اذا جاز لنا أن نؤرخ أحداث الانبار والفلوجة بليلة القبض على النائب أحمد العلواني، أي 28/12/2013، فإنها انتهت أو شارفت على الانتهاء قبل أن تتجاوز الاسبوعين، وهو مالم يتوقعه البعض من السياسيين والمحللين والمواطنين الذين جرفهم الحماس، فمنهم من طبّل وزمّر لحرب ضروس، ومنهم من استرجع أناشيد القادسية وحلم بصولات الفرسان، ومنهم من ذهب بعيدا وأعلن وصرح وهناك من اتخذ قرارت تاريخية ليفاجأ الجميع بنهاية (الزفة) بطريقة غير مفهومة وغير واضحة.
فيما يخصني لم أكتب ولا كلمة حول الموضوع، فوراء كل ماكنا نقرأه ونسمعه من أخبار، كانت هناك لعبة سياسية ضخمة وربما أكثر من واحدة، مبنّية على خلط الاوراق وغياب الحقائق، حتى إن بعض الكتاب والمتابعين للشأن السياسي كانوا يصرخون عبر صفحاتهم على الفيس بوك (ألا من يخبرنا عما يحصل في الفلوجة والانبار)؟
فمن كان وراء كل ماحدث، ومن (شرب المقلب).. أي من خدع من؟
في بداية الأمر، كانت حرب الجيش على (داعش) التي ظهرت فجأة هي القصة الرئيسية في صفحة الحوادث، وداعش، كما يعلم الجميع، لم تظهر فجأة، بل انها تنتشر منذ أشهر في صحراء الرمادي ولها معسكرات وأنفاق لنقل اسلحتها بين سوريا والعراق وغيرها من الدول (الصديقة والعدوة) التي تحيط بنا. والطريف في الأمر، ان بعض الساسة، تناسوا مصيبة داعش وانشغلوا بالبحث في شجرة عائلتها، كل حسب هواه ومصلحته، ساعة هي ايرانية واخرى قطرية، سعودية، سورية، امريكية، و كأن الأمر يشكل فرقا، عشر سنوات والساحة مفتوحة لجيمع الاشقاء والاصدقاء، (اعتقد صومالية في نسب جدها العاشر، والعب بيها يابو سميرة)…
وبعد ليلة من بداية الحرب، يتم القبض على النائب أحمد العلواني لتنتقل الحرب الى داخل المدن، وهذا ماأقام الدنيا ولم يقعدها حتى استسلم الجيش لرغبة أهل الرمادي وساستها وكل ساسة (السنّة)، وانسحب خارج الرمادي، حيث اتضح ان الجيش (طائفي)!
وفور انسحاب الجيش، احتلت داعش، بين ليلة وضحاها، مدن الانبار، خصوصا الفلوجة، حتى (كاسبر) لم يكن يستطيع ليعبر مئات الكيلومترات في ليلة واحدة. ولم يكن أمام السياسيين الذين إنتخوا لجمهورهم الا إتهام المالكي بأنه سلّم الرمادي لداعش بعد ان دخل المحافظة الآمنة التي كانت خالية من الارهاب، وانسحب منها لتصبح (محتلة).. فزورة هاي؟؟
وتضامنا مع المعتصمين الذين جرى تفريقهم بالقوة وهدم خيامهم، واحتجاجا على اعتقال النائب العلواني، إنسحب 40 نائبا من البرلمان يمثلون (السنّة)، عذرا لاستعمال هذه الكلمات المقيتة، فلم أكره شيئا في حياتي قدر كلمتي (سنّة) و(شيعة) في السنوات الاخيرة.
ومن تابع المشهد، لاحظ برود اعصاب القائد العام للقوات المسلحة وجيشه الذي التزم بالبقاء خارج الرمادي، رغم تناقل الاخبار عن القصف المتبادل واستشهاد واصابة مدنيين واتهامات متبادلة حول مصدر القصف، داعش ام الجيش؟
وأظن ان من مات لم يكن يهمه مصدر القصف بل حياته التي خسرها؟؟؟
وتجري الاحداث بسرعة، الفلوجة تحترق، ابناؤها يغادرونها لاجئين الى كربلاء والنجف، (لعد وين الطائفية؟؟).. انها بين السياسيين فقط كما هو حالها منذ 2003، ولم تنتقل للشعب وهذا مايثير شماتة الشعب (وأنا منهم) في ساسته الذين استخدموا كل الأساليب البهلوانية لاثارة الطائفية ولم يفلحوا الا في الاستيلاء على بعض النفوس المريضة والمأجورة.
ثم، يقرر شيوخ العشائر حل القضية، وتقييد الحادث ضد مجهول، تسليم المدن للشرطة دون تدخل الجيش وانسحاب (داعش) بشكل (كاسبري) تحت جنح الظلام، ليعود اهل الفلوجة اليها وتفتح الاسواق، وتنتهي الزفة، فهل كانت زفة، أم مسرحية، أم مجلس عزاء؟
اليكم النتائج..أمريكا تعلن دعمها للعراق والمالكي في حربه ضد الارهاب، ومجلس الامن يعلن دعمه بكل الوسائل للعراق، والمالكي يظهر اليوم في خطاب متوعدا من لايشاركه في الحرب على الارهاب متهما إياه بالتآمر، والشهرستاني يدعو امريكا الى تنفيذ وعودها بتزويد العراق باحدث الاسلحة لاستكمال ادواته في الحرب ضد الارهاب.
