24 فبراير، 2025 9:34 ص

هل نزل القرآن بلهجة “قريش” ؟

هل نزل القرآن بلهجة “قريش” ؟

خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :

إنّ القرآن الكريم هو رسالة عالمية جاءت لتخاطب الناس أبيضهم وأسودهم، يقول الله تعالى: {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيرًا ونذيرًا}، يعني الرسول “محمّد” (ص) بُعث إلى الناس كافة، وهل كلمة الناس كافة، تشمل شبه الجزيرة العربية كلّها، أو تشمل بلاد فارس والروم ؟.. يبقى السؤال مطروحًا إلى أجلٍ غير مسمّى، والواضح أنّ القرآن نزل بلسان عربي مُبين ليخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبيّن لهم}، اللسان الذي أنزل به القرآن هو اللسان العربي المُبين، ويشمل كلّ اللهجات العربية المنتشرة بين القبائل في شبه الجزيرة العربية، فهل القرآن أنزل بلهجة “قريش” ؟.. أم شمل كلّ اللهجات الأخرى وهذا ما سنراه في هذا البحث.

إنّ حروف القرآن في أوّل عهدها لم تكن منقوطة ولم تُضبط بالشكل، وتمّ وضع النقاط على الحروف وضبط الحروف بالشكل في العصر الأموي على يد “الحجاج بن يوسف الثقفي”؛ الذي رمى الكعبة بالمنجنيق عندما تولى قتال “عبدالله بن الزبير”؛ الذي اعتصم بالكعبة وأعلن نفسه خليفة للمسلمين لمدة عشر سنوات؛ حتّى تمّ القضاء عليه على يد “الحجاج بن يوسف الثقفي”، هذا الشخص أقصد “الحجاج بن يوسف الثقفي” لم يحترم قدسية الكعبة وانتهك حرمتها، هل سيحترم قدسية القرآن ويُحافظ عليه، كما حافظ على ملك خليفته الأموي؛ “عبدالملك بن مروان”، وهناك القرآن المفقود؛ والذي تمّ حرقه على يد الخليفة الراشدي الثالث؛ “عثمان بن عفّان”، وهو الذي ابتكر الرسم العثماني الذي يوافق لهجة “قريش”، فالقرآن الكريم جاء ليُخاطب الناس في أرجاء المعمورة، فهل تكفيه لهجة “قريش” لكي يُخاطب بها الناس كافة في كل عصر وفي كل مصر، فالقرآن رسالة عالمية ويجب أن تكون لغته لغة عالمية، إلى الآن لا نستطيع أن نترجم القرآن إلى لغات أجنبية أخرى كاللغة الفرنسية واللغة الإنكليزية واللغة الألمانية واللغة الإسبانية واللغة الإيطالية، نحن نترجم المعاني فقط ومعاني القرآن لا تحدّها حدود، ترجم المستشرق الفرنسي ابن مدينة “فرندة”؛ “جاك بيرك”، معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية، وترجم كذلك المستشرق الفرنسي؛ “بلاشير”، معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية، وحاول كذلك المستشرق الإسباني؛ “أسين بلاثيوس”، أن يُترجم معاني القرآن إلى اللغة الإسبانية، وحاول كذلك المستشرق الإيطالي؛ “نللينو”، أن يترجم معاني القرآن إلى اللغة الإيطالية، وحاول كذلك المستشرق الألماني؛ “كارل بروكلمان”، أن يترجم معاني القرآن إلى اللغة الألمانية، ولكن كلّ هذه المحاولات قد باءت بالفشل، لأنّ معاني القرآن مفتوحة الدلالة ولا يمكن للمترجم أن يحصرها في معاني محدّدة، لأنّ اللغة العربية بحر زاخر ما له ساحل، أمّا اللغات الأجنبية فألفاظها ومعانيها محدودة.

في القرآن الكريم نجد لهجات شتّى ولغات عديدة، نلمسها من خلال تتبعنا لمعنى الكلمات في الكتاب المقدّس، فكلمة: “يس” تعني بلهجة قبيلة “طيّء”: يا أيها الإنسان، وكلمة: “الأبّ” تعني بلهجة قبيلة “الحجاز”: الكلأ والعشب، وكلمة: “اللّهمّ” تعني باللغة العبرية: إلوهيم، وكلمة: “روح” تعني باللغة العبرية: “رواخ”، وكلمة: “نفس” تعني باللغة العبرية: “نفش”، وكلمة: “الفردوس” تعني بالفارسية: الجنّة، وكلمة: “الشيطان” تعني باللغة اللاتينية: ساتان، وكلمة: “مشكاة” تعني باللغة الحبشية: مصباح، وكلمة: “كتاب” تعني باللغة التركية: كتاب، وكلمة: “مريم” تعني بالسريانية: مرتفعة.

يبدو أنّ القرآن الكريم الذي أنزل بلسان عربي مُبين لا يعني ذلك بأنّه أنزل باللغة العربية وبلهجة “قريش”، بل نقصد بلسان عربي مُبين هو أنّ هذا القرآن جاء ليجمع كلّ اللهجات وكلّ اللغات في بوتقة واحدة وهي اللسان العربي المُبين، يقول “إبراهيم أنيس”؛ في كتابه: (أسرار العربية)، ما يلي: “اللغة لهجات والبقاء للأقوى”، ومن هنا يتضح لنا بأنّ القرآن الكريم هو كتاب عالمي جاء ليُخاطب الناس بما يفهمون من لغات ولهجات، الشعر الجاهلي صعب في معانيه وخاصة “لامية الشنفرى”، والقرآن سهل في معانيه، ولكنّ المفسرين القدامى كـ”الطبري” و”ابن كثير” كانوا عندما يريدون شرح مفهوم آية يعودون إلى عيون الشعر الجاهلي حتّى يظفروا بدلالة تلك الكلمة في القرآن.

حتى الرسم القرآني خرج عن المألوف، فنجد كلمة الصلاة تكتب هكذا: “الصلوة”؛ وكلمة الزكاة تكتب هكذا: “الزكوة”؛ وكلمة رحمة تكتب هكذا: “رحمت” بالتاء المفتوحة؛ وكلمة مشكاة تكتب هكذا “مشكوة”، وهذا يعني بأنّ القرآن كتب بالخطّ السرياني الذي كان سائدًا في شبه الجزيرة العربية، أمّا الخطّ العربي فهو الخطّ السائد الآن والذي تطوّر عن الخطّ السرياني الذي كان بدون إعجام (وضع النقاط على الحروف) وبدون ضبط (وضع الضمة والفتحة والكسرة)، فالقرآن ليس كتابًا سريانيًا بل هو كتاب عربي مُبين دوّن بخطّ سرياني.

فالرسول كان يتلقى معاني الآيات من “جبريل” عن ربّ العزّة ويُعيد صياغتها بأسلوبه الخاص، وكان له كتبة للوحي؛ كـ”زيد بن ثابت”، الذي طلب منه الرسول أن يتعلّم اللغة العبرية حتى يتسنى له الإطلاع على التوراة؛ (الكتاب المقدس)، في لغتها الأصلية، وكان “ورقة بن نوفل”؛ قد ترجم التوراة (الكتاب المقدس) إلى اللغة العربية، وكان النبي “محمّد” (ص) يُجالسه كثيرًا وفهم عنه حقيقة الدين اليهودي وحقيقة الدين النصراني، فالنبي “محمد” لم يعبد قبل نبوته الأصنام، بل أعتنق الحنفية السمحاء؛ لأنّه رآها هي الدين المناسب له وهو دين جدّه “إبراهيم” أبي الأنبياء، وقبل نبوته كان يُجالس “حبر الرومي”؛ وهو نصراني، وهو الذي أطلعه على “الإنجيل” الذي يُبشّر بظهور نبيّ من العرب إسمه؛ “فارقليط”، ومعناه “المعزّي” أو “المحمود”.

كانت النبوة في بني إسرائيل، وشاء الله أن يختم النبوة بـ”محمد” القرشي (ص) العربي وجعل أمّته خير أمة أخرجت للناس بعد أن كان اليهود هم شعب الله المختار، لذلك حسد اليهود النبي “محمدًا” ولم يتبعوه بل تآمروا عليه وقتلوه بالسم وحادثة الشاة المسمومة التي أكل منها الرسول وهو في “خيبر” معروفة في كتب الحديث والسيرة والتاريخ، والنصارى كذلك حسدوا النبي “محمدًا” ولم يتبعوه رغم أنّ الإنجيل بشّر بقدوم رسول من العرب وما على بني إسرائيل إلاّ إتباعه والخضوع له، لم يتبعه سوى “النجاشي”؛ ملك الحبشة الذي أسلم وبكى بكاء حارًّا عندما سمع مطلع سورة “مريم”؛ التي تصف النبي “عيسى” بأنه عبد الله ورسوله وليس ثالث ثلاثة وليس هو ابن الله كما زعم النصارى المهرطقون، وعندما مات “النجاشي” صلّى عليه الرسول صلاة الغائب، فـ”محمد” في المرحلة المكية كان متسامحًا مع اليهود والنصارى ووصفهم بأنّهم أهل الكتاب، فاليهود لهم التوراة التي أنزلت على “موسى” في ألواح دفعة واحدة، والنصارى لهم الإنجيل وهو “إنجيل برناب”؛ الذي لم يحرّف وهذا الإنجيل (إنجيل برناب)؛ هو الإنجيل الصحيح الذي يبشّر بقدوم نبي من العرب إسمه: “فارقليط” أو “بارقليط” ومعناه هو: المعزّي أو المحمود.

شاء الله أن تكون النبوة في البيت الإبراهيمي، ومن هذا البيت المبارك خرج الدين اليهودي والدين النصراني والدين الإسلامي وكلّها تدعو إلى عبادة إله واحد، الإله “يهو” عند اليهود،والإله المتجسد (يسوع) عند النصارى، والإله الواحد الأحد عند المسلمين، وجاء الإسلام ليكمّل الأديان الإبراهيمية التي سبقته وهذا في المرحلة المكية، أمّا في المرحلة المدنية فالخطاب القرآني تغيّرت لهجته لأن اليهود والنصارى لم يتبعوا “محمّدًا” ولم يبايعوه على دينه الجديد وهو الإسلام، يقول الله في القرآن: {إنّ الدين عند الله الإسلام}، ويقول أيضًا: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.

وخلاصة القول: إنّ القرآن الكريم هو كتاب كوني عالمي، جاء لكي يُساهم في البناء الحضاري للإنسان المسلم الذي يُحاول أن يقرأ نواميس الكون قراءة علمية عرفانية، فالإنسان هو إبن الطبيعة الذي يُحاول أن يتماهى مع الأشياء التي تحيط به من كلّ جانب، وبالتالي يتسنى له أن يعرف أسرار الكون ويفكّ شيفراته، جاء القرآن لكي يوحّد الخطاب الكوني الإلهي الذي يساهم في صناعة الإنسان المفكّر الحداثي التنويري الذي يخدم مجتمعه خدمة إنسانية، إنطلاقًا من نواميس الكونية والمعرفية التي خطّها الله في قرآنه لكي يتواصل مع البشر أبيضهم وأسودهم ويحقّق مفهوم الإنسان الكامل في القرآن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة