24 نوفمبر، 2024 1:26 م
Search
Close this search box.

شهد شاهد من أهلها .. “فورين بوليسي”: كيف أصبحت الصين “وحشًا” يوشك على إبتلاع أميركا قريبًا ؟

شهد شاهد من أهلها .. “فورين بوليسي”: كيف أصبحت الصين “وحشًا” يوشك على إبتلاع أميركا قريبًا ؟

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية تحليلًا أعدَّه؛ “هوارد دبليو فرينش”، أستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة “كولومبيا”، سلَّط فيه الضوء على الخطوات التي أتَّبعتها “الصين” حتى أصبح بعض دول العالم لا يمكنه الاستغناء عنها، بينما ظلَّت استجابة “الولايات المتحدة” لهذه الطموحات الصينية دون المستوى.

استهل الكاتب تحليله؛ بالقول إنه أثناء عمله مراسلًا صحافيًّا في منطقة “شرق آسيا”؛ خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدهشته باستمرار الطرق التي بدت من خلالها تصرفات “الصين” نموذجًا يُحتذي به غيرها من القوى العظمى الحديثة. وأطلقت “بكين” برنامجًا فضائيًّا، والذي كان يُعد حاضنة للطموح العسكري أكثر من كونه رمزًا حاشدًا للوطنية، أو حاضنة للعلوم البحتة. وبدأت “الصين” أيضًا في إنشاء ما يُسمى: بـ”بحرية المياه الزرقاء؛ (قوة بحرية قادرة على العمل دوليًّا عبر المياه العميقة للمحيطات المفتوحة)”؛ مما يمنحها القدرة على استعراض القوة بعيدًا عن شواطئها. كما أنها سرعان ما استحوذت بالتأكيد على حاملة طائرات مستعملة في “أوكرانيا”، وأعادت تحديثها.

ويوضح الكاتب أنه قد واصلت “الصين” تنفيذ عدة مشروعات أخرى؛ كانت “الولايات المتحدة” ودول أخرى قد بدأت في تنفيذها قبل ذلك بكثير، ولم تكن جميع هذه المشروعات تُظهر أي نوع من القوة الصارمة. وأنشأت “الصين” نظامًا وطنيًّا للطرق السريعة، وهو نظام مماثل تمامًا للنظام الذي أنشأته “الولايات المتحدة”؛ في منتصف القرن العشرين. وأجرت تجاربها الخاصة على مفهوم المؤسسات الفكرية. وبدأت في وضع معاييرها التنظيمية، كما فعلت “الولايات المتحدة” لدى إنشائها مؤسسات، مثل “إدارة الطيران الفيدرالية”، و”إدارة الغذاء والدواء”؛ مما ساعد على توسيع نفوذ “الولايات المتحدة” على نطاق واسع مع أخذ الدول الأخرى إشارات من المعايير التنظيمية الأميركية.

مصدر الصورة: RT

نوع جديد من القوى العظمى..

