22 نوفمبر، 2024 11:16 م
Search
Close this search box.

بِتَوقِيتِ الرِّيحِ فِي مَدَارِه مَقْرُونٌ بِالفِتْنَةِ

بِتَوقِيتِ الرِّيحِ فِي مَدَارِه مَقْرُونٌ بِالفِتْنَةِ

أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية ( م )
كلية التربية ـ جامعة المنيا ـ مصر
( 1 )
آَخِرُ القَوْسِ رَجُلٌ يَسْتَقِيْلُ منْ سَماوَاتِهِ ،
لِيُمْطِرَ في جِهَاتٍ أُخْرَى أكْثَر عُزْلَةٍ ،
هَكَذا ، يُفَتِّشُ الرَّجُلُ عنْ قِرْدٍ وأغْنِيَةٍ ،
لِكَيْلا يَقْفِزَ مِنْ شُرْفَتِهِ ، أوْ يَدْخُلَ نُعَاسَاً مُهَاجِرَاً من مَخَادِعِ الماَءِ ،
إلى عصَافِيْرِ النَّارِ …
آَخِرُ القَوْسِ رَجُلٌ يَرْسِمُ دَائِرَةً تَجْهَلُ مَرْكَزَها ،
آَنَ أَنْ أضْحَكَ قَلِيْلاً ، مِنْ رَجُلٍ يأْتِي ؛
يَتَرَنَّحُ مِنْ سَطْوَةِ القَصِيْدَةِ النَّاقِصَةِ ،
وَيَسْدِلُ أجْفَانَهُ عَنِ النَّهْرِ …
( 2 )
إِنَّهَا تَخْتَبِئ لأشْيَائِهَا المُخْتَبِئةِ لَيْلاً ،
وأنَا أغْنِيةٌ تمَتدُّ لشِتاءٍ قادِمٍ ،
وبينَ أنا والآخرِ صُبْحٌ بغَيرِ مَدَارْ ..
هذا طَقْسٌ يَأبىَ موْتَهُ ، وموُته يمتدُّ كأُغْنِيَتِي ،
حِين تَرْحَلُ جمِيْلةٌ وهمومُ الملائِكةِ ،
وحينَ أسْتحِيل ُ جَسَداً بغيرِ مَزارْ ..
لسْتُ شيخَ القبيلةِ ، ولا عرَّافها ، ولا سَاحرها الأعْمَى ،
أنا شَاعِرُها الرَّافِض ُ منذُ تاريخِ الرَّفضِ والعصْيانِ
جَسَدِي الرِّيحُ ، لا تَرْشقني الرماحُ ،
ولا العُيُونُ الراصدةُ ،
والكلُّ محزونٌ ،
إلا مَنْ اسْتَعْبَدَهُ الشوقُ ، فخرَّ ؛
باكِياً عِنْدَ خَرائِطِ الوجَعِ ، وأعُودُ ؛
بقلبي صُورة لجميلةٍ ،
وفي يدي اليُسرىَ عَروسةٌ من خَشبٍ ،
وكِتابٌ أوَّلٍ ..
( 3 )
خارجَ حصارِ الوقتِ ولُغةِ التَّداوليةِ ؛
تأتي مثلما أتَتْ امْرأةٌ من الرفضِ والبرْقِ ،
وتدخُل أمِّي الطيِّبةُ غُرفتي ؛
المسْكُونَة بالبُخُورِ واللِّبَانِ وبعض عفاريت الشِّعْرِ ،
فأخبِّئُ صورةَ جميلةٍ وتَجَاويدَها بمِعْطَفٍ شِتائيٍ ،
أُحاوِلُ فعلَ شئٍ يشغلها ، ويُسْقِط ذاكرتها ..
وجميلةٌ تأتي كَلَيْلٍ عاشِقٍ ، يصْفعُ ،
قَلبُها مَدارُ عِشْقٍ بغيرِ سِيَاطٍ ،
هذا كبريتٌ بيديها ،
ورسائلي بضفائرها تنتظر السياف لتمزيقها ، وشَقِّي …
عَائدٌ إليكم ، من أولِ قَرارٍ للعِشْقِ والحُريَّةِ ،
لا قَمْحَ معي .. ولا نَظَرِيَّة ..
بلْ بقَايا غرامٍ ، وحصَان من يَاسَمِين
عائدٌ إليكُم ،
وأوَّلُ من أسْأل عنه جميلة ،
وكيْفَ اهْتَدتْ لأشيائها المُخْتَبِئة ؛
صُورتي ، وبضْع نصوصي ، وعملةٍ معدنيةٍ ،
كانَ أبي المنتمي قد أعْطاني إيِّاها ،
تَسْألُ عن أشْيائي السِّريةِ ،
وقَصَائِدي السريةِ ،
والبراويز التي أعلقها على الجدرانِ ..
( 4 )
أمِّي ؛
صاحبةُ العيْنين العَسَليتين ، هو ذا ابنكِ
حينما شُفِيَ ماتَ من الذِّكرى ،
أيَّتها المحتَضِنةُ كل الأشياءِ ،
لن أعلنَ أبداً أنَّ العينين الغائرتينِ متوقدتانِ ، مِنَ
الجدلِ وحضورِ النوافذِ المغلقةِ ،
هَبِي أنَّكِ مثلي ؛ عاشِقٌ يحترف القصيدَةَ ،
فهلْ تَطِيقِيْنَ الغِيابَ ؟
فاخرجي كما كنت ِ تفعلين ،
كي نكتبَ أصْداءنا على أوردةِ النَّخيل ،
ونؤسِّسَ جُغرافيةً جديدةً للعشقِ ،
ونُشَكِّلَ رَائحةً للمُسْتَحيلِ …
اخْرُجِي ولا تَخافي جميلة ،
فأبي المنتمي قد علَّمَني أوَّلَ دَرْسٍ للحريةِ ،
ومن سَاعتِها .. وجْهيَ للحَائطِ …
( 5 )
ويُنادِي رَجُلٌ يرتدي زِيَّهُ المعجونَ بالغبارِ والرَّفْضِ ،
لا تَقفُوا هكذا ،
أمامَ سِياجٍ من الأمْتِعةِ المدنيَّة ؛
مَرايَا ، أجهزةِ الراديو ، وقَليلٍ من الفطائرِ الريفيَّةِ ..
يُؤلمني أيُّها الآخر المسْكونِ بالدَّهْشةِ
أنني أموتُ يوماً ما بالشِّتاءِ القَادِمِ ،
وتسْتَحيل كِيمْيَائِي رَمَاداً وثمَّة غُبَارْ ..
لا توجد في دفترِ العَطَشِ امْرأةٌ ؛
باسْتطاعَتها تخفيف وَطْأةِ المَوْتِ المتأخرِ
البرُونزُ يكسُو كُلَّ الوجوهِ المتشققةِ ،
لا أحد يحملُ مَوقفاً إنْسَانياً ،
أو سَمْتاً
يُعالجني كَمُؤسِّسٍ لنَصِّ البَقاءِ ..
( 6 )
ها أنا أدْخلُ جَسَدي ثَانيةً ،
مثلَ ثَوري يَدخلُ مُقدِّمةَ التَّارِيخِ ؛
جَمْعُ صُراخٍ لا ينتهي ،
وأوجاعٌ تنقشُ تفاصيلها فوق أوردتي ،
بَقايا تُرابٍ بِفَمِي ،
هذا احْتِفاءٌ رائعٌ للصَّدَى ،
وللحُلْمِ الذي يَنْطَفِئ بانْتِهائي ،
أيهذا اللامنتمي الجَالِسُ أمامَ دَهْشَتي
عَلَّكَ حين تُمْسِي إلى نَخِيلكَ ، تُعْلِنَ دَوِي أحْزاني ،
وتجترُّ ما تَبقَّى بِفَمِي / دَمي ..
أيها القَاصِي ،
هذا المسَاءُ إنْ يَفْجُؤنا بِتَميزهِ ؛
الضَّارِب في جُذورِ صَخَبِه
نَتلوَّنُ بلون المقَاعِدِ البُنِّيَّةِ الصَّامتةِ ،
هذا احْتواءٌ بالمَدَى ..
( 7 )
عَارٍ ،
حتَّى من أبجَديَّتي وهَوْسِي وبَقِيةِ دَهْشةٍ ،
إني حَيٌّ حَتَّى آخرِ النَّزفِ ،
افتحوا البَابَ ..
افتحوا البابَ ..
إنِّي أسْمع أغنيةً خلفَ البَابِ تُناديني
شَاحِبٌ ، وأَزْدَادُ بَشَاعةً ،
وأدَّعِي الضَّجةَ حتى النهايةِ ..
بغيرِ مَلامحِ أنبُضُ سِكِّيناً ،
تكفي صَفْعةٌ واحِدةٌ كي أصْمُتَ وَحيداً ،
وأجْتَرُ أحْزاني التي تُراودُني لحْظةَ الخُروجِ من جَسَدِي ..
د. بليغ حمدي إسماعيل
أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية ( م )
كلية التربية ـ جامعة المنيا ـ مصر

أحدث المقالات