24 نوفمبر، 2024 10:47 ص
Search
Close this search box.

من احتجاجات الداخل إلى “الاتفاق النووي” المجمد .. هل “طهران” في مأزق ؟

من احتجاجات الداخل إلى “الاتفاق النووي” المجمد .. هل “طهران” في مأزق ؟

وكالات – كتابات :

شهدت “إيران”؛ خلال اليومين الماضيين، تصاعدًا في حدة الاحتجاجات الشعبية في مدن جنوب ووسط البلاد، بعد رفع الدعم الحكومي الموجه للمواد الغذائية، هذه الاحتجاجات جاءت مترافقة مع تصاعد التوقعات بدخول محادثات “الاتفاق النووي”؛ بين “إيران” والقوى الكبرى، حالة من السبات السياسي لا توجد أي مؤشرات واضحة على نهايته في الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من أن “إيران”؛ كدولة أعتادت العيش في ظل هكذا ظروف، فمما لا شك فيه أن الوضع الحاليّ يكشف عن عمق أزمة هذه الدولة وعدم قدرتها على معالجة الأزمات البنيوية والهيكلية التي تُعاني منها، خصوصًا فيما يتعلق بالوفاء بالوعود الاقتصادية والاجتماعية التي تعهدت بها حكومة الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”.

اللافت في الاحتجاجات الأخيرة هذه المرة، أنها تبدو على اتصال مباشر بالمحادثات النووية وبمدى قدرة “إيران” على الوفاء بإلتزماتها، فالمتغير المهم في زيارة “إنريكي مورا”، المنسق الأوروبي الخاص بمحادثات إحياء “الاتفاق النووي”، أنها فشلت في التوصل إلى نتائج ملموسة فيما يتعلق باستئناف المحادثات النووية التي توقفت؛ منذ آذار/مارس الماضي.

ولعل الرفض الإيراني لاستئناف المحادثات، أحد أسبابه الرئيسة؛ هو الاستفادة من الطفرة الكبيرة في أسعار “النفط” التي جاءت مترافقة مع ارتفاع نسب التصدير الإيراني التي قاربت المليون برميل يوميًا، وكذلك إنشغال “الولايات المتحدة” بالحرب الدائرة في “أوكرانيا”، كما يبدو أن “إيران” راغبة في إعادة صياغة شكل التفاوض، وبالإطار الذي يجعلها قادرةً على انتزاع مزيد من التنازلات من إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، وتحديدًا في موضوع إخراج (الحرس الثوري) من لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية.

مصدر الصورة: رويترز

فـ”إيران” تُدرك تمامًا أن إدارة “بايدن” تبدو في وضع سياسي صعب للغاية، خصوصًا أنها بحاجة إلى دعم الجمهوريين في “الكونغرس” الأميركي، من أجل تمرير الحزمة الثانية من المساعدات العسكرية لـ”أوكرانيا”، التي تبلغ: 54 مليار دولار، كما أنها مقبلة على انتخابات التجديد النصفي، ما يجعلها غير قادرة على الذهاب بعيدًا في إمكانية استفزاز “إيران” أكثر، في توجيه ضربة قاضية للمحادثات والإكتفاء بترحيلها إلى مرحلة لاحقة، ما جعل “إيران” هي الأخرى تنظر إلى هذا الوضع على أنه يُمثل فرصة وتهديدًا في آن واحد، ويسمح لها بالمناورة بالشكل الذي يُعيد مسار التفاوض ويخدم موقف الحليف الروسي في “أوكرانيا”.

احتجاجات لم تكن بالحسبان..

قد لا يُخطيء الظن بأن “إيران” نجحت؛ وعلى مدار السنوات التي أعقبت نجاح الثورة عام 1979، في تجاوز العديد من الاحتجاجات التي عاشتها، وكان النظام السياسي على استعداد دائم بإيجاد المبررات السياسية والدينية في كبح وإنهاء هذه الاحتجاجات، سواء عبر التهديد أم استخدام القوة المفرطة.

وبالحديث عن الاحتجاجات الأخيرة، فهي لا تبدو مختلفة من حيث الأسباب والظروف عن الاحتجاجات السابقة؛ التي وجهها النظام السياسي، وما قد يجعل النظام السياسي غير متوجس منها، أنها لم تصل المدن الرئيسة حتى الآن، والحديث هنا عن “طهران” و”أصفهان” و”مشهد” و”تبريز”، وإنما اقتصر نطاقها على محافظات بعيدة عن التأثير السياسي؛ ومنها “لورستان” و”الأهواز”، التي تشهد منذ سنوات ماضية استمرار الاحتجاجات على سياسات النظام ومؤسساته.

إن فشل حكومة “رئيسي” في الملف الاقتصادي، خصوصًا أن برنامجه الانتخابي جاء تحت عنوان: “حكومة الخدمات والرفاه الاقتصادي”، جعلها مؤخرًا تُقدم حزمة جديدة من الإجراءات الاقتصادية التي تمحورت بمجملها حول رفع أسعار المواد الغذائية، إذ أعلن “رئيسي” سلسلة من الإجراءات لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تُعانيها البلاد، شملت تعديلات جذرية في نظام الدعم الحكومي وزيادة أسعار مواد كزيت الطهو واللحوم والبيض.

وما إن دخلت هذه الإجراءات حيز التنفيذ رسميًا؛ الجمعة، حتى نزل المئات إلى شوارع مدن عدة احتجاجًا، حيث تواجه “إيران” أزمة اقتصادية ومعيشية تعود بشكل أساس إلى العقوبات التي أعادت “واشنطن” فرضها على “طهران” بعد انسحابها من “الاتفاق النووي”؛ في آيار/مايو 2018.

ضبابية تحيط بمستقبل الاتفاق..

تعكس الزيارة الأخيرة للمنسق الأوروبي؛ محاولات لدفع الخطوة الأخيرة لـ”محادثات فيينا” قدمًا، رغم فشلها، التي تزامنت مع إلقاء “إيران” القبض على مواطنين أوروبيين لضلوعهم فى أعمال شغب، وفي التوقيت ذاته كان نائب وزيرة الخارجية الأميركية؛ “بريان ماكيون”، يومي: 09 و10 آيار/مايو 2022، في “الدوحة”؛ لمناقشة أولويات “واشنطن” في المنطقة.

مصدر الصورة: رويترز

ثم جاءت زيارة أمير دولة “قطر”؛ الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، لـ”طهران”، ليُشير هذا الحراك الدبلوماسي الذي تشهده “طهران”، إلى أن هناك محاولات لإنعاش فرص نجاح المحادثات النووية في “فيينا”، بعيدًا عن الدخول في حسابات إقليمية ودولية معقدة.

“إيران” تُدرك جيدًا أنها أصبحت في وضع إقليمي ودولي صعب للغاية، وتحديدًا في: “العراق وسوريا واليمن”، كما أنها أصبحت في وضع ثانوي من حيث سلم الاهتمام الدولي، بعد تصاعد أهمية ملفات أخرى، وفي ضوء هذه الحقائق تأتي التحديات الداخلية لتفرض مزيدًا من التعقيد على خيارات صانع القرار الإيراني الذي يبدو عاجزًا حتى اللحظة عن إيجاد حلول عاجلة لملف العقوبات الاقتصادية الذي عرقل الطموحات الإيرانية في الداخل والخارج.

مما لا شك فيه أن الحراك الدبلوماسي الحاليّ قد يُمثل الفرصة الأخيرة لإعادة إحياء “الاتفاق النووي”، في ظل رفض جمهوري لأي إتفاقية يمكن أن تُقدم عليها إدارة “بايدن”، وكذلك لرؤيتهم أن التعنت الإيراني بشأن مسألة إخراج (الحرس الثوري) من لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، قد يجعل “الاتفاق النووي” عرضة للإنهيار في أي لحظة، بسبب استمرار “إيران” بسياساتها الإقليمية الحاليّة، ومن ثم فإنه في ظل هذا الواقع ليست هناك جدوى من التفاوض مع “إيران” بالشروط الحاليّة.

وما يُشير إلى إصرار الجمهوريين على هذا المطلب، إصدار “مجلس الشيوخ” الأميركي؛ الأسبوع الماضي، بأغلبية ساحقة، قرارًا غير مُلزم يحظر على إدارة “بايدن” إزالة التصنيف الإرهابي عن (الحرس الثوري) مقابل إحياء الصفقة، وبناءً عليه، يوجد سيناريوهان للتعامل مع الموقف الحاليّ: الأول إذا لم تتم إعادة إبرام الصفقة، فمن المُرجح أن تعود “الولايات المتحدة” إلى إستراتيجية “الضغط الأقصى” بالتعاون مع الدول الغربية والعربية في الخليج، والسيناريو الثاني يمكن أن يؤدي إلى رفع متزامن ومتبادل من قوائم الإرهاب (الحرس الثوري في أميركا والقيادة المركزية الأميركية؛ التي صنفتها طهران منظمة إرهابية)، لتقليل التوترات والمساعدة في حل المأزق الحاليّ، كما يمكن معالجة المخاوف في “إسرائيل” والخليج من خلال المحادثات الإقليمية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة