عودة قياديو سُنة ما قبل “الحلبوسي” .. هل هي صفقة من “الإطار التنسيقي” برعاية إيرانية لتفكيك تحالف “الصدر” ؟

عودة قياديو سُنة ما قبل “الحلبوسي” .. هل هي صفقة من “الإطار التنسيقي” برعاية إيرانية لتفكيك تحالف “الصدر” ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في ظل التأزم السياسي العراقي؛ الذي كلما تقدم خطوة يتأخر خطوات، فما بين وجود الخلاف السياسي بين أطراف القوى الشيعية؛ (الصدر والإطار التنسيقي)، تزامن ظهور بعض الشخصيات السُنية إلى المشهد العراقي، تحديدًا الزعيم العشائري؛ “علي حاتم السليمان”، قادمًا من “الأردن”، بعد غياب دام نحو: 08 سنوات والسياسي السُنّي؛ ووزير المالية السابق؛ “رافع العيساوي”، بعد تبرئته من قبل القضاء في التهم الموجهة.

ظهور تلك الأسماء في ذلك التوقيت؛ رأه بعض المراقبين بأنها محاولات لتشظية “البيت السُني”؛ الذي بني على يدي “الحلبوسي” و”الخنجر”، ومحاولات تقودها أطراف مقربة من “إيران” لإرباك وحدة قرارهم في مسعى لتفكيك تحالفهم القائم مع “الصدر”.

و”العيساوي”؛ يُعتبر من الشخصيات السُنية ذات التأثير الكبير في محافظة “الأنبار”؛ (غربي العراق)، وقد شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزيرًا للمالية؛ بين عامي: 2006 و2014،  قبل استقالته احتجاجًا على سياسات “المالكي”، لتُلاحقه بعد ذلك تهم بالإرهاب والفساد وصفها: بـ”الكيدية”.

واتهم “المالكي” بتدبيرها، فاضطر إلى مغادرة “العراق”، ثم الذهاب والإقامة في “إقليم كُردستان”.

وفي عام 2020، أسقطت عن “العيساوي” تهم الإرهاب، وقبل نحو شهر سلم نفسه إلى السلطات في “بغداد”، وحصل على إطلاق سراح، أمس، عن تهم الفساد.

وكان “العيساوي” قد سلَّم نفسه إلى القضاء العراقي؛ يوم 16 حزيران/يونيو 2020، تمهيدًا لإعادة محاكمته بناءً على قرارات غيابية كانت صدرت بحقه قبل سنوات.

صراع القيادات السُنية منذ 2011..

وعاشت القوى السُنية مع أواخر عام 2011، تساقط كبير لقياداتها الأولى جراء سلسلة من الاتهامات والدعاوى القضائية؛ التي وجهت لهم بقضايا فساد وإرهاب إبان الولاية الثانية لحكومة؛ “نوري المالكي”، دفعت بخروج أهم الأسماء من المشهد، بينهم نائب رئيس الجمهورية؛ “طارق الهاشمي”، ونائب رئيس الوزراء؛ “رافع العيساوي”، وقبل ذلك رئيس جبهة (التوافق) العراقية؛ “عدنان الدليمي”.

حينها، تصاعدت حدة خلاف الكثير من القوى السُنية المؤثرة مع شخص؛ “نوري المالكي”، وأطرف سياسية في حكومته على خلفية الاحتجاجات الغاضبة التي اندلعت في المناطق السُنية؛ وكانوا قادتها وداعمين لإدامة زخمها، كان من أبرزهم الشيخ العشائري؛ “علي حاتم السليمان”، الذي غادر “العراق”؛ أواخر عام 2014.

وعقب احتلال تنظيم (داعش) للمناطق السُنية؛ إبان أحداث حزيران/يونيو، قبل ثماني سنوات، برزت قيادات وزعامات جديدة بعد غياب وتغيب الكثير من شخصيات الخط الأول بينهم، رئيس البرلمان العراقي الحالي؛ “محمد الحلبوسي”، ورئيس تحالف (السيادة)؛ “خميس الخنجر”.

صعود “الحلبوسي” على رأس الزعامات السُنية..