وأنا أشاهد تصريح الشهرستاني، تذكرت ماشاع أيام حرب القادسية عما قاله زعماء دول الخليج للقائد الضرورة (منك الروس وعلينا الفلوس)، فأرسل القائد الضرورة بالاف من (اولاد الخايبة) للموت لحماية (عكل) امراء الخليج.
كما صرح نائب همام عن العراقية بناءا على قرار مجلس الامن بقوله “انه يعلم ان امريكا ودول اوربا هي التي اوصلتنا الى هذه الحال وهو يرفض ان يتحول الشعب العراقي الى وقود لحرب بالنيابة”.. (بالله هلهولة.. سيادة النائب حزرها وحده).. وكأن لاأحد يعلم مااكتشفه، فحتى أطفال العراق يعلمون هذه الحقيقة منذ 2003، بل ومنذ ضربة الحادي من سبتمبر في 2001 التي ابتدأت بحرب امريكا على القاعدة في افغانستان اولا ثم العراق، فلا يوجد بيئة افضل من هذين البلدين لحصر الارهاب ومحاربته.
وماتلا ذلك كان أعظم، فقد انبرى النائب عباس البياتي ليتبرع ب( أبناء الخايبة) وهو يعلن بأن “العراق يشكل الخط الأمامي في مواجهة هذه التنظيمات الارهابية”؟؟؟ (وإنت شخسران)؟
ولم يجب أن ندفع نحن ثمن سلامة ابناء اميركا والعالم بتحويل ارضنا الى ساحة للحرب ضد الارهاب، والى متى نظل نقدم فروض الولاء لماما امريكا (راعية الديمقراطية)، أ لكونها كانت المخلص والمنقذ من نظام مستبد؟ أم لأنها كانت ولية نعمة من إعتلوا بفضلها الكراسي ليتولوا بيع البلد لها ولغيرها (بلا وجع كلب)؟
أما تصريحات من كانوا داخل ساحة الحدث في الرمادي فقد اختلفت بين اتهامات متبادلة، شوّه بعضها دور الصحوات واتهمها بالعمالة للحكومة والعمالة لجهات اجنبية، بينما اتهم بعضها حكومة الانبار بهذا وأكثر. وأخرها، بل (ألّذ) تحليل فيها هو اتهام أحد اعضاء مجلس محافظة الرمادي لسياسيين (سنّة) بأنهم السبب وراء ذلك كونهم فشلوا في اقناع اهل الرمادي بالانفصال وتشكيل اقليم فلجأوا الى إثارة الفتنة وتوريط الجيش لاظهاره بمظهر المحتل الطائفي ليجد المواطنين أنفسهم مجبرين على القبول بالانفصال (لوفة طويلة.. بس كلشي يطلع من القادة)، لكن هذا المخطط فشل، كما ذكر عضو المجلس وغيره، كون اهالي الرمادي وعشائرها، أدركوا جيدا خلال هذه المحنة إن لاأحد ينفعهم سوى تكاتفهم ضد الارهاب.
فمن كان العريس المخدوع؟ السياسيّون الذين إنسحبوا ولم ينالوا رضا جمهورهم ولا أثار إنسحابهم أي رد فعل لدى مجلس النواب ورئيسه الذي وصفته احدى النائبات بأنه (لاطش بالكرسي)، ومقاعد النواب التي تركت فارغة في فترة كان الأولى فيها ان تمتلأ قاعة المجلس بصدى اصواتهم وهم يفتحون ملف الانبار ويبحثون عن الحقائق في ماجرى؟
لاأملك إلا ان أقول لهم: لم تتخلّوا عن أهلكم في الأنبار بل تخليتم عنّا نحن الذين سيسبب لنا غيابكم (اختلالا) في التوازن.
البعض من المحللين قال ان (داعش) والشباب الاجنبي والعربي هو المخدوع كونه أصبح لعبة بيد بشار الاسد والمالكي واميركا ليحشر في أي زاوية ويتم تصفية افراده متى شاء هذا النظام.
وأشك في إن الحكومة في العراق مخدوعة،لان خطواتها كانت محسوبة، هادئة ومدروسة، مما يشير الى ان ماحدث لم يكن من قبيل الصدفة.
فهل خدع اذن اهل الانبار الذين دفعوا الثمن (357) قتيل وجريح اضافة الى خسائر في المنشآت والممتلكات وفقدان البعض لأعمالهم ومصالحهم التي تضررت؟
ولم يدفع الانباريون الثمن؟ هل لأنهم حقا فتحوا أبوابهم للارهاب وتركوه يعشش بينهم، فلم طردوه إذن؟ أم لإنهم طالبوا بحقوقهم في خيم اعتصام تحولت الى مسرح لمزايدات الساسة والدول العربية والاجنبية؟
ربما المنتصر الوحيد في احداث الرمادي والفلوجة هو أهل الأنبار الذين إكتشفوا حقيقة اللعبة بأسرع مما ظن الجميع، فسارعوا الى وأد الفتنة ولم شتات بعضهم، فهم مازالوا يحتفظون بقيم البداوة التي توارثوها واهمها (آني واخوية على ابن عمي واني وابن عمي عالغريب)، ف( حيّ الله أهل الانبار)..
…ويلي عليك من شعب.. لم يراعي الله فيك لا غريب ولا قريب.. الى متى تحتمل كل هذا القيح.. وأي زمان هذا الذي تفقد العيون والقلوب قدرتها على رؤية الرجال في وطن لم يكن ينقصه الرجال يوما…
ربما هو ذنبك انك رضيت بدور العريس المخدوع!!
[email protected]