سعت الحكومة العراقية التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام والإحتلال الأمريكي للعراق الى تأجيل النظر في مسألة كركوك الشائكة والمعقدة ، وكركوك التي تحولت الى قضية كبيرة ومعقدة بفعل سياسة التعريب السيئة الصيت التي إتبعها نظام صدام في محافظة كركوك طيلة عهده وخلفت تداعيات جسيمة وبدلاً من إيجاد الحلول لهذه المسألة الشائكة تعرضت بعد سقوط نظام صدام الى سياسة التكريد هذه المرة، وقضية كركوك لاتعدو مجرد كونها قضية أطرافها هم التركمان والكرد والعرب من سكنتها بل أنها قضية عالقة بين بغداد واربيل، وقضية إقليمية تحوزُ على إهتمام ومتابعة دول الجوار، إضافة الى تحولها الى قضية دولية تحوز على إهتمام ومتابعة القوى الرئيسية المهيمنة على العالم وهذا مايجب على الجميع إدراكه وأخذه بنظر الإعتبار.
وبمعنىً أخر فقضية كركوك هي قضية سياسية في المقام الأول وتتعدى مسألة التغيير الديموغرافي الذي حصل فيها، وقد تطرقت في عدة مقالات سابقة لي الى مسألة كيفية إيجاد الحلول للقضايا السياسية ولاأرى هنا فائدة من التكرار.
كركوك بين قبضتي التكريد والتعريب:-
بعد العام 2003 وسيطرة الحزبين الكردين الرئيسيين ( إلاتحاد الوطني الكردستاني – الحزب الديمقراطي الكردستاني) على مقدرات محافظة كركوك بدأت بوادر حرب خفية بالظهور بين الحزبين لتكريس نفوذ كل منهما على حساب الأخر، وفي الخامس والعشرين من شهر أيلول من العام 2017 جرى تنظيم عملية استفتاء من جانب حكومة إقليم كردستان العراق وكان الغرض الرئيسي من ورائها ضمُ محافظة كركوك الى كيان مستقل، وقد شعر حزب الإتحاد الوطني الكردستاني بالقلق من إحتمال أن يؤدي هذا الأمر الى القضاء النهائي على هيمنته على مقدرات كركوك أو أن يؤدي هذا الإجراء الى أن يقبل بالشراكة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في مسألة الهيمنة على كركوك كأمر واقع مفروض عليه، ولهذا السبب عاجلَ الى عقد إتفاق سري مع الحكومة المركزية في العاصمة بغداد وكان من نتائجها دخول القوات العراقية الإتحادية الى محافظة كركوك وقضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى ضمن إطار خطة فرض الأمن والقانون والتي تمت يوم السادس عشر من شهر تشرين الأول من العام 2017.
وقبل تاريخ السادس عشر من اكتوبر 2017 طبقّ الساسة التركمان سياسة أشبه ماتكون ﺒ (البندول) أو (رقاص الساعة) في تعاملهم مع الجانبين الكردي والعربي في كركوك ، ففي سنواتٍ سابقة مَضُوا في تعاملهم السياسي وتقاربهم مع الأطراف الكردية على حساب الجانب العربي في كركوك وفي أوقات أخرى طبقوا عكسُ ذلِك تماماً، وبمعنىً أخر ومن دون وجود أي إستراتيجية سياسية تحدد تطلعاتهم المستقبلية طبقوا سياسة من الجائز أن نسميها بسياسة ( إنقاذ اليوم ) ومن دون أن يكون لها أي أساس تستند عليه ، وبعد أحداث السادس عشر من شهر أكتوبر 2017 وبسبب وقوفهم في صف واحد مع الحكومة المركزية في بغداد ساهموا في تكريس سياسة التعريب في كركوك والتي بدأت آوارها منذ ذلك التاريخ.
وكنتيجة لتقاربهم في السنوات السابقة مع الجانب الكردي وعقدهم لإتفاقات وتفاهمات معهم فإنهم تسببوا في تكريس سياسة التكريد في كركوك، وفي السنوات التي تلت وتحديداً بعد السادس عشر من اكتوبر 2017 وكنتيجة لتقاربهم مع الجانب العربي وعقدهم لإتفاقات ثنائية معهم ساهموا في تكريس سياسة التعريب في كركوك، وبعد كل حملةً سياسية للساسة التركمان طيلة السنوات الماضية بدأت النتائج السلبية بالظهور تباعاً حيث فقد التركمان في كركوك مساحات لايستهان بها من أراضيهم وتحولوا الى أقليةٍ عرقية بفعل السياسات الخاطئة والغير المدروسة للساسة التركمان.
إستراتيجية الخروج من عنق الزجاجة لتركمان العراق :-
عَصرُ إتباعِ سياسة الإقناع للمجتمعات بالخُطبِ السياسية الرنانة ولى منذ زمن بعيد، والأعمال المُنجزة أو التي سيتم إنجازها والخَطوات المتخذة أو التي سيتم إتخاذها تقاسُ اليوم بمدى فاعليتها وتأثيرها في الساحة السياسية ومدى الإستجابة الحاصلة لها، وأصبحَ من المُحال اليوم ضمانُ وترسيخ ولاء المجتمع التركماني وأولئك الذين يرتبطون عقائدياً بالمؤسسة السياسية التركمانية من خلال إستخدام أسلوب الخطابة والخطب السياسية الرنانة، فالقضايا العالقة اليوم ضمن إطار جغرافية ( توركمن ايلي )التي هي موطن التركمان في العراق ومركزها(كركوك) لاتُحلُ بالأقاويلِ والخُطب السياسية بل تُحَلُ من خِلال العمل الجماعي المُثمِر.
من الضروري تماماً الإبتعاد التام عن إستخدام الخُطب ذات الطابع الإستفزازي أو تلك التي تكرس روح الفرقة بين المجتمع التركماني والإستعاضة عنها بالخُطب ذات الطابع الوحدوي الذي يُراد مِنه لمُ شَملْ المجتمع التركماني والخُطب التي تبعث الأمل في النفوس، والمجتمع التركماني يتوق اليوم الى رؤية ذلك الطراز من السياسيين التركمان الذين يقرِنُونَ خطابهم السياسي بالعمل الجاد الواضح معالِمَهُ وتأثيرهُ في الساحةِ السياسية.
المجتمع التركماني الذي إهتزَ ثِقتهُ في ممثليه السياسيين خلال السنوات الماضية، بل وبدأ في فقد ثقته كلياً فيهُم وهذا مايظهر جلياً يوماً بعد أخر، ينتظرُ ولإعادةِ ثقتهِ فيهُم أعمالاً وأفعالاً واقعية وملموسة في الساحة، ولإعادة بناء الثقة بين المجتمع التركماني وممثلية السياسيين ينبغي إختيار مرشحين أكفاء قادرين على إعادة بناء خيوط الثقة هذه بفعل تمتعهم بثقة المجتمع التركماني بهم.