واستطاع الفتى الشاب؛ “الحلبوسي”، أن ينال مقبولية كبيرة وشعبية واسعة في مسقط رأسه؛ عند محافظة “الأنبار”، التي ينحدر منها أغلب القيادات المغيبة، وكذلك نال سمعة واستحسانًا كبيرين في بقية المحافظات السُنية، مما هيأ له الوصول لولاية ثانية لرئاسة “مجلس النواب”.

واستطاعت القوى السُنية الكبيرة في “العراق”؛ وعقب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة؛ التي جرت في تشرين أول/أكتوبر الماضي، أن تصطف تحت مُسمى: (السيادة)، الذي يتكون من: (تقدم)، و(عزم)، والذهاب نحو “النجف” لتشكيل: (إنقاذ وطن)، مع رئيس (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، في حراك قلب العُرف السياسي الذي حكم البلاد ما بعد 2003، وبما أثار غضب القوى الولائية المقربة من “إيران”.

وعلى مدار 06 أشهر؛ بذلت قوى (الإطار التنسيقي)؛ (القوى المقربة من إيران)، جهودًا حثيثة ومحاولات كبيرة لثني “الصدر” عن المضي مع القوى السُنية في تشكيل الحكومة المقبلة، لكنها باءت بالفشل وانتهت بانسداد سياسي في المشهد السياسي العراقي.

مساعٍ لإدارة صراع ساكن..

تعليقًا على تلك التطورات؛ يرى الأكاديمي والمختص في العلوم السياسية؛ “علي الجبوري”، في حديث لموقع (العين) الإخبارية، أن: “ما يجري الآن من إفرازات جديدة في واقع البيت السُني السياسي لا يمكن فصلها عن مساعٍ لإدارة صراع ساكن؛ كان قد اختفى وعاد ليظهر مرة ثانية حول المحافظات السُنية، وخصوصًا مع بروز نجم السياسي؛ محمد الحلبوسي، وما حصده من مكانة كبيرة في تلك المناطق، فضلاً عن المقبولية الخارجية التي يتمتع فيها”.

ويُضيف “الجبوري”، أن: “هنالك حديثًا بدا يظهر للعلن عن عودة قيادات أخرى إلى المشهد السُني في العراق؛ من بينهم: طارق الهاشمي وأحمد العلواني وأثيل النجيفي وغيرهم، ولكن مع ذلك فإن مقبوليتهم من قبل الشارع قد تراجعت؛ كون أن هنالك جمعًا كبيرًا يرى أنهم كانوا السبب وراء الخراب الذي لحق مناطقهم جراء احتلال (داعش)”.

وحول طبيعة تلك العودة وتوقيتاتها؛ يوضح “الجبوري” أن: “رجوع العيساوي والسليمان؛ إلى الأجواء السياسية في الداخل العراقي، أمر وارد وكان يجري منذ وقت، ولكن قد حان وقت الشروع باعتبار أن الأوضاع الراهنة تُهييء من ذلك الأمر”.

مستبعدًا الأكاديمي العراقي؛ أن تكون قوى (الإطار التنسيقي) وراء ذلك الأمر؛ كون أن الوسط السياسي السُني يعيش حالات من الصراع والانقسام مما يؤدي بالنتيجة لمثل تلك التطورات.

وهو ما اتفق معه النائب السابق عن محافظة الأنبار؛ “عبدالله الخربيط”، في تصريح متلفز، برفضه ربط عودة؛ “علي حاتم السليمان”، بضغوط مارسها مع أصدقاء وحلفاء له في (الإطار التنسيقي).

رسالة من “الإطار” بقدرته على خلق الأضداد..

في المقابل؛ يرى أستاذ العلوم السياسية؛ “عصام الفيلي”، خلال تصريح لموقع (العين) الإخبارية، في تلك التطورات، رسالة موجهة من قبل قوى (الإطار التنسيقي) مفادها أن لها القدرة على خلق الأضداد النوعية وضرب وحدة تحالفه في (إنقاذ وطن).

يُذكر أن زعيم (التيار الصدري)؛ صاحب الأغلبية البرلمانية، “مقتدى الصدر”؛ كان قد أمهل خصومه في (الإطار التنسيقي)؛ 45 يومًا، تنتهي بعد عيد الفطر، بتشكيل حكومة أغلبية وطنية حتى لو تطلب الأمر التحالف مع حلفائه من القوى السُنية والكُردية.

غير أن “الفيلي” يستبعد تأثير تلك التطورات على وحدة مكونات تحالف (إنقاذ وطن)، كون أن الشارع السُني كقاعدة سياسية وعقل جمعي شعبي، بات يُدرك أن التحالف مع “الصدر” ربما يُمثل مخرجًا للأزمات التي تشهدها تلك المدن، خصوصًا ما يتعلق بالمهجرين والنازحين، ولذلك فإن أي محاولات من (الإطار التنسيقي) زعزعة تحالفات القوى السُنية مع (التيار الصدري)؛ لن تكون مؤثرة.

إشغال للوقت ومناورة للضغط لا أكثر..

ويتوافق مع ذلك الرأي؛ ما ذهب إليه رئيس مركز (التفكير السياسي)؛ “إحسان الشمري”، الذي يؤكد أن: “القوى السُنية الظاهرة في المشهد قد اكتسبت موقفًا شعبيًا من قبل جماهيرها في المدن السُنية، وخصوصًا في ظل رئيس حركة (تقدم)؛ محمد الحلبوسي، وقد انعكس ذلك الأداء على رفع بعض الحيف والظلم عن سكان تلك المناطق جراء عمليات الإرهاب والتدهور الخدماتي الذي رافقها”.

ويؤكد “الشمري” أن: “عودة القيادات السُنية القديمة؛ لن يكون ذا تأثير كبير على الزعامات الحالية، وإنما إشغال للوقت ومناورة للضغط لا أكثر”.

ظاهر صحية قد تُساهم في بخلق حالة من التنافس..

كما يؤكد الخبير في الشأن العراقي؛ “علي البيدر”، في تصريح  لموقع (إرم نيوز) العراقي؛ أن: “عودة مثل تلك الشخصيات، ظاهرة صحية، وربما تُساهم بخلق حالة من التنافس داخل المكون السُني، نحو تقديم الخدمات للأهالي في تلك المناطق، ومحاولة رأب الصدع الطائفي داخل العملية السياسية، وربما أيضًا تكريس حالة جديدة من المصالحة السياسية والمجتمعية في البلاد، بل المفترض أن تتسع شريحة احتضان الجميع في المشهد السياسي بعيدًا عن التسقيط، والتسقيط المتبادل”.

لكن “البيدر”، يتحدث في تصريح عن إشكالية في تلك العودة، بأنها: “جاءت لضرب أطراف سياسية سُنية، وهي رئيس البرلمان؛ محمد الحلبوسي، وحليفه خميس الخنجر، وبعض المتحالفين معهما، وهذا ما يخلق بابًا من التنافس على الزعامة السُنية، ويقوض نفوذ بعضها”.

ويرى “البيدر”، أن: “قوى (الإطار التنسيقي)، تسعى من خلال ذلك إلى إضافة تحالف (إنقاذ الوطن)؛ عبر استعادة هكذا شخصيات”.

صفقة عودة المنفيين..

كما نقلت جريدة (البينة الجديدة) العراقية؛ عن النائب عن محافظة الأنبار؛ “فارس الفارس”، تأكيده قدوم “السليمان” إلى “بغداد”، بسبب: “وجود أصوات معارضة قوية لرئيس البرلمان؛ محمد الحلبوسي، في الأنبار”، مضيفًا أن: “أساس مجيئه تلبية لنداء جماهير في الأنبار ومجيئه ل‍بغداد تصفية لأمور قضائية”.

ووصفت جريدة (المدى) العراقية؛ عودة “السليمان” وغيره من السياسيين السُنَة، باعتبارها: “صفقة عودة المنفيين السُنّة” التي شملت، إلى جانب “السليمان”، وزير المالية السابق؛ “رافع العيساوي”. وتقول إن الصفقة قد تشمل أيضًا إطلاق سراح؛ “أحمد العلواني”، وهو نائب عن “الأنبار”؛ محكوم بالإعدام، وأن “طارق الهاشمي”؛ نائب رئيس الجمهورية السابق، والمحكوم عليه غيابيًا بالإعدام أيضًا، قد دعا إلى: “فرصة عادلة للتقاضي”.

وتقول الجريدة: “من حيث لا يعلم؛ فإن (الإطار التنسيقي) يبدو أنه قدم (هدية) إلى خصومه في (صفقة الأنبار)، التي يتهم أطراف من التكتل الشيعي بإبرامها مع شخصيات سُنية كانت (منفية) لأسباب سياسية”.

وتُضيف الصحيفة أنه: “يبقى داخل (الإطار التنسيقي) بعض التعويل على أن (الصفقة)، التي يدور الحديث حولها قد تُساهم في زعزعة التحالف الثلاثي”.

وتقول: “بحسب ما يدور في الأروقة السياسية، فإن عودة السليمان إلى واجهة الأحداث: (جاءت بصفقة من بعض قوى التنسيقي، وبدعم من إيران)”.

ردود أفعال متناقضة..

وتقول صحيفة (العرب) اللندنية؛ إن عودة “السليمان” و”العيساوي”: “تُثير تفاعلات سياسية وشعبية كبيرة على الساحة العراقية، ولاسيما السُنّية”.

وتُضيف أن تحالف (السيادة) السُنّي؛ بقيادة “الحلبوسي” و”الخنجر”: “يُحاول الظهور في ثوب الواثق من إحكام قبضته على المشهد السُنّي في العراق، وبأن عودة السليمان وقبله العيساوي؛ ليس لها أي تأثير على المشهد في المحافظات السُنية، لكن ردود الفعل المسجلة لقياداته والعناصر القريبة منه تشي بخلاف ذلك وتعكس حالة من القلق والإرتباك”.

ويقول “إبراهيم الزبيدي”؛ في الجريدة نفسها: “لا يمكن التكهن بأن؛ علي حاتم السليمان، الذي قرر؛ نوري المالكي، السماح له بالعودة إلى الوطن سيكون واحدًا من بيادق الشطرنج السُنية الجديدة التي قررت إيران أن تلعب بها لخبط الماء على: محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، وعلى مقتدى الصدر، وعلى مسعود بارزاني، بعد أن وجدت أنهم في وارد الخروج عن طاعتها، أو سيَثبُت على مبادئه وقيمه السابقة”.

بمباركة إيرانية..

وتحت عنوان: “علي حاتم السليمان.. عودة الابن الضال”، يقول “صادق الطائي”؛ في (القدس العربي) اللندنية، إنه: “مع تفاقم مأزق الانسداد السياسي في العراق، طفت على السطح ظاهرة استعادة وجوه سُنية غيبت عن المشهد منذ 2014”.

ويقول إنه قد: “دار الحديث عن صفقة بمباركة إيرانية”؛ يتم عبرها احتضان “السليمان” من قوى الإطار لمواجهة التحالف الثلاثي: “ليقدموا ضدًا نوعيًا سُنّيًا لائتلاف (السيادة) عبر دعم؛ علي حاتم، باعتباره القوة العشائرية الرسمية في الأنبار التي ستواجه نفوذ الحلبوسي”.

ويُضيف: “تبقى التوقعات مفتوحة على الدور الذي سيلعبه؛ (الابن الضال)، الذي عاد إلى لعبة التحالفات القديمة، فهل يتمكن من تقويض نفوذ تحالف السيادة؛ (الحلبوسي والخنجر)، على مناطق السُنة في الأنبار والمحافظات الأخرى ؟.. هذا ما ستُبينه الأيام المقبلة”.

لعب على المكشوف..

ويقول “علي حسين” في جريدة (المدى) العراقية: “اللعب الآن أصبح مكشوفًا، الجميع يكشفون أوراقهم على مائدة صراع المصالح والمغانم، وحولهم ائتلاف مكون من المقربين والانتهازيين وبعض الأحزاب الورقية، فيما آخرون يستعجلون قطف ثمار الكعكة كاملة الدسم”.

ويتساءل الكاتب: “لماذا تحوّل علي حاتم السليمان من متّهم مطلوب للقضاء بتهمة الإرهاب، إلى سياسي يحظى بحماية رسمية ويتجول في قصور السياسيين والمسؤولين”.

ويُضيف: “لأنني مثل كثير من أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره، لا نعرف بالضبط لماذا أخبرنا علي السليمان؛ ذات يوم بأنه سيُحرر بغداد ؟… اليوم نتساءل هل نصدق الصور التي يبتسم فيها؛ رافع العيساوي وعلي حاتم السليمان، أم نصدق قرارات الإدانة التي كانت قد صدرت ضدهم ؟.. أم سنكتشف، ولو متأخرًا، أن ما جرى هو طبخات للاستخدام وملء فراغ أدمغة الناس الحائرة ؟”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة