لم نكن يوما أحبابا.. حتى تذرف العيون عليك أنهارا.. لم نكن يوما أحبابا حتى.. يمزقني الشوق على ذكراك إربا.. إربا.. لم نكن يوما عاشقين.. حالمين.. عالقين في الهوى.. حتى أتحمل كل هذا العذاب.. ارحل.. فأرض الله واسعة.. والرحيل عليك وعلي حق.. ارحل ففي بقائك شيء من قلة الحياء.. وفي عنادك كثير من الغباء.. ارحل قبل فوات الأوان.. فأنت في جميع الأحوال ميت بلا محال.. حماقات اللواء ليس لها دواء.. ارحل، فقد تم إعلان سقوطك قبل الأوان..
لم نكن يوما أحياء.. حتى تطلب مني شهادة الميلاد.. أنت لم تصنع يوما أمجادا أو ألقابا.. حتى تنحني السنابل لك إجلالا.. لم تعد لدينا عناوين نسكنها.. أو تواريخ نستكين إليها.. تلك بيوت بالغباء دمرتها.. تلك لعنة أصابتك لن تسلم منها.. نحن مجرد خفافيش تهوى الظلام.. نحن مجرد أموات.. بدون شهادة وفاة.. أنت طيف مر من هنا.. سحابة صيف انتهت صلاحيتها.. أنت آخر سطر من حكاية شهرزاد.. كلينا مذنبين بلا قرائن بلا إثبات.. كلينا لا نستحيي.. ومن يجرأ على الاعتراف.. بل نحن موتى.. ومن يعلن عن الوفاة..
جبننا.. غباؤنا.. سبب الإهانة والبلاء.. طغيانك.. دهاؤك.. سر النكبة في البلاد.. جفاؤك.. جحودك.. صمتنا.. سكوننا.. لا يعني إطلاقا نهاية المطاف.. ولاءهم.. إخلاصهم.. لن يعفيك من العقاب.. بيني وبينك كثير من الأسرى والأحقاد.. مكامن.. مكائد محفوظة في سجلات.. صفحات صفراء وحمراء.. سقم لن يتعافى مهما حاولت.. مهما وقفت والإعصار صدا.. فحقي وحقهم لن يذهب سدا.. قضيت عمرا.. اجتر فيه الذكريات.. أحصي هموما.. ذنوبا لم أقترفها بل اقترفتها أنت.. قطعت على نفسي عهدا.. أحكي ظلمك للغرباء.. أقسمت برب السماء.. ألا أقول سوى الحق.. سوف أدلي بشهادتي.. كي لا يفلت مثلك من العقاب.. قطعت على نفسي عهدا.. لن ألبس أبيضا.. قضيت عمرا.. أكتب فيه نثرا وشعرا.. أروي قصة الحجاج.. الذي باع الشرف بدرهم في المزاد.. قضيت دهرا أروي.. معانات دياس الذي.. منع من زيارة البلاد.. يلملم مرارة سايلا والجراح.. وهل يحق للجاني أن يفلت من العقاب ؟.. وهل يجوز فقدان الأمل بعد طول انتظار؟.. صحيح أنها خواطر وأشعار.. لا تقل سوادا عن تلك التي كتبت في العراق.. قصائد العشق أتلوها.. لا تحمل اسمي.. لا تحمل أي إمضاء.. فهل من مستجيب يحفظها.. من بطش الحجاج ومن الضياع ؟..
ما عاد الجرح يؤذيني.. ما عاد الغرام يعنيني.. ما أقساه من وطن.. منذ زمن.. قد ودعناه.. مهما وقفت ضدي.. فلن أموت من شدة البرد.. وهل يأتي الدفء من باحة الثلج ؟.. لا تنتظر مني ولاء.. فليس لمثلي معتقدا.. أنا لا أحب النار ولم أعبد يوما صنما.. مذكرة تحمل أسرارا وخبايا.. أبطالها طغاة لا تخشى.. لم يعد هناك عمر يكفي.. للمزيد من الذل.. ولم تعد هناك أشعار.. أكتبها.. تحميني من الضياع.. تكتبني وأكتبها.. تسكنني وأعشقها.. لم تعد هناك قصائد.. على المسامع أتلوها.. عنوانها من الجحيم نحن “عائدون”..
ما أكثر الموتى بيننا.. إن كنت تسميهم رعايا.. فأنا أسميهم ضحايا.. في كلتا الحالتين هم بيننا أمواتا.. يأمرك ربك بأن تصلي خمسا.. وتصوم في العام شهرا.. وتزور إن استطعت إليه سبيلا.. وتستغرب حينما تراني أقف للظلم مرصادا ؟.. ما جدوى التقوى إذا لم.. تستوعب الدرس والمغزى.. من يتقن فن الدهاء في بلادي.. يصبح سيدا على الأغنام.. من يملك المال والسرايا.. تجده تائها بين أمريكا وإسبانيا.. ومن يملك العلم والقلم.. يواجه العواصف مجبرا.. لا تحسبن الدنيا بدونك خرابا.. وأن الهزل قد يزيدك فتنة وشبابا.. لا يضرني أن ليس على رأسي تاج ذهب.. أو فوق كتفي رواتب لواء.. يكفيني فخرا أنني.. أحمل بين أناملي قلما أحمرا.. أشعره في وجهك نارا..