يوضح الكاتب أن “الصين” لم تشن في التاريخ الحديث كثيرًا من الحروب العدوانية؛ (باستثناء غزوها العقابي الفاشل – بحسب وصف الكاتب – لفيتنام عام 1979، والذي صار في طي النسيان)، ولم يُساعد أي نظام تحالفات، مثل نظام “الولايات المتحدة” و”الاتحاد السوفياتي” السابق، “بكين”، لتعزيز المسار الذي يُبرز أنها كانت نوعًا جديدًا من القوى العالمية، وهو نوع من القوة لا يسعى مطلقًا إلى فرض الهيمنة أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ويتحدث الكاتب بصفته مديرًا لمكتب صحيفة (نيويورك تايمز)؛ في “الصين”، فقد كان منبهرًا بمدى دقة زملائه من الموظفين المحليين الأذكياء المتمرسين في تبني هذه الرؤية. وأخبروه أن: “الصين ليست في حاجة لأسطول من حاملات الطائرات”. وفي إشارة إلى السفينة الأوكرانية، قالوا للكاتب: “إنك تقرأ كثيرًا من الأخبار عن هذا الأمر، لكنها صفقة عفا عليها الزمن بالفعل”، متسائلين: “ماذا لو كان برنامج الفضاء يتعلق فعلًا بالعلوم فحسب ؟”.. وفي وقت لاحق عندما بدأ الكاتب في البحث عما سيكون كتابه عن علاقات “الصين المزدهرة مع إفريقيا، القارة الثانية الأهم للصين”، سَخِروا من فكرة أن “الصين” تسعى وراء تحقيق مصالح قديمة في قارة تبدو لمعظم الصينيين بعيدة عن الاهتمامات اليومية لبلادهم. وكان آخر شيء أراد الكاتب فعله هنا هو السخرية من أصدقائه وزملائه السابقين بسبب سذاجتهم؛ فلم يكونوا وحدهم على هذا النحو.

ويتابع الكاتب قائلًا إنه أثناء تجوالي في عدد من الدول الإفريقية لإجراء بحث في هذا الكتاب، قابلتُ دبلوماسيين أميركيين أعتقدوا أيضًا أنه من الحماقة أن نُبالغ في تقدير النشاط الدبلوماسي والاقتصادي المتنامي لـ”بكين” في “إفريقيا”، تمامًا كما كانت “مؤسسة الأمن القومي” في “واشنطن”؛ لديها مشكلة في تصور أن “الصين” يمكنها أن تُصبح منافسًا شاملًا لـ”الولايات المتحدة”. وقد وصفتُ ما رأيته خلال تلك الرحلة، في مقال نشرته صحيفة (نيويورك تايمز)؛ في حزيران/يونيو 2007، موضحًا أن: “الدبلوماسية الصينية كانت تندفع بسرعة في جميع أنحاء القارة السمراء مؤخرًا، وألغت الديون، وأعفت الصادرات الإفريقية من الرسوم التجارية، وأقرضت بصورة متزايدة مبالغ ضخمة من المال، وأدت هذه الإجراءات عمومًا إلى أن حدثت الأمور بسرعة وبطريقة متوسِّعة”.

ويُضيف الكاتب أنه في مقابلة أجراها في ذلك الوقت أخبره السفير الأميركي في “تشاد”؛ آنذاك، أنه: “من السّخف التفكير في أنه بإمكان الصين تحدي الولايات المتحدة. إن الصين ليست سوى دولة من بين عدة دول ممثَّلة هنا في القارة السمراء، وهناك متسع كبير في إفريقيا للجميع. وهذه ليست منافسة”. ويبدو أن عبارة: “متسع كبير” تهدف إلى التخلص من الأفكار غير اللازمة. إن هذا حقًا كان بمثابة تبرير للإفتقار الكامل لحيوية السياسة الأميركية في هذا الجزء من العالم؛ بحسب ما يقول الكاتب.

تعامل “أميركا” مع أولويات المجتمعات..

يُلفت الكاتب إلى أنه رأى الظاهرة نفسها خلال إدارة “أوباما”، قائلًا: كتبتُ مقالات عن إنشاء “بكين” لجزر اصطناعية في “بحر الصين الجنوبي”، وعن المراحل الأولى لما أصبح يُعرف باسم: “مبادرة الحزام والطريق”، والتي تُعد جهودًا هائلة ومترامية الأطراف تستهدف “بكين” من خلالها تقريب “آسيا الوسطى” و”أوروبا” من “الصين”؛ من خلال مشروعات البنية التحتية العملاقة بتمويل من بنوك الدولة الصينية.

ويُضيف الكاتب؛ أنه في وقت لاحق عندما إنتهى من تأليف كتاب عن هذه المسألة تحت عنوان: “كل شيء تحت السماء: كيف يُساعد الماضي في تشكيل الصين للدفع من أجل دعم الطاقة العالمية أو Everything Under) the Heavens: How the Past Helps Shape China’s Push for Global Power”، كان على استعداد أن يتصور أن تُطلق “واشنطن”؛ في أية لحظة، بعض المبادرات الكبيرة استجابة لطموحات “الصين” المتزايدة التي ستُلزمه بإجراء تعديلات كبيرة على كتابه في اللحظة الأخيرة. ومع ذلك ذهبت تلك المخاوف سدى: وكما حدث من قبل لم تولِّد مبادرات “بكين” الجديدة سوى قليل من الاستجابة الموضوعية من جانب “واشنطن”.

ويقول الكاتب؛ إن هدفه هنا ليس انتقاد تصرفات “الصين”. وكما هو الحال مع أية دولة قوية، هناك كثير من الأشياء التي يجب انتقادها، لكن من الأفضل تركها للمقالات القادمة. ووجهة نظره هنا أن أية قوة عظمى، مثل غيرها من القوى العظمى، تفعل ما لم تقله بالضرورة. وقد أمضت “الصين” عدة عقود منخرطة في تصرفاتٍ مثيرة للإعجاب من قوى عظمى، بينما لم تستفز أي سياسات إبداعية من “الولايات المتحدة”؛ منافستها الأساسية.

ويتساءل الكاتب: كيف أصبحت “الولايات المتحدة”، الدولة التي لطالما تُصوِّر نفسها زعيمة العالم، تتعامل بهامشية شديدة مع أولويات العديد من المجتمعات الأخرى خارج تحالفاتها التقليدية في “أوروبا” و”شمال شرق آسيا” ؟.. يكمن جزء من الإجابة عن هذا السؤال في أن نضع كثيرًا من الحماسة على الأسطورة الخاصة بنا. وتجاوز الأميركيون تحديدًا والغربيون عمومًا فكرة أن الحداثة والتقدم ينبعان بصورة طبيعية من غربهم، وأن الترتيب الطبيعي للأشياء هو أن يقودوا العالم، وأن يتبعهم الآخرون، سواء بكل سرور أو على مضض.

“أميركا” وعقيدة التدخل العسكري..

ينوِّه الكاتب إلى أن العالم بدأ الآن في الخروج للتو من عقود طويلة شبَّه فيها الغربيون المؤثرون “شرقَ آسيا”: بالنمل، وتساءلوا بانتظام: هل بإمكان مجتمعاتهم التي تفتقر إلى الأسس السياسية الليبرالية لـ”أوروبا الغربية والولايات المتحدة” أن تتقدم إلى ما وراء الوجود المحاكي وتُصبح قادرة على المنافسة في الابتكارات التكنولوجية أم لا ؟.. وعُدَّت الديمقراطية على النمط الغربي وما يُتوَّهم أنها: “أسواق حرة” أمرًا جوهريًّا لتحقيق إنجاز وطني دائم. وحتى الآن يُسارع كثيرون من الغرب في إعادة الانتساب إلى هذا النوع من التفكير، مستشهدين بحرب “روسيا” في “أوكرانيا”؛ بوصفها دليلًا كافيًا على تفوق النماذج السياسية الغربية. وعلى الرغم من ذلك منح هذا النوع من اليقين العقائدي خلال صعود “الصين” الممتد والمطَّرد الأميركيين وغيرهم في الغرب شعورًا بعدم الحاجة إلى تجديد أنفسهم.

مصدر الصورة: RT

وهناك جزء آخر من الإجابة؛ فيما يتعلق بالأميركيين تحديدًا، يكمن في اعتماد الدولة المفرط المعتاد جدًّا على الحلول العسكرية للتعامل مع مشكلات العالم. إذ حلَّ الجيش الأميركي؛ منذ وقت طويل، محل كل قسم آخر من الحكومة الأميركية في المشاركة الخارجية، بما فيها “وزارة الخارجية” المتدهورة، والتي ليس لديها أي نوع من الموارد البشرية اللازمة للتعامل بصورة إيجابية مع كثير من دول العالم، وليس لديها الوسائل المالية لإحداث أثر منهجي كبير.

