كثيرة هي المبادرات التي يطلقها زعيم المجلس الأعلى, حتى قيل إنه رجل المبادرات, وسميّ عام 2013 بعام المبادرات, الغريب إن جميعها لم يرَ النور, أبتداءً بالعاصمة الإقتصادية ومروراً بمنحة الطلبة, وليس إنتهاءً بالدولارات الخمسة للمحافظات المصدّرة للنفط..!
لم تزل أغلب تلك المبادرات محبوسة في دوامة الجدل السياسي؛ بيد إنّ عمقها يمثلّ ضمانة لإستمرارها, فلا يمكن إلغاء دور البصرة الإقتصادي -مثلاً- بمجرد ترحيل أو رفض المشروع..
ترسيخ التجربة الديمقراطية يحتاج إلى شجاعة لا يمتلكها الجميع, فبعد إنزلاق القادة السنة في مستنقع الطائفية الذي يصعب الخروج منه, تصدر مبادرة عن رجل معمم (شيعي), يمثل ثقلاً سياسياً ودينياً كبيراً؛ تقضي بمنح الأنبار ما يؤهلها لسلك المسار الصحيح, ويخلق المضادات النوعية لأيّ توجه إرهابي من داخل الحدود أو خارجه, وبهذا يعيد حبال الثقة بين الناس والدولة التي ألتبس عليها الأمر بسبب استثمار الإرهاب للقطيعة بين الجمهور وحكومته, ويفرز أصحاب الأجندة الخارجية والرؤوس التكفيرية خارج دائرة الوطن والمنطقة, إذ ليس من المنطقي أستعداء سكان محافظة بإكملها وإتاحة الأسباب المناسبة لنمو التطرف وقدرته على التغلغل وسط الجمهور السني بحجة (الدفاع عن السنة)..
ما أراده الحكيم بمبادرته الأخيرة؛ التأكيد على مشروعية التواجد الأمني في أي منطقة تشكّل خطراً على سلامة وأمن العراق؛ ففي الوقت الذي يبارك ويدعم القوات الأمنية بحربها على الإرهاب, يسند تلك القوات بما يوفر البيئة المريحة للجهد العسكري, فالأمن منظومة متكاملة لا تقتصر على عامل السلاح وحده. كما يبعث رسالة بليغة وصريحة لسياسيّ السنة, مضمونها: “العشائر مرحبّة بالجيش, والحكومة منسجمة مع المطالب المشروعة”..
الحكومة العراقية بدورها, وعلى لسان رئيسها السيد المالكي؛ رحّبت بالمبادرة وعدتها جزء من الخريطة الموصلة للقضاء على الإرهاب, وبهذا قطعت الطريق على كل المحاولات الرامية للنيل من عدالة قضية الجيش العراقي في حربه المقدسة.
إنّ الدعوة التي أطلقها الحكيم, والإستجابة الحكومية السريعة لها؛ وضعت القوى السياسية المعترضة على الحرب ضد الإرهاب, في إحراج كبير, وستؤسس لواقع آخر لن يكون فيه دوراً لإمثال المتهم (أحمد العلواني) أو المشككين بوطنية الجيش العراقي.. فهل سيفيق الطرف الآخر من “أفيون” الطائفية..؟!