مازالت قلوبنا تنزف ومع كل نقطة دمع تسقط في وطني .بكل ما فى عيوننا من الدموع وما في قلوبنا من الأسى ، ينزف ويئن وتتكالب عليه المؤامرات من الداخل والخارج ليمزق نسيجه وكل ذلك نتيجة اختلاف وتفرق القيادات السياسية المتسارعة للسلطة وصراعاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، في كل بقعة من بقاعه جَرْح يَنبِضُ بهِ ألمٌ، و جرحٌ لا يتوقف نزيفه ولا يسكن ألمه، هناك من يزداد استبشاراً باستياء أوضاع الوطن واحتقانه ومرضه، يجرّونه إلى الهاوية ويسلبونه أمنه وأمانه ليصبح فريسة سهلة لمن هُم مُتعطّشين للاستيلاء عليه و على ثرواته.. متلبسين بـ أقنعة على وجوهم لتخفي أطماعهم ورائها والمتستّرة خلف أثواب الوطنية و هم بلا وطنيّة.
عندما نقول إن الوطن ينزف لا نقصد ولا نعني إخافة المواطن المغلوب على أمره والذي أصبح خائفاً من المصير الذي ينتظره ، بل إننا نقول ذلك بهدف لفت الانتباه لما وصل إليه حال البلاد من تدهور في كل نواحي الحياة والذي يزداد يوماً بعد يوم منذ جاءت الحكومات المتعاقبة تحت راية الديمقراطية وعملت منذ بداية أمرها على نهب خزينة ، استنزفوا وأغرقوا جشعًا و طمعًا، يدّعون الإصلاح وهُم من أنبتوا سموم الفساد في أرض لم يتوقّف عن العطاء، وطن احتواهم وإشباع حاجاتهم واحتضنهم بقوة حتى يستشعروا معهُ بالأمان، لكنهم مكروا وأنكروا وجحدوا بعدما انتزعوا من صدورهم الوفاء واقتلعوا من قلوبهم الولاء، الحالة الأمنية وتدهورها شاهدة على أن الوطن ينزف الى جانب توقف التنمية وعجز غالبية الناس عن شراء قوتهم الضروري والأساسي.. هذا الى جانب الأوضاع التعليمية المتدهورة والصحية المنعدمة.
هل نسكت و نرى وطني ينزف دما، لا طالما آمنا بأن الكلام لا يعبر عن من عاش الوجع وليس مثل الذي سمعه أن الجرح كبير وأن الخيبة تدمي الفؤاد وتتركه جريح ينزفُ ما فيه،
وها هو ظلام بعده ظلام يغطي سمائه .. فالدموع حجبت النور ولا أمل في الإستنارة في القريب .. يعج بالألم، يساورالجميع الشك حيال ما يجري وتبادلهم اهات هذا الوطن، و يبرع في قتل الأمل والحب داخلهم، فارغة إلا من الهزائم، جدران فارغة تردد صدى الخيبات التي تلفها من كل صوب، نحو الصورة البائسة للوطن، صورة الموت السحيق الذي يتربص بهم، قتلا أو غرقا ، ويترك جراحا عميقة ورائه لا يندمل. تحركات لأجل لا شيء في وطن غير الذي يتنفس فيه رائحة الموت. فكرة الابتعاد عنه تتربص بكل من عليه ، نريد وطن تتحقق فيه الامنيات، وطن فيه كلمة هدفها البناء، وطنٌ يرفعُ شأنه بالعلم والحرية والحب بين جميع الأوطان، الهدف منه أن يعيش الوطن لا أن يصبح ركام ويصبح ابنائه تحت الأنقاض، هل الحرية مكلفةٌ هكذا أم أن الخيانة باتت ماء من يسمون أنفسهم أصحاب الحكمة والقرار؟…فمتى ينصف ابنائه وتُصان لهم كرامتهم ويستشعرون الأمان بأرض وطنهم.
كل ما يحدث إنما هو نتيجة الطمع وروح الابتزاز والابتعاد عن المحبة والتسامح واستبدال ثقافة المحبة بثقافة الأحقاد والكراهية، متجاهلين أن الأوطان لاتبنى بالأحقاد والكراهية والفرقة والاختلاف والحروب ،تحت مسميات حزبية وسياسية ومناطقية ومذهبية وطائفية تجاهل الجميع وطنهم وانشغلوا بما يغرس الأحقاد والكراهية في قلوبهم وانقسامهم “حزبياً ومناطقياً ومذهبياً “، القلوب قست عند البعض وغلبت لغة العنف والتهديد والتسقيط على لغة الحب والحوار ، نزغ بينهم الشيطان ”
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأعراف 200) فأنساهم قيمة الوطن الذي تحول إلى جحيم بسبب افعالهم.