ويتمثل الجزء الأخير من الإجابة في عدم اهتمام “واشنطن” بجميع شركائها باستثناء الحلفاء التقليديين: نواة من دول “أوروبا الغربية” بقيادة “بريطانيا”، إلى جانب: “إسرائيل، واليابان، وأستراليا”. وأدَّى هذا الجهل الذي فرضته “أميركا” على نفسها إلى أن تُصبح معظم دول العالم منفتحة على أوجه التقدم التي حققته الدبلوماسية الصينية واقتصادها. من الذي يمكنه أن يلوم هذه الدول التي حاولت ملء الفراغ الناشيء ؟.. وقد رأيتُ هذا يحدث في “إفريقيا” طوال مسيرتي المهنية. وفي منتصف التسعينيات، وفي الوقت الذي كانت فيه الدول بجميع أنحاء القارة تؤسس لحكومات ديمقراطية، وإنهاء حقبة قاتمة استمرت عقودًا من الديكتاتورية التي تغذت في جزء كبير منها على منافسة القوى العظمى خلال “الحرب الباردة”، لم تحشد “واشنطن” سوى قليل من الموارد الإضافية لدعم المشاركة في العمل السياسي، أو الانتعاش الاقتصادي في “إفريقيا”.

أبعدوا “إفريقيا” عن دائرة الضوء !

يُشير الكاتب إلى أنه بينما كان يركب سيارة ليموزين عام 1996؛ مع “جورج موس”، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون إفريقيا؛ آنذاك، أثناء زيارته إلى “مالي” الديمقراطية الحديثة، سألته عن هذا الأمر، فأجابني متجهِّمًا: “الفضيلة هي مكافأة في حد ذاته”. وبعبارة أخرى لا ينبغي أن تتوقع الأنظمة الديمقراطية الإفريقية الناشئة شيئًا من “الولايات المتحدة” من باب عائد السلام بعد “الحرب الباردة”. وأخبرني “موس”؛ بعد ذلك، أن دوره يتلخص إلى حدٍ كبير في أن يمنع الموضوعات الإفريقية من التفاقم لكي لا تصل إلى مستوى يسترعي انتباه الرئيس الأميركي.

ويُضيف الكاتب أنه لا يعرف مدى معرفة “موس” بأن التفكير بهذه الطريقة بشأن “إفريقيا”، وبشأن كثير مما كان يتخيله العالم الثالث، كانت له أصول تضرب بجذورها في القدم. وعلى الأقل منذ عهد الرئيس الأميركي السابق؛ “دوايت دي إيزنهاور”، كان قادة “الولايات المتحدة” يرجئون هذه الأمور بفاعلية إلى “أوروبا الغربية”، ويسندون إليها مهمة الخط الأمامي في التعامل مع أجزاء من العالم، حيث يعيش أشخاص من ذوي البشرة السوداء والبُنية ومعظم المناطق الآسيوية. وكان المنطق في ذلك أن هذا النهج سيسمح لـ”واشنطن” بتركيز اهتمامها على الأطراف ذات القيمة الكبيرة، مثل الأشخاص والمناطق المهمة، أو بمعنى أدق الدول الأساسية المذكورة آنفًا.

ويسترسل الكاتب أنه قد تخلت إدارة “جون كينيدي” جزئيًّا عن هذا النهج، ولم تنجح تمامًا؛ (بالتفكير في غزو خليج الخنازير في كوبا، وحرب فيتنام). ولكن إدارة “كينيدي” كرَّست لبعض الوقت اهتمامًا جادًا لـ”إفريقيا” و”أميركا اللاتينية”، من بين مناطق أخرى جرت العادة في السابق أن تتجاهلها النخب الأميركية ومؤسسة السياسة الخارجية. إلا أن إدارة “ليندون جونسون”؛ عادت إلى النهج السابق سريعًا. وكما كتب “فيليب مولينبيك”؛ في كتابه: “الرهان على الأفارقة: مغازلة جون كينيدي لقادة إفريقيا القوميين أو Betting on the Africans: John F.) Kennedy’s Courting of African Nationalist Leaders)”، قائلًا: “أنهت إدارة جونسون فعليًّا حقبة التمويل الأميركي الكبير للتنمية الإفريقية، تاركةً القارة من جديد طريدة في ذيل اهتمام السياسة الخارجية الأميركية، وهي مكانة لم تبرحها حتى الآن”.

تقليل الموارد الموجَّهة إلى “إفريقيا”..

ألمح الكاتب إلى أن “جونسون” أطاح الزعماء الأفارقة في عهده، حتى أنه عاد إلى سياسة “إيزنهاور” بدعم نظام؛ “أنطونيو دي أوليفيرا سالازار”، الديكتاتوري في “البرتغال”، والذي احتفظ بالسيطرة الاستعمارية على “موزمبيق وأنغولا” وغيرها من الأراضي الإفريقية، وساند دولة الفصل العنصري بـ”جنوب إفريقيا” في العمل على مواجهة القومية في القارة السمراء. وفي عام 1965؛ ذكرت تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية بشأن “إفريقيا” جنوب الصحراء الكبرى: “أن هناك نقصًا حادًا في جميع أنواع المهارات التقنية والإدارية تقريبًا. وبالفعل، فإن المؤسسات الأساسية والموظفين العاملين في التنمية الاقتصادية غالبًا ما تكون غير كافية أو ناقصة. والأكثر من ذلك أنه لا يُرجَّح أن تحصل معظم الدول الإفريقية على دعم خارجي أو استثمار في أي شيء يقترب من النطاق المطلوب للتنمية الاقتصادية المستدامة”.

مصدر الصورة: رويترز

ويُضيف التقرير: إن دور تقديرات الاستخبارات الوطنية لا يتمثل في تقديم مقترحات بشأن السياسات، ولكن من الواضح أنه في ظل حكم “جونسون” فقدت مشاركة “الولايات المتحدة”؛ مع “إفريقيا”، معظم الزخم الذي كانت تتمتع به خلال سنوات حكم “كينيدي” الوجيزة. وفي حقيقة الأمر، وكما كتب أحد الدبلوماسيين الأميركيين البارزين المتقاعدين مؤخرًا؛ عام 1967، فإن: “الدول الصغيرة في إفريقيا ضئيلة جدًّا لدرجة أنها لا تستحق أن تفتح الولايات المتحدة فيها قنصلية”. وبعد بضع سنوات، وكما كتبت “بريندا غايل بلامر”؛ في كتابها: “البحث عن القوة: الأميركيون الأفارقة في عهد إنهاء الاستعمار (1956 – 1974) أو In Search of Power: African) Americans in the Era of Decolonization, 1956-1974)”، أن مستشارة “مجلس الأمن القومي” في عهد الرئيس الأميركي السابق؛ “ريتشارد نيكسون”، كتبت عن “إفريقيا” تقول: “إننا نهدف إلى تقليل الاهتمام والموارد التي يجب توجيهها إليها”.

