التدخل الإيراني أبرز الأسباب .. أسباب سعودية تمنعها الانسحاب من اليمن !

التدخل الإيراني أبرز الأسباب .. أسباب سعودية تمنعها الانسحاب من اليمن !

وكالات – كتابات :

لماذا لا تنسحب “السعودية” بمنتهى البساطة من “اليمن”، تاركة “الحوثيين” يُسيطرون عليه بعد أن فشلت في هزيمتهم ؟.. يبدو هذا السؤال مؤديًا إلى إجابة بسيطة كفيلة بإنهاء حرب “اليمن” المستمرة منذ أكثر من 06 سنوات، وأدت إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ووقف التورط السعودي باهظ التكلفة في هذا البلد الوعر الفقير.

ولكن بالنسبة لـ”السعودية”، لا حل وسط فيما يمس الأمن القومي، وبالتالي، ونظرة خاطفة على الخريطة وطبيعة التاريخ المركب بين البلدين؛ تظهر أهمية “اليمن”؛ لـ”السعودية”، في الحال.

فـ”اليمن” كان وسيظل جارًا إستراتيجيًا مهمًا لـ”السعودية”، وبالتالي فهو عنصر أساس في الإطار الأمني لـ”السعودية”، الذي لا يمكن فصله عن التخطيط الإستراتيجي السعودي، حسبما ورد في تقرير مجلة (ناشيونال إنتريست) الأميركية.

السعودية واليمن.. علاقات متداخلة ومتقلبة..

والعلاقات السعودية التاريخية مع “اليمن” تقلبت بين الاستقرار والتوتر، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى مكائد ميليشيا (الحوثي) في “اليمن”؛ فقد حلت “معاهدة جدة”؛ الموقعة في 12 حزيران/يونيو عام 2000، الخلافات الحدودية بين “المملكة العربية السعودية” و”الجمهورية اليمنية”، وجددت إلتزام الطرفين بـ”معاهدة الطائف”؛ التي رسمت الحدود بين البلدين.

واقتصاديًا، أدى إفتقار “اليمن” إلى الموارد الطبيعية إلى اعتماده بشكل كبير على الدعم السعودي، فيما اعتمدت “السعودية”، إلى حدٍ ما، على العمالة اليمنية. وكانت العلاقة بين البلدين متبادلة المنفعة.

التنافس “السعودي-اليمني”، وقد يعود في بعض جذوره إلى عصر ما قبل الإسلام، حيث يُعتقد أنه كان هناك تنافس تاريخي بين القبائل اليمنية التي تعود جذورها لـ”اليمن”، الذي كان بلدًا جبليًا زراعيًا ومتحضرًا نسبيًا مقارنةً بالطابع الأكثر بدوية لبقية الجزيرة العربية.

وفي مقابل الإرث الزراعي والحضاري للقبائل اليمنية، كانت القبائل العدنانية في بقية الجزيرة العربية تُفاخر بإرثها البدوي الذي كانت تراه أكثر نبلاً، وإزدادت هذه المنافسة بعد إنهيار “سد مأرب”، وهجرة القبائل اليمنية لبقية الجزيرة العربية ولتخوم “العراق” و”الشام”؛ حيث أسست ممالك قوية ومتحضرة نسبيًا على حدود الجزيرة العربية كانت موالية لدولتي الروم والفرس.

وفي العصور الإسلامية، إزدادت المنافسة بين القبائل اليمنية والعدنانية، وهي المنافسة التي يُعتقد أن الأمويين قد قاموا بتأجيجها لأسباب سياسية، وشكلت هذه المنافسة تهديدًا للنجاح الذي حققته الفتوحات العربية الإسلامية في كثير من الأمصار.

وفي العصر الحديث كانت هناك منافسة قوية بين “المملكة العربية السعودية” الفتية، والتي تأسست في الثلاثينيات، وسيطرت على الجزيرة العربية بفضل حركية مقاتلي “هضبة نجد” البدو، وحماسة الوهابية الدينية، وبين المملكة المتوكلية الزيدية الذابلة، ولكن مؤسس الدولة السعودية؛ الملك “عبدالعزيز آل سعود”، كانت لديه الفطنة الكافية ليتجنب غزو واسع لـ”اليمن” وسيطرة دائمة، وانسحبت قواته من “اليمن” بعد أن ضم بعض مناطقه؛ لأن الرجل كان يعلم رغم كفاءة قواته، إلا أن السيطرة على البيئة اليمنية الجبلية، بنزاعاتها القبلية وتنوعها المذهبي، أمر قد يكون مستحيلاً.

وخلال حرب “مصر” في “اليمن”، أيدت “السعودية”، للمفارقة، المملكة المتوكلية؛ الشيعية المذهب، أما “القاهرة” الناصرية؛ التي كان أغلب دعمها موجهًا للقبائل السُنية في “اليمن”، حسبما قال مصدر دبلوماسي مصري مطلع على هذا الملف.

وبعد نشأة “الجمهورية اليمنية”، حاولت “السعودية” الهيمنة على السياسة اليمنية دومًا لتجنب أي مخاطر قادمة من “صنعاء”، واتسمت علاقتها بـ”علي عبدالله صالح”، بالتقلب، فقد إنحاز الأخير لـ”صدام حسين”؛ خلال أزمة الغزو العراقي لـ”الكويت”، وحاول الاستثمار في الإرث المجافي لـ”السعودية” في “اليمن”.

ولكن أدى ظهور “الحوثيين”؛ إلى تقارب لافت بين “صالح” و”السعودية”، على خلفية خوف الطرفين من الصعود الحوثي، وكانت “السعودية” تخشى من الطابع الثوري لـ”الحوثيين”، والتأثير الإيراني عليهم، والذي قرّب المذهب الزيدي بشكل غير مسبوق للمذهب الإثني عشري، وبينما دعمت “الرياض” منافسي “الحوثيين” من بينهم: “صالح” والسلفيون، ولكن ليس هناك ما يُفيد بأن “السعودية” بادرت بمحاربة “الحوثيين” بشكل مباشر. في المقابل، اعتبر “الحوثيين” أن “صالح” يُحاربهم نيابة عن “السعودية” و”أميركا”، وأعلوا من إرث العداء لـ”السعودية” بوصفه، من وجهة نظرهم، نظامًا سُنيًا متعصبًا مواليًا لـ”أميركا”، ولم يخفوا علاقتهم مع “إيران” وتبني خطابها، دون الإعلان عن الانضمام للمذهب الشيعي الإثني عشري، وهي مسألة لا يمكن حسمها إلى الآن، وإن كان المؤكد أن “الحوثيين” في الأصل ينتمون لفريق من المذهب الزيدي يُسمى: “الجارودية”، تطرفوا إلى الحد الذي خالفوا فيه إمامهم الأصيل؛ “زيد بن علي بن الحسين”، في موقفه المعترف بإمامة الخليفتين الراشدين: “أبي بكر الصديق” و”عمر بن الخطاب”، واقتربوا بذلك من الشيعة الإمامية، في حين أن سائر المدارس الزيدية تبدو أقرب للفكر السُني.

إنهاء حرب “اليمن” لا يمكن أن يتم عبر انسحاب سعودي أحادي..

ولأسباب عديدة، ترى “السعودية” أنه يستحيل عليها الانسحاب من حرب “اليمن”؛ رغم عدم قدرتها على حسمها بعد سنوات طويلة من القتال.

فترك “الحوثيين”؛ الموالين لـ”إيران”، بل الذين يُمثلون أكثر الفصائل الشيعية في الشرق الأوسط جرأة، يعني تعريض الأمن القومي السعودي للخطر؛ من وجهة نظر “الرياض”، فقد يواصلون هجماتهم على “السعودية”، وقد يوسعون مطالبهم لتشمل الأراضي السعودية التي كانت جزءًا تاريخيًا من الأراضي اليمنية، إضافة لتأثير الأنشطة الثورية ذات الطابع الشيعي على الشيعة في “السعودية”، واحتمال تدفق مزيد من اللاجئين من أبناء السُنة اليمنيين لـ”السعودية”، والأخطر ابتزاز “الرياض” عبر الحدود المشتركة، والسيطرة على “باب المندب”؛ في ظل الأزمة الإنسانية الخانقة التي يُعاني منها “اليمن”، والتي قد تتفاقم في حال حدوث انسحاب سعودي، وخاصة إذا توقفت المعارك، فسيُصبح “الحوثيون”؛ في هذه الحالة، مطالبين بإعالة هذا البلد الفقير.

والتجربة اليمنية تُفيد بأن مطالب “الحوثيين” لا تتوقف عن التوسع، فقد بدأت بمطالب ثورية مؤيدة للمقاومة في “لبنان وفلسطين”، ورفع ما قالوا: إنه مظالم عن الزيدية إلى السيطرة على “اليمن” الشمالي، وحتى “اليمن” كله إذا أمكن.

“الحوثيون” استغلوا “الربيع العربي” للسيطرة على “اليمن”..

الحروب الست التي شنها “الحوثيون”، الميليشيا المسلحة المدعومة من “إيران”، على الحكومة اليمنية من: عام 2004 إلى 2011، التي تزامنت آخرها مع ظهور ما يُسمى: بـ”انتفاضات الربيع العربي”، دفعت دول “مجلس التعاون الخليجي” إلى طرح مبادرة للوساطة بين الفصائل اليمنية المقاتلة لتهدئة التوترات المتصاعدة. وتضمنت هذه المبادرة خطة تنفيذية انتقالية لتمهيد الطريق للانتقال السلمي للسلطة الرئاسية من؛ “علي عبدالله صالح”، إلى نائبه؛ “عبدربه منصور هادي”. وحظيت جهود “مجلس التعاون الخليجي” بدعم الأعضاء الخمسة الدائمين في “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي”.

واستغل “الحوثيون”؛ التابعون لـ”إيران”، هذه الفوضى للسيطرة على البلاد بتعطيل اتفاق التوافق الانتقالي ومعارضة الحكومة الجديدة وخطف وقتل مسؤولين حكوميين، والسيطرة على مؤسسات حكومية عقب دخولهم “صنعاء”، بعد أن قاموا بعملية تمويه من خلال إدعاء تنظيم اعتصام سلمي احتجاجًا على زيادة أسعار الوقود. وبعدها صادروا “البنك المركزي” والمطارات والموانيء البحرية، وهذا أدى إلى سيطرتهم الكاملة على الإمدادات في معظم مناطق “اليمن”.

وخلُصت “السعودية” ودول “مجلس التعاون الخليجي”؛ إلى أن “الحوثيين” يسعون لإقامة جبهة إيرانية جنوب منطقة الخليج، على غرار (حزب الله)؛ في “لبنان”.

وبعد استيلاء “الحوثيين” على “صنعاء”، سرعان ما تجلّت شدة التهديد، وكذلك الآثار المدمرة المحتملة على “اليمن” و”السعودية” على حدٍ سواء.

وفي 20 آذار/مارس عام 2022، شن “الحوثيون” هجمات معادية على منشآت نفطية في “السعودية”، منها محطة وقود ومنشآت بنية تحتية أخرى في جنوب البلاد. وهذه الهجمات كان الهدف منها تقويض مكانة “السعودية” في توريد “النفط”، وهي لم تكن الأولى على “السعودية”؛ إذ قال التحالف الذي تقوده “السعودية” في “اليمن”: إن جماعة “الحوثي” أطلقت: 430 صاروخًا باليستيًا و851 طائرة مُسيرة مسلحة على “السعودية”؛ منذ بدء الحرب الأهلية عام 2015؛ ما أسفر عن مقتل: 59 مدنيًا سعوديًا.

وكانت الساحة اليمنية ملاذًا آمنًا لزعماء (القاعدة) بسبب هشاشة الأمن والاستقرار في البلاد. وتعاونت الحكومتان الأميركية والسعودية لاستهداف الإرهابيين وتبادل المعلومات؛ ما حال دون وقوع هجمات عديدة على الأراضي الأميركية.

“إيران” تُريد الهيمنة على “باب المندب”..

يقول تقرير مجلة (National Interest) الأميركية: “الآن، لو نجح الحوثيون في السيطرة على اليمن، فستنشط مزيد من الجماعات الإرهابية، وستبدأ جولة أخرى من الإرهاب والاشتباكات هناك. وهذا أيضًا سيمكّن الحوثيين من السيطرة على أحد أهم الممرات البحرية في العالم: مضيق باب المندب. وبالنظر إلى أن إيران تُسيطر على مضيق هرمز، فقد يكون لذلك تأثير كارثي على التجارة الدولية وإمدادات الطاقة”.

ولذلك يرى تقرير المجلة الأميركية، أن التعاون المكثف بين “السعودية” و”الولايات المتحدة” حيوي وضروري لردع الإرهاب.

وقد لبّت جميع الأطراف اليمنية مؤخرًا دعوات “السعودية” للقاء في “الرياض” لبحث الأوضاع المتدهورة في “اليمن”. وأعلنت “السعودية” و”الإمارات”؛ مؤخرًا، عن حزمة دعم بقيمة: 03 مليارات دولار للاقتصاد اليمني لمساعدة الحكومة، لكن “الحوثيين” رفضوا هذه الدعوة، وكشفوا نيتهم لإطالة أمد هذه الحرب المأساوية في “اليمن” لخدمة أجندة خارجية. ومؤخرًا، قال المبعوث الأميركي لـ”اليمن”؛ “تيم ليندركينغ”: إن “إيران” تُقدم دعمًا كبيرًا ومدمرًا لـ”الحوثيين”. وقال أيضًا: “حبذا لو تتوقف إيران عن التكتيكات السلبية والدور الذي لعبته حتى هذه اللحظة”.

وهذا التدخل الإيراني المستمر سيُزيد من صعوبة إنهاء حرب “اليمن”. والحكومة الإيرانية مستمرة في استخدام “الحوثيين” و”اليمن” ورقة مساومة في المفاوضات الحالية؛ لإحياء “الاتفاق النووي” مع مجموعة (5+1).

بالنسبة لـ”السعودية”؛ فإنه من الضروري أن تُحافظ على السلام في “اليمن”، وأن تقضي على أي تهديد إستراتيجي على حدودها مهما بلغت المدة والتكلفة. فهذه الحرب حرب ضرورة؛ وليست حرب اختيار للسعوديين، حسب المجلة الأميركية.

وتقول المجلة: “إنه من الضروري أن يفهم العالم الحقائق الجغرافية للمنطقة، التي هي مركز الطاقة العالمية، وفي الوقت نفسه هي الأكثر هشاشة من حيث الأمن. ولا بد أن يحظى الدور المحوري للسعودية في الحفاظ على الأمن في هذه المنطقة الحيوية بتقدير دولي أكبر”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة