عشية انفراط عقد الاتحاد السوفيتي،وتفشي الفوضى في مرافق الدولة كافة،بانعدام الأمن، وسطوة عصابات المافيا على المصانع والمعامل والمؤسسات، وصولا الى خصخصتها،تعرضت شركة الطيران السوفيتية الشهيرة (ايروفلوت) الى النهب ، وسادت في ارجائها، روح انعدام المسؤولية واللامبالاة، الى حد بات التحليق على متن طائرتها، يعادل تذكرة لملاقاة الموت.
وصادف اننا عشنا في عمارة، أتضح ان عددا من ساكنيها، يعملون في الشركة الحكومية، مضيفات وطيارون، ومهندسون، وصرنا، نسمع أنباء الكوارث من المصادر الاصلية، ونتعرف على حجم المآسي التي حلت بمئات وربما الاف الاشخاص ممن فقدوا قريبا او عزيزا في رحلة اللاعودة.
ومن بينهم اسرتا مضيفتين، كانتا تعيشان في المبنى السكني المتواضع آنذاك، وقبل ان تتفجر ثروات روسيا عن مبان وعمارات فاخرة للنخبة اللصوصية،بعد ان هيمنت على مقدرات البلد بين عشية وضحاها.
باتت أنباء الكوارث الجوية في روسيا، خبرا مألوفًا كنشرة الانواء الجوية، حقبة تسعينيات القرن الماضي، وهو عقد شهد أكبر عملية خصخصة في التأريخ الحديث، أنتقلت خلاله ممتلكات الدولة العظمى الى حفنة من المضاربين؛بناء على سيل من قرارات المخمور بوريس يلتسين،اول رئيس لروسيا بعد الحقبة السوفيتية . ووصل الأمر وفق اعترافات الجنرال الكسندر كورجاكوف حارسه الخاص، ان عرّاب الخصخصة اناتولي تشوبايتس، كان يحمل للرئيس مراسيم الخصخصة،اثناء لحظات الصحوة، وان يلتسين، ثقيل الرأس كان يبصم دون ان يقرأ او يفهم ما على الورق، مكتفيا بايجاز من ( الخادم الامين) اناتولي.
وبهذا تم وفقا لشهادة كورجاكوف، خصخصة عشرات آلاف المؤسسات التي بنيت بعرق ودماء الشعوب السوفيتية، شعوب روسيا وأوكرانيا وبيلاروس وشعوب القوقاز واسيا الوسطى السوفيتية.
واذ لعب دهاقنة خصخصة شركة الطيران العملاقة( ايروفلوت) بممتلكاتها، وفرخوا عشرات الشركات من رحم ( الايرفلوت) فان المدراء اهتموا أولًا واخيرا بالاثراء على حساب الدولة، ولم يفكروا ولو للحظة،بتطوير صناعة الطيران في بلد كان أول من أطلق انسانا الى الفضاء.
” لقد دفنوا الصناعة الوطنية للطيران، ولجأوا الى تأجير طائرات من شركات أجنبية، تعمل منذ ثلاثة عقود، ولتذهب أموال روسيا الى الخارج،ينعم بها المدراء؛ ويقتنوا العقارات واليخوت ويكتنزوا المال في اوروبا”.
يقول الطيار الروسي أندريه ليتفينوف متحدثا باسى لقناة( ارتي في اي نوفوستي) شبه الرسمية.
ويضيف:
” اليوم برزت المشكلة باقسى تجلياتها، بعد فرض العقوبات على روسيا”. ويقول:
“في روسيا 970 طائرة مدنية لنقل الركاب 750 منها بوينغ وايرباص منها 515 مستاجرة مباشرة من شركات اجنبية، والباقي مستاجرة من شركات روسية كانت بدورها استاجرتها من بوينغ وإيرباص.
وبسبب العقوبات، طالبت هاتان الشركتان اعادة طائراتها المستأجرة، فامتنعت الحكومة الروسية بحجة ان العقوبات غير مشروعة، وعندها سحبت إيرباص وبوينغ، الترخيص ولم يعد بامكان الطيران الروسي التحليق في غير الاجواء الروسية، لان كل الطائرات وضعت تحت طائلة المصادرة في جميع الدول”.
ويرى الطيار بخبرة اربعة عقود من العمل والتحليق، ان المشكلة التي تواجه رحلات الطيران الداخلية ستتفاقم، على الرغم من توفر الطائرات المصادرة من قبل روسيا؛ بسبب عدم توفر قطع الغيار والتي ستحرم مصانع ايرباص وبوينغ شركات الطيران الروسية منها؛ بما في ذلك من دولة ثالثة، لان من يتورط في التعامل مع ايروفلوت وبناتها، سيوقع نفسه تحت طائلة العقوبات.
ويؤكد الطيار، بالم، ان ثلاثة عقود من اهدار الثروة على تاجير طائرات؛ كانت ستبنى صناعة طيران وطنية، تضاهي أحسن الصناعات العالمية، ولا تقل جودة عن إيرباص وبوينغ.
” لكن الخونة الذين استولوا على مقدرات البلد، باعوه لحساباتهم وارباحهم الخاصة”.
يرسم الطيار النجيب أندريه ليتفينوف، صورة قاتمة عن مستقبل الطيران في روسيا، ويعتبر ما يجري أحد اسوء النماذج عن سوء الإدارة وتفشي الفساد؛ في بلد يواجه تحديات عسكرية وجيوسياسية يقول الطيار الذي لف العالم ساعات بعدد شعر راس فتاة في مقتبل العمر كما يقال،يحتاج الى مخلصين،ليس الى محصلي ثروات فاحشة.
ويشير الى ان القائمين على الصناعة ، لم يبذلوا ابسط الجهود لتطوير صناعة الطائرات الروسية من طراز توبوليف وغيرها، وكان لها ان تتفوق على منافساتها، لو توفرت النية الصادقة.