وكالات – كتابات :
لم تتم إعادة إحياء “الاتفاق النووي” بعد، لكن العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا” أفاد “إيران” بشكل لافت بطرق لم تكن متوقعة أضعفت تأثير “العقوبات الأميركية”، أو ربما تغض “واشنطن” الطرف.
كانت إدارة الرئيس؛ “جو بايدن”، تسعى، ولا تزال، لإعادة إحياء “الاتفاق النووي” الموقع مع إيران عام 2015، والذي كانت إدارة الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”، انسحبت منه عام 2018، وأعادت فرض “العقوبات الأميركية” على “إيران”. الاتفاق يهدف إلى فرض رقابة صارمة على برنامج “إيران” النووي، الذي يقول الغرب إن هدف “طهران” منه هو إنتاج أسلحة نووية؛ بينما تنفي “طهران” ذلك وتقول إن الهدف من برنامجها النووي سلمي فقط.
ورصد تقرير لصحيفة الـ (إندبندنت) البريطانية؛ تأثير الهجوم الروسي على “أوكرانيا” والعقوبات التي فرضها الغرب على “موسكو”، فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة من “أميركا” على “إيران”.

طرق جديدة للتجارة العالمية..
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإن الحرب على “أوكرانيا” قد أسهمت في زيادة اندماج “إيران” في طرق التجارة الدولية وتضاعف نفوذها في مواجهة العزلة التي تفرضها عليها “الولايات المتحدة”.
إذ نشأت منذ عهد قريب طرق نقل جديدة تمر عبر “إيران”، وتُسهم في تقليل أوقات النقل بين “أوروبا” و”غرب آسيا” و”الشرق الأوسط”، بعد أن كانت تزيد على ستة أسابيع أحيانًا، لتُصبح أقل من ستة أيام، وهو ما أدى إلى تقليل نفقات الشحن ورسوم التأمين وتكاليف التبريد التي يدفعها المستهلكون والمصدرون.
وكان العمل في هذه الطرق الجديدة قد بدأ أول مرة العام الماضي، وتنطلق الشاحنات عبر تلك المناطق من “الإمارات” و”باكستان” مرورًا بـ”إيران” إلى “تركيا” وسواحل “البحر المتوسط”، وقد زاد ذلك من اندماج “طهران” في الاقتصاد العالمي، وأضاف أموالاً كثيرة إلى خزائنها، وأعطتها تلك الطرق نفوذًا على التجارة المارة بها، رغم المساعي التي بذلتها “الولايات المتحدة” على مدى سنوات طويلة لعزل “إيران” عن بقية العالم.
يشمل مسار خط الشحن الجديد نقل الحاويات المحملة بالبضائع من “ميناء الشارقة”؛ في “الإمارات”، إلى “ميناء بندر عباس”؛ في “إيران”، ومنه تنقل برًا إلى معبر “غوربولاك”، البوابة الحدودية لـ”تركيا” مع “إيران”. ومن المعبر الحدودي يتم نقل البضائع إلى مدينة “إسكندرون” التركية. وإضافة إلى ذلك تم إجراء أول عملية نقل للبضائع برًا بين “طهران” و”إسلام آباد”، مرورًا بـ”إسطنبول”؛ في تشرين أول/أكتوبر الماضي، في إطار اتفاقية دفتر النقل البري الدولي.
وكانت وسائل إعلام تركية قد أفادت أواخر العام الماضي؛ بتوقيع “أنقرة” اتفاقين منفصلين مع كل من “أبوظبي” و”إسلام آباد”، بشأن تدشين طريق شحن جديد لنقل البضائع، وقالت المصادر التركية إن “أنقرة” فعّلت اتفاقية “دفتر النقل البري الدولي”؛ (TIR-التير)، مع “الإمارات” و”باكستان”، والتي ستوفر مزايا الوقت والتكلفة للشركات المصدرة، خاصة في ظل أزمة الحاويات وارتفاع أسعار الشحن البحري عقب جائحة (كورونا).
