18 ديسمبر، 2024 11:23 م

قراءة معمقة لمضامين تغريدة الحلبوسي الأخيرة!!

قراءة معمقة لمضامين تغريدة الحلبوسي الأخيرة!!

منذ الثمانينات، كان تخصصي الغالب على كل إهتماماتي هو (تحليل مضامين التوجهات والخطب والمواقف) التي تصدر عن مختلف توجهات الدول والجهات التي تتعلق مواقفها بأمن العراق ومستقبل شعبه، والتحديات التي يواجهها البلد، وأشكر الله أنني قطعت شوطا قارب الأربعة عقود ، كرسته لتحليل مضامين تلك التوجهات ، برؤية ستراتيجية مبصرة، ونال كثير منها ثناء الآخرين من نخب السياسة والثقافة وكوادرها ، وتقديرهم، لإقترابها كثيرا من الواقع ، وتشخيصها الدقيق والمهني المحترف، لما ورد فيها من دلالات ومضامين وأهداف وتوجهات!!

وقد وجدت من الضروري أن أقف عند تغريدة رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي التي بثت فجر السادس والعشرين من نيسان 2022 ، وتزامنت مع فترة (تصعيد) شهدتها الانبار، ومع عودة بعض رموزها وشيوخها الى محافظة الأنبار للاشتراك والعمل في الواجهة السياسية لتلك المحافظة ، ولإتخاذ مواقف تليق بأهل الأنبار وبمكانتهم ودورهم الريادي، الذي يفترض أن يتخذ لوقف حالات التدهور والفوضى ومحاولات الهيمنة التي راحت تعاني منها تلك المحافظة، والتدخل الفاضح في شؤونها من جهات من خارج المحافظة، شاركت في (حملة تصعيد) غير مبررة ، وأهدافها مكشوفة النوايا ، لغرض زرع الفتنة وبعثرة وحدة الموقف (السني) الذي يتهم من جهات أخرى ظلما وجورا ، بأنه كان أحد أسباب فرقتهم وتشتت مواقفهم أزاء قضيتين مهمتين ، وهما إنتخاب رئيسي الجمهورية والوزراء ، في وقت شهدت الأنبار حالة إستقرار وبناء ، لاقت إرتياح أهليها ، وربما شعروا لأول مرة، أنهم قد أعادوا لمحافظتهم بعض هيبتها التي إفتقدتها بعد إحتلال داعش لها ، وتحكم قوى خارجية بمصائر أهل الانبار ومحاصرة أي جهد لأهلها لكي يكون بمقدورهم إعادة الحياة والإستقرار الى تلك المحافظة التي عانت ماعانت من محن التهجير والابعاد والقتل والترويع، وكان (جسر بزيبز) وقصصه المأساوية المروعة شاهدا على تلك المأساة الأليمة التي لن ينساها أهل الانبار، ربما لقرون قادمة!!

تغريدة الحلبوسي ، برغم مواقفي المختلفة مع الرجل ، هي مؤشر خطير ، يريد أن ينقذ أهل الانبار من تدخلات ومحاولت (هيمنة) ما زالت تفرض إرادتها ، لكي لايكون بمقدور أهل الانبار ، إتخاذ مواقف صلبة وقوية ، تعيد حقوق المهجرين والمغيبين والنازحين ومدنهم المهدمة، ورموزهم الكثيرة التي هاجرت، بعد أن أريد لهذه المحافظة ، أن تطأطأ رأسها وتتخلف عن قيادة البلد ، ويتم (مصادرة) قرارها السياسي الذي بدا واضحا أن المحافظة أصبحت (مسلوبة الإرادة) ، ومن المفترض أن يتحمل سياسيوها ونوابها ورموزها جميعا ، مهمة ترتيب أوضاعها واعادة هيبتها، لكي لاتحقق محاولات الهيمنة على مقدراتها، أهدافها التآمرية التخريبية، ويضيع دم أهل الأنبار ، مجددا ، بين القبائل!!

