقة قوات “إنفاذ القانون”، انتهى التعجب عندما واكب هذا التصريح تفقد وزير الدفاع عددًا من الأنشطة التدريبية لمقاتلي الجيش الثالث الميداني.
واحتفل “اتحاد قبائل سيناء”؛ يوم 24 نيسان/إبريل، بالعيد القومي للمحافظة، باعتقال: 11 سيدة و13 طفل بعد اقتحام قرية “المقاطعة”؛ في “الشيخ زويد”، وتسليمهم لأحد كمائن الجيش على اعتبار أنهم عائلة أحد قيادات التنظيم.
وعلقت على هذه الواقعة بتساؤل: بعد تسليح “اتحاد قبائل سيناء”، هل أصبح له الحق في الضبطية القضائية ؟!، وكان تحذري للفت الانتباه لعواقب مثل تلك التصرفات، وأن لا سلاح إلا لقوات “إنفاذ القانون” والقوات المسلحة، لأن أي انتهاك له رادع يُنظمه القانون ولا يخلق حالة ثأرية بينهم وتلك القوات كقوات ردع دستورية، ويُعتبر أيضًا في الموروث الشعب ظلم حاكم جائر للمحكومين يكفي له دعاء المظلوم على الظالم أو الثورة عليه، أما في حالة الجماعات المسلحة الغير نظامية؛ وإن امتلكت مشروعيتها بضوء أخضر من السلطة دون أن ينظمها القانون تخلق حالة ثأرية بينها وبين من تم الجور على حقوقه، خاصة وإن اختصم ثقافة المجتمع باعتقال الأطفال والنساء.
منطقة محظور تواجد المدنيين فيها على أقل تقدير من 04 سنوات، تم السماح فيها بتواجد جماعة مسلحة غير نظامية تُمارس مهام قوات “إنفاذ القانون” على غير رضى شعبي؛ لكن بمباركة السلطة سبقتها، برفقة بروباغندا عودة أهالي القرى المهجرة طبقًا للكشوف المعتمدة أمنيًا، ولكن الاعتماد لا يسري على اختصام ثقافة العائدين حتى وإن كانوا ضد أفكار الدواعش، فهؤلاء تربطهم أواصر الدم والقربى والمصاهرة في مجتمع قبلي.
وكان الإعلان الاحتفالي عن عودة الحياة الطبيعية إلى “شمال شرق سيناء”، وإنطلاق قوافل العودة إلى قرى مركز “الشيخ زويد”؛ الواقعة غرب الخط الواصل من شرق “الشلاق” حتى “بئر الحفن”، والذي يُحدد المنطقة المحظورة بالقرار الجمهوري رقم (420) لسنة 2021م، وإنتهاء المفاوضات بين شيوخ “السواركة” و”الرميلات” المقربين من جهاز المخابرات الحربية والقيادات الأمنية؛ إلى دراسة السماح بالعودة لأراضي القبيلة داخل المنطقة العازلة حتى: 1200 متر من خط الحدود، وذلك لحث شباب القبيلتين على حمل السلاح ضمن عناصر “اتحاد قبائل سيناء” المسلحة، والتي اشترط فيها الشباب السماح لهم بالعودة إلى المنطقة العازلة في “رفح”، بعمق خمس كيلومترات من خط الحدود، مقابل حمل السلاح وتمشيط الأراضي التي تُمثل المنطقة العازلة المساحة الأكبر منها.. حتى يُعلن “السيسي”؛ في “إفطار الأسرة المصرية”، نتائج التفويض الذي حصل عليه للقضاء على الإرهاب المحتمل، حيث أعلن أن: “مصر تكبدت تكلفة بشرية ومادية باهظة في حربها لهزيمة الإرهاب، واستعادة حالة الأمن والاستقرار اللازمة لتثبيت أركان الدولة المصرية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ بلغت على الصعيد البشري: 3277 شهيدًا، إضافة إلى: 12 ألف و280 مصابًا. أما على الصعيد المادي، كانت بتكلفة شهرية قدرها مليار جنيه على مدار: 84 شهر”.
يعني إجمالي تكلفة الحرب على الإرهاب في “سيناء”: 84 مليار جنيه، بميزانية شهرية مليار جنيه، حيث أن الحرب استمرت: 84 شهرًا؛ أي 07 سنوات، أن الشهداء أصبحوا: 3300 = (3277 + 17 + 06) والمصابين: 12289 = (12280 + 05 +04).
وكلف إدارة “المؤتمر الوطني للشباب” بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية بإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، كخطوة أولى لتدشين “الجمهورية الجديدة”.
تزامنت عملية استهداف أحد نقاط الفوج الأول مع زيارة؛ “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي الأميركي لـ”مصر”، والتي تم الإعلان عنها بشكل مقتضب في بيان للمتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية على حسابه على (فيس بوك)؛ بأن الرئيس يؤكد: أن حل “القضية الفلسطينية” يفتح آفاقًا واسعة لبناء السلام… وموقف “مصر” ثابت من ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم لعملية ملء وتشغيل “سد النهضة”.. و”سوليفان” يُشدد على أهمية وقوة التحالف “المصري-الأميركي”.
في حين جاء في بيان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي: “ناقش سوليفان مع السيسي وكبار المسؤولين المصريين؛ العواقب العالمية للحرب الروسية غير المبررة ضد أوكرانيا، ودعم واشنطن لاحتياجات مصر من الأمن والغذاء والوقود، والتنسيق في القضايا الإقليمية، فضلاً عن أهمية التقدم الملموس والدائم في مجال حقوق الإنسان في مصر”.
كانت الدعوة لإدارة حوار لتدشين “الجمهورية الجديدة”؛ بعد إنحصار الإرهاب، هي لاستعادة النظام شعبيته التي قاربت على النفاذ تحت وطأة الأزمة الاقتصادية العميقة، بعد أن أصبحت “مصر” مدينة بأكثر من: 400 مليار دولار؛ (ديون داخلية وخارجية)، بفعل القروض المتوالية، بخلاف كارثة نقص مياه “النيل” والآثار المرتبة عليها، تسارع وتيرة تلبية الدعوة للحوار من قبل الأحزاب تزامنت مع إنطلاق عمليات إرهابية غرب القناة وفي المنطقة الممنوعة.