وأوضحت المصادر ذاتها، بحسب موقع (إرم نيوز) الإماراتي، أن مسؤولي “وزارة التجارة” التركية تباحثوا الأمر مع المسؤولين الإماراتيين؛ خلال زيارات ميدانية الصيف الماضي، كما قدموا الدعم اللازم لشركة النقل التي ستنقل أولى الشحنات عن طريق البر، خاصة في ظل عدم وجود اتفاقية ثنائية للشحن البري بين: “تركيا” و”الإمارات”، إلا أن التوقيع بين وزارتي “النقل” في البلدين؛ سيُسهم في تطوير المسار الجديد.
ما تأثير تلك الطرق بالنسبة لـ”إيران” ؟
مسؤول سابق في “البيت الأبيض”؛ متخصص في التجارة والعقوبات المرتبطة بها، قال لصحيفة الـ (إندبندنت)؛ إن: “السماح لإيران بتقليص عزلتها وزيادة اندماجها في التجارة الدولية يُضعف تأثير العقوبات المفروضة عليها”.

افتُتح الطريقان المخصصان لنقل البضائع من “الإمارات” و”باكستان” إلى “تركيا” بلا ضجة كبيرة؛ أواخر العام الماضي. وجاء ذلك في وقت تحسنت فيه علاقات “الإمارات” و”السعودية” بـ”تركيا”، وبدأ تقاربهما مع “إيران” بعد سنوات من تأجيج التوتر الدبلوماسي؛ خلال سنوات، رئاسة “دونالد ترامب”.
ومن ثم؛ فقد أدَّى الاضطراب في “أوروبا الشرقية” ومنطقة “البحر الأسود”؛ بسبب الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، الذي تصفه “موسكو”؛ بأنه عملية عسكرية لمنع عسكرة “كييف”، ويصفه الغرب بأنه غزو، إلى بروز “إيران” بوصفها معبرًا جذَّابًا بين البلدان غير الساحلية في “آسيا الوسطى” وبقية العالم.
وقال “إسفنديار باتمانغليغ”، زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن هذه الدول: “كانت تأمل منذ مدة طويلة أن يُصبح التعامل مع إيران خيارًا متاحًا للاعتماد عليه مع رفع العقوبات الأميركية الثانوية، والسماح بأن تمر المزيد من طرق النقل عبر إيران، وفتح الباب أمام زيادة الاستثمار في البنى التحتية للموانيء الإيرانية”.
وتُشير التقارير إلى أن الطرق التي تمر عبر “إيران” تُستخدم بالفعل، وإن لم يكن من الواضح بعد مدى شيوع هذا الاستخدام وقدر الاعتماد على هذه الطرق.
في تشرين أول/أكتوبر، غادرت شاحنة إماراتية تحمل مجموعة واحدة من وثائق الترانزيت حصلت عليها مقابل: 30 دولارًا، من مدينة “رأس الخيمة” الإماراتية إلى “الشارقة”، وغادرت بالعبَّارة إلى “ميناء بندر عباس” الإيراني، ثم تابعت طريقها برًا مسافة: 2100 كيلومتر على الطرق السريعة في “إيران”، ثم مسافة: 1100 كيلومتر على طول الحدود التركية، إلى “ميناء الإسكندرونة” على “البحر المتوسط”.
استغرقت الرحلة: 06 أيام، أي أقل بأسبوعين من الزمن الذي يستغرقه وصول شحنة من “الإمارات” عبر “قناة السويس” إلى “البحر المتوسط”، والذي يمتد عادة إلى: 21 يومًا. ولهذا الطريق مميزات أخرى، فهو أرخص في رسوم النقل وتكاليف التبريد، وأقل في مصاريف التأمين من القراصنة والحوادث الأخرى في البحر.
مكاسب مالية غير متوقعة لـ”إيران”..
على الطريق الآخر؛ إنطلقت شاحنتان من “باكستان”، وقطعتا مسافة: 4900 كيلومتر من الطرق السريعة في “إيران” إلى “إسطنبول”، وهو ما جعل الرحلة تستغرق نحو أسبوع، وقد كانت تستغرق: 40 يومًا عبر الطريق البحري في موانيء “بحر العرب”.

في أعقاب ذلك، أجرى “جواد هدايتي”، المدير العام لدائرة النقل والمواصلات الإيرانية، بعد عدة أسابيع مشاروات مع نظيريه في؛ “الإمارات” و”تركيا”، لوضع اللمسات الأخيرة في سبيل استكمال هذا المسار.
وأشار “إرمان إريك”، وهو مدير تنفيذي في “الاتحاد الدولي للنقل البري”؛ بـ”تركيا”، إلى أن الاعتماد على الطرق المارة عبر “إيران” أمر معلوم للكثير من الناس، لا سيما في ظل التعسر الذي لحق بصناعة النقل بعد جائحة (كورونا) وأزمة نقص حاويات الشحن البحري في جميع أنحاء العالم، إلا أن الأمر لا يُعلن عنه على نطاق واسع؛ خوفًا من إغضاب الأميركيين. ومع ذلك فإن خيار الاستعانة بطرق تمر عبر “إيران” إزداد استحسانه في وقت ارتفعت فيه تكاليف الشحن البحري إلى: 25 ألف دولار لكل حاوية.
وقال “إريك” إن الطرق المارة عبر “إيران”: “تحفظ على مستخدميها الكثير من المال، والكثير من الوقت. كما أن كثيرًا من الشركات والبلدان ليس بينها وبين إيران مشكلة، ويرونها بلدًا جيدًا لنقل البضائع”.
تذهب التقديرات الحالية لمسؤولي النقل الدولي إلى أن “إيران” يمر بها نحو: 40 ألف شاحنة كل سنة، وأن رسوم النقل بالشاحنات تتراوح بين: 400 دولار إلى: 800 دولار للشاحنة الواحدة، وتشمل البضائع المنقولة: المنتجات الاستهلاكية والأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية والآلات وقطع الغيار والإلكترونيات والمعدات الثقيلة.
وقالت صحيفة (طهران تايمز) الإيرانية؛ إن: “إيران تستطيع بفضل موقعها الجغرافي؛ أن تضطلع بدور مهم في نقل البضائع في المنطقة، وتعزيز الانتفاع من ذلك. ولكي تستفيد إيران استفادة تامة من أفضلية موقعها للعبور، فإنها شرعت في تنفيذ الكثير من الخطط، وعزمت على إنجاز خطط أخرى، لتحسين قدراتها”.
من جهة أخرى، قال “حسن جوناي”، مدير أسطول النقل في شركة (Ulustrans Logistics) التركية العاملة في مجال نقل البضائع، والتي استخدمت الطريق المار عبر “إيران”، إنه: “طريق لا يعرفه إلا قليل من الناس، ولا يُستخدم كثيرًا، إلا أنه يتميز عن غيره برخص التكلفة. إنه أفضل طريق لنقل البضائع بين الإمارات وتركيا، ولا ينقصه سوى تقليل فترة الانتظار في الجمارك، فهذا سيجعله أسرع”.
ارتفعت تكاليف نقل البضائع عبر الطرق بين “آسيا” و”أوروبا” ارتفاعًا جعل الكثير من الشركات مستعدة لتحمل المخاطر والاعتماد على الطرق التي تمر عبر “إيران”، حتى وإن خاطرت بمخالفة “العقوبات الأميركية”.
وقالت “أصلي شاكر”، من “اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع” في “تركيا”: “ربما نواجه مشكلة إذا التفتت الولايات المتحدة إلى هذا الطريق التجاري”، واعترضت على استخدامه، إلا أنه: “يظل علينا أن نحافظ على حركة البضائع سارية بطريقة ما، والانفتاح على إيران أحد السُبل إلى ذلك”.
يرى خبراء أن الاعتماد على هذا الطريق فيه ضرر لـ”مصر”، فقد أنفق رئيسها؛ “عبدالفتاح السيسي”: 08 مليارات دولار من أموال البلاد، في محاولة انتقدها كثيرون، لتوسيع “قناة السويس” وجذب المزيد من السفن للمرور عبرها.
يقول مطلعون على شؤون صناعة النقل إن “الإمارات” أقبلت على دعم الطريق البري دعمًا كاملاً، على خلاف “باكستان”، التي ما زالت بنوكها مترددة، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي أبدته شركات عديدة بالاستثمار في الطريق، وأرجع مطلعون على صناعة النقل في “باكستان”؛ ذلك إلى مخاوف البنوك الباكستانية من التورط في انتهاك لـ”العقوبات الأميركية”.