وبرغم أن التغريدة، لم تشر الى عودة الشيخ علي حاتم السليمان، أو الرموز الأخرى ، لكن (خطأ) الحلبوسي أن جرى إطلاقها في اليوم نفسه الذي عاد فيها الشيخ علي الحاتم السليمان الى الرمادي، وفيها (مضامين) قد يفهم من بين طياتها، أن هناك محاولة (قلق وتخوف) من تلك العودة، بالرغم من أن الشيخ علي السليمان لم يتطرق الى أي تصريح (سلبي) ضد الرجل، لكنه عبر عن عدم رضاه عن بعض المواقف التي تجري في الانبار حاليا، وتم فيها ربما (التجاوز) على قاماتها وشيوخها ، واحاديث آخرين عن (زعامة الحلبوسي) أو سعيه لان يكون (زعيما) لسنة العراق أو على ألاقل ضمن محافظته، بالرغم من أن (الزعامة) كما اوضحها الشيخ السليمان، لا تتعلق بمنصب وظيفي او تنفيذي ، وهو ليس (ندا نوعيا) كما صوره الآخرون، وحركوا كل تلك الحملات الظالمة من التأليب والتحريض والخداع والتلفيق واختلاق مختلف إشكال الفبركات ، التي أساءت الى رموز الأنبار دون إستثناء، وكأن ليس من حقهم ان يعودوا الى محافظتهم، او يكون لهم (دور ريادي) للإسهام مع رموز ساستها في ان تتخلص المحافظة من تركات ( تغييب ) لشخصياتها ورموزها، كان من المفترض عدم القفز فوق تلك القامات، كونها لها تأريخ ضارب في أعماق تلك المحافظة، وليس بمقدور كائن من يكون أن يبخس حق رموزها في العودة الى محافظتهم، متى شاءوا!!

أقول ان تغريدة السيد الحلبوسي ، كانت قد أشرت ( مخاوف مشروعة) ليس لها علاقة بعودة السليمان أو غيره، وإن اتخذ الحلبوسي خطوات وقرارات مؤخرا، فهم منها (البعض) أنها بالضد من عودة السليمان ، وكانت الخطوة ضد النائب ليث الدليمي، ليس لها ما يبررها على الإطلاق، لمجرد انه زار شيخا مؤثرا ، وهو قامة مهمة يعرفها كل أهل الانبار، وهو (شيخه) من عشيرته ، ويفترض أن يكون الحلبوسي أول من إستقبل السليمان، وأخفى على الاقل ، كل (نوايا كامنة سلبية) له ضد الرجل، وكان يفترض أن يرحب بعودته، ويصدر بيانا، يعبر فيه عن سعادته بعودة رموز الأنبار، ويعدها (فاتحة خير وأمل) ، من أجل (ترطيب الأجواء) بين الرجلين، ولإزالة حالات الجفاء بينهما، إن وجدت ، ولكان (رصيد) الحلبوسي قد صعد كثيرا لو إتخذ خطوة (ترحيبية) من هذا النوع ، لا أن يعبر بين ( ثنايا) تغريدته عن ( مخاوف) ليس لها ما يبررها ، إن وجد رموز الانبار أن السيد الحلبوسي سيكون أكثر سعادة، لو عاد مشايخ الأنبار، وسيكونون ( عونا له )، لا ( عونا عليه )!!

أما ( المخاوف ) التي عبر عنها السيد الحلبوسي من خلال التغريدة ، فهي ( مخاوف خارجية مشروعة) ، ويتعاطف معها أغلب اهل الانبار، وباقي رموز المحافظات الأخرى، عندما أشار الى ” إننا سنتخذ مواقف جدية وحدية بمجمل المشاركة في العملية السياسية، نظراً لتحكم المسلحين الخارجين عن القانون، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الإجتماعي، إذ لا يمكن أن تُبنى دولة بدون العدل والعدالة، ولا يُحترم فيها حق المواطن في العيش الكريم”.

وكذلك إشارة الحلبوسي إلى أنه “سيُحاسب عاجلاً أم آجلاً كل من أجرم بحق الشعب ونهب ثرواته وغيّب رجاله، وقتل واعاق شبابه وهم يطالبون بحقوقهم، وآخرين هجرهم من ديارهم، وأودع أبرياء بدلاً من مجرمين تم تهريبهم من السجون في وضح النهار”!!

بل أن (مقدمة) تغريدة الحلبوسي ، كانت من وجهة نظري (غير موفقة) ، حين وضعها في مقدمة التغريدة، عندما أشار الى أن “العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يُصنف الإستهتار بأمن المواطنين، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب تحت أي سبب كان على أنه مناورة أو ضغط سياسي”.. وهنا نود أن نؤكد أنه في ظل العملية السياسية الحالية، لن تعد هناك (ثوابت واخلاقيات) لأن السياسة أصلا ليس من مهمتها الإهتمام بـ (الأخلاقيات) ، وهي أقرب الى ( صالوات البغاء ) من أن تكون مكانا للفضيلة ، واصبح مفهوم السياسة يرتبط بـ ( النخاسة) و ( المصالح الأنانية) الضيقة ، أكثر من إهتمامها بقيم أو مقدسات، بعد أن اوصل ساسة البلد شعب العراق الى ان مفهوم (الأخلاقيات) ضاع وهدر دم الكثيرين من ابناء هذا الشعب، ولم تعد لهم كرامة ،عندما ضاع دم الكثيرين منهم بين القبائل!!

ولو أراد السيد الحلبوسي أن يكون له (مكانة افضل) بين أهله وربعه، لأسهم في إعادة (علية القوم) ومن كانوا (رموزا سياسية عليا) ومؤثرة في ( القرار السني ) ، ووضعهم في مقدمة مطبخه السياسي وهم رجال سياسة على عدد أصابع اليد الواحدة، ولهم دراية وخبرة بدهاليز السياسة وألعلايبها، يرسمون له معالم الستراتيجية المطلوبة لأي تحرك لإنقاذ محافظات هذا المكون المسلوب الإرادة ، لا أن يسهم بـ (تغييبهم) أو إبقاءهم (خلف الواجهات) ، وهو الذي لم يرتض أن يتعامل معهم كـ (إبن شاب) يتلقى منهم النصائح والإرشادات التي ترفع من قدره هو أمام الآخرين ، ورفض أن يكون كبار القوم ، وهم (أهل الحل والعقد) ، أساس (مطبخ الزعامة الأكبر) الذي يضع له (ستراتيجية الإنقاذ) أمام غول جهات سياسية كثيرة تريد إبتلاعهم الواحد تلو الآخر، لكي (تستفرد) بالأصغر منهم، وتعد العدة للإيقاع به ، في أول فرصة تسنح أمامهم، وهو مايجري الان، بكل وضوح، وظهر الحلبوسي وكانه ( وحيد ) ليس له من يناصره أو يقف بوجه من يستهدفه، عندما تدلهم المحن!!

وليس (عيبا) أو (نقصا) في الكفاءة، لاسمح الله، أن يراجع أي سياسي مواقفه ، أو يعيد تصحيحها مع ربعه ورموز ساسته المؤثرين ، ويكون بين (علية القوم) شامخا أبيا مهابا، لايخشى في الحق لومة لائم، عندما يضع له رموزه الكبار خطة تحرك ناجحة وصائبة ، ويكون عندها وبمقدوره، إتخاذ القرار الصحيح والصائب، الذي يرفع من قدر أهله ومحافظاته، وقدره هو ، وليس بمقدور الآخرين أن ينالوا منه أو يحركوا جهات الشرق والغرب، وأبواقهم الدعائية المضللة ، لتنهال عليه، ويبقى هو (الوحيد) في الساحة بين الذئاب المفترسة، لاحول له ولا قوة، تترقب فرصة الإنقضاض عليه، وهو ما لا يأمله الكثيرون أن يتصرف السيد الحلبوسي على تلك الشاكلة!!