ويؤكد الكاتب أنه ليس مجرد تاريخ غابر، ولا يقتصر على “إفريقيا” فحسب. ولننظر إلى المشاركة الدبلوماسية الأخيرة السريعة والمتأخرة لـ”واشنطن” مع الدول الجزرية الصغيرة في جنوب “المحيط الهاديء”. إذ بدت “الولايات المتحدة” متفاجئة من التوقيع على اتفاق أمني الشهر الماضي؛ بين “جزر سليمان” و”الصين”. وإذا كانت “واشنطن” متفاجئة، فهذا يُعزى فقط إلى المشكلة القديمة المتمثلة في أن المناطق ذات القيمة الصغيرة لم ترقَ إلى مستوى جدير باهتمامها. واكتفت “الولايات المتحدة” بمتابعة كتاب قواعد اللعبة لموظفة “نيكسون”، ولم تُحافظ على سفارة لها في الدولة الجزرية التي كانت موقعًا لمعركة بحرية شهيرة في الحرب العالمية الثانية في “غوادالكانال”. بينما كانت “الصين”، على النقيض من ذلك، تشق طريقها تدريجيًّا للعمل لصالح تلك الدولة من خلال بناء البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها، وتمويل مشروعات التنمية الأخرى التي يبدو أنها تتوافق مع احتياجات “جزر سليمان”.

“الصين”: مجالات جديدة للمنافسة بين القوى العظمى..

يخلُص الكاتب إلى دروس مهمة من هذا كله، قائلًا: دعونا نأمل ألا تعتمد المنافسة الأميركية مع “الصين” بصورة متزايدة على مجموعة الأدوات الافتراضية الخاصة بـ”الولايات المتحدة”: القوات المسلحة، ويعزو الكاتب ذلك لأسباب ليس أقلها أن الحروب التي اندلعت مباشرةً بين القوى المسلحة نوويًّا مدمرة جدًّا لدرجة أنه لا يمكن تحقيق النصر فيها في حقيقة الأمر، ولكن أيضًا بسبب شيء يُسمى؛ “استبداد بُعْد المسافة”. إن العصر الذي يمكن لـ”الولايات المتحدة” أن تُبسط فيه نفوذها وتٌحافظ على ما يكفي من قوتها في منطقة “الصين” لجعل أية مواجهة تقليدية، أي غير نووية، جذابة، يقترب من نهايته بسرعة.

ولذلك يتساءل الكاتب: إلى أين يأخذنا هذا ؟.. ويجيب أنه في عصر أصبحت فيه رموز القوة الوطنية باهظة الثمن، مثل حاملة الطائرات المعرَّضة بصورة متزايدة للدفاعات الصينية الرابضة في البحر قبالة “آسيا”، ينبغي أن يُفسح الأسلوب المعتاد لمنافسة القوى العظمى، ولكنه قديم، المجالَ لشيءٍ آخر. إن المنافسة الكبرى في المستقبل ستكون حيث يعيش معظم الناس في العالم، وهذا يعني أنها بعيدة تمامًا عن المجالات الأساسية التقليدية للتركيز الدبلوماسي في “أميركا”: العالم الثالث السابق.

ويختم الكاتب تحليله بالتأكيد على أنه بغض النظر عن رأي أي شخص في سياسات “الصين” أو أساليبها، يبدو أنها استوعبت ذلك بقدر أكبر من الأهمية أكثر مما فعلته “الولايات المتحدة”. وبينما تغُط “أميركا” في نومٍ عميق، أصبحت “الصين” المورد الأجنبي الثنائي الرائد للسلع العامة في “إفريقيا”، و”آسيا الوسطى”، وأجزاء أخرى كثيرة من العالم، مع إقراض مشروعات التنمية في تلك الدول، بما يتجاوز أيضًا قروض “البنك الدولي”. وسيكون هذا بدرجة لا يفهمها سوى قلة في الغرب بمثابة المجال الأكثر أهمية لمنافسة القوى العظمى في العقود المقبلة: التقاء الناس في أماكن إقامتهم، ومعالجة مشكلاتهم الفعلية التي تُهيمن على جوانب حياتهم، وهي أمور مثل المساعدة في ربط الناس من خلال البنية التحتية، وتحسين الخدمات العامة، وتوسيع الرخاء، وحماية البيئة. وصحيحٌ أن المواقف الخطابية القديمة، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مهمة، لكن من الصعب تخيل ازدهارها دون هذه الأسس.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة