الطريق إلى “الإليزيه” .. “ماكرون” و”لوبان” وجهًا لوجه في مناظرة باهتة لا تقدم جديد للفرنسيين !

الطريق إلى “الإليزيه” .. “ماكرون” و”لوبان” وجهًا لوجه في مناظرة باهتة لا تقدم جديد للفرنسيين !

وكالات – كتابات :

لم تقدم المناظرة التلفزيونية بين: “إيمانويل ماكرون” و”مارين لوبان”، الكثير من المفاجآت، ولا تزال نتيجة جولة الحسم في الانتخابات الرئاسية في “فرنسا”؛ مفتوحة على الاتجاهين، رغم الأفضلية النسبية للرئيس المنتهية ولايته.

كان المنطق قد فرض نفسه على نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في “فرنسا”، التي أجريت الأحد 10 نيسان/إبريل الجاري، وتأهل “إيمانويل ماكرون” و”مارين لوبان”؛ لجولة الإعادة، المقررة الأحد 27 نيسان/إبريل.

وتصدر “ماكرون” قائمة المرشحين: الـ 12، بنسبة: 27.6% من إجمالي الأصوات، وجاءت زعيمة اليمين المتطرف؛ “لوبان”، في المركز الثاني بنسبة: 23.4%، وفي المركز الثالث جاء مرشح أقصى اليسار؛ “جان لوك ميلنشون”، الذي كان بالفعل واحدًا من أبرز المرشحين، وحصل على: 22.2% من الأصوات، بينما حل اليميني المتطرف؛ “إيريك زمور”، رابعًا بنحو: 7%.

أي أن مرشحي اليمين المتطرف وأقصى اليسار قد حصدوا أكثر من نصف الأصوات في الجولة الأولى، التي تنافس فيها: 12 مرشحًا، وترى بعض التحليلات أن تلك إشارة غير إيجابية بالنسبة لـ”ماكرون”، لكن استطلاعات الرأي تضعه في المقدمة؛ وإن كان الهامش بينه وبين مرشحة اليمين المتطرف؛ “مارين لوبان”، أقل كثيرًا هذه المرة، مقارنة بالانتخابات السابقة، التي فاز خلالها “ماكرون” في جولة الحسم بنسبة: 66.1% على حساب “لوبان” أيضًا.

كيف جاءت أجواء المناظرة ؟

قبل بداية المناظرة التلفزيونية الوحيدة بين: “ماكرون” و”لوبان”، والتي جرت مساء الأربعاء 20 نيسان/إبريل 2022، جرت كثير من المساومات خلف الكواليس، بدءًا من الاتفاق على درجة حرارة الغرفة إلى اللجوء إلى عُملة، لتحديد بأي موضوع ستبدأ المناظرة، وجاءت النتيجة لصالح تكاليف المعيشة، ثم إجراء قرعة بالعُملة أيضًا لتحديد من الذي سيتحدث أولاً، وفازت “لوبان”، بحسب تقرير لوكالة (رويترز) للأنباء.

وتقدم هذه الانتخابات للفرنسيين رؤيتين متعارضتين لبلادهم، إذ يُقدم “ماكرون” برنامجًا ليبراليًا مؤيدًا لـ”أوروبا”، بينما تأسس برنامج “لوبان” القومي على شكوك عميقة تجاه “أوروبا”.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة (أوبنيان واي-كيا بارتنرز)؛ لصالح صحيفة (ليزيكو)، أن حوالي: 14% من الناخبين كانوا ينتظرون المناظرة لتحديد من سيصوتون له، بينما قال: 12% إنهم سيحسمون أمرهم إذا كانوا سيصوتون من الأساس.

تخللت المناظرة، وهي الوحيدة بينهما في هذه الانتخابات، عبارات مثل: “لا تقاطعني”، واتهامات من كل طرف إلى الآخر بأنه غير مؤهل لقيادة “فرنسا”، التي تملك حق النقض؛ (فيتو)، في “مجلس الأمن”، التابع لـ”الأمم المتحدة”، وثاني أكبر قوة اقتصادية في “أوروبا”.

وقال “ماكرون”؛ لـ”الوبان”: “كُفي عن خلط الأمور ببعضها”، وذلك خلال نقاش مُحتدم حول ديون “فرنسا”، التي تضخمت مثل ديون الدول الأخرى بسبب التدابير التي اتخذت للدعم بسبب الجائحة. وردت “لوبان”، التي تجنبت الزلات التي وقعت فيها في مناظرة سابقة؛ في انتخابات 2017، قائلة لـ”ماكرون”: “لا تُعطني دروسًا”.

ومع انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له في: 13 عامًا، قال “ماكرون” إنه فخور بخلق فرص عمل خلال فترة ولايته، وأضاف: “أفضل طريقة لاكتساب القوة الشرائية هي محاربة البطالة”.

وظل المرشحان يتبادلان الاتهامات بالفشل في التجاوب مع مخاوف الناخبين الحقيقية، إذ قالت “لوبان” إن مقترحاتها: “في الحياة الواقعية”. وقالت: “سأجعل الأولوية القصوى بالنسبة لي خلال السنوات الخمس القادمة؛ أن أعيد للفرنسيين أموالهم”، وأضافت أن الفرنسيين: “عانوا” في فترة ولاية “ماكرون”.

موقف كل منهما من المسلمين..

عندما حان وقت الحديث عن موضوع: “العلمانية”، قالت “لوبان” إن الموضوع الأهم هو: “الإرهاب الإسلاموي”، داعية إلى المصادقة على قانون ضد الإيديولوجيا الإسلاموية، كما طالبت بمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، بحسب (فرانس24).

أما “ماكرون” فقد ردّ بالقول إن منع الحجاب في الشارع سيتسبب في حرب أهلية، مؤكدًا أن “فرنسا” بلد الأنوار ستكون بهذا القرار أول بلد في العالم يمنع الرموز الدينية في الشارع.

وحقيقة الأمر هي أن المسلمين في “فرنسا”، وهم يُمثلون نحو: 10% من السكان، يواجهون التحدي الأصعب على الإطلاق، عندما يحين موعد التصويت في جولة الحسم، إذ سيكون عليهم الاختيار بين: “ماكرون” و”لوبان”، وكلاهما خيار: “سييء” للغاية.

فقضية تأثير الإسلام على المجتمع الفرنسي؛ كانت قد أصبحت ملفًا رئيسًا من ملفات الانتخابات الرئاسية، بعد أن ذهبت “فرنسا” أبعد من أي بلد غربي آخر في مواجهة ما تُسميها: “التيارات الراديكالية” داخل الإسلام، وتبارى المرشحون للرئاسة في المزايدة على كيفية فرض: “نسخة فرنسية” من الإسلام.

ورصد تقرير لـ (رويترز) المأزق الذي يواجهه “مسلمو فرنسا”، في انتخابات عليهم أن يختاروا بين مرشح أثار غضب المسلمين حول العالم أجمع، وليس في “فرنسا” فقط، عندما قال إن: “الإسلام دين يعيش أزمة عالمية”، واعتبر إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول حرية تعبير، وبين مرشحة اليمين المتطرف التي عادت خلال المناظرة إلى التأكيد على سعيها لمنع الحجاب في الأماكن العامة، رغم أنها قد تراجعت قبل أيام عن ذلك المقترح.

فمنذ أن اعتنقت “ليزا ترواديك” الإسلام، وبدأت في ارتداء الحجاب قبل عقد تقريبًا، تقول إنها تعرضت في “فرنسا” لإساءات لفظية ونظرات مهينة ومضايقات أحيانًا أثناء سيرها في الشارع. وتخشى “ليزا” من أن يزداد الشعور بالاغتراب، الذي يُسيطر عليها، عمقًا، إذا فازت زعيمة اليمين المتطرف؛ “مارين لوبان”، بالرئاسة.

وقالت “ليزا”؛ لـ (رويترز)، إن إصرار “لوبان” على منع المسلمات من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة؛ سيكون تفرقة ضد المسلمات مثلها، ممن يلتزمن بالقيم العلمانية لـ”فرنسا”، وأضافت السيدة التي تُدير مركزًا لرعاية الطفل في “باريس”: “أنا خائفة بحق من أن تفوز لوبان… إذا حدث ذلك لا أعرف كيف سيبدو شكل الحياة في اليوم التالي”.

وعلى أمل إبقاء “لوبان” بعيدًا عن السلطة ستصوت لـ”ماكرون”، ولكن على مضض، خاصة أن سِجله في التعامل مع دينها أقنعها بأن الشعور المعادي للمسلمين في تزايد في “فرنسا”. وتدعم البيانات هذا الشعور، وتُظهر أرقام صادرة عن “وزارة الداخلية” ارتفاعًا حادًا في الأفعال العنصرية والمسيئة للمسلمين؛ في 2021، رغم تراجعها بحق معتنقي ديانات أخرى.

وشبهت “ليزا” الاختيار بين: “لوبان” و”ماكرون”، في الانتخابات الرئاسية؛ بأنه: “اختيار بين رُهاب الإسلام و.. رُهاب الإسلام”، وهو ما يعني أن التصويت لـ”ماكرون” خيار مُر؛ لكن لا مفر منه.

وتعهد “ماكرون” بأنه سيواصل مكافحة ما يصفه بأنه: “النزعة الانفصالية الإسلامية” والدفاع عن العلمانية الفرنسية، التي يقول إنها تسمح لكل المواطنين بممارسة شعائر دياناتهم بحرية، ويقول إنه ضد حظر ارتداء الرموز الدينية في الأماكن العامة.

وتُريد “لوبان” حظر الحجاب في الأماكن العامة، دون أن تحظر باقي الرموز الدينية مثل: القلنسوة اليهودية. وتعهدت بمحاربة: “الإيديولوجيات الإسلامية” التي تصفها بأنها: “شمولية”.

وعلى مدى السنوات الخمس المنصرمة، مررت حكومة “ماكرون” سلسلة من القوانين والإجراءات التي قالت إنها لمواجهة التطرف الديني وللحفاظ على القيم العلمانية للبلاد، لكن تلك القوانين والإجراءات خلفت عند الكثير من المسلمين؛ مثل “ليزا”، شعورًا بأن رُهاب الإسلام؛ (الإسلاموفوبيا)، في تنامٍ.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن من غير المُرجح فوز “لوبان”؛ يوم الأحد، لكنه ليس مستحيلاً. وفي مسجد في “ليون” يقول أحد المصلين؛ (42 عامًا)، إن الكثير من المسلمين الذين يعرفهم سيجدون أن من الصعب عليهم تقبل التصويت لـ”ماكرون”، حتى وإن كان في رأيه التصويت ضد اليمين المتطرف هو ما يقتضيه التعقل.

هل حسم “ماكرون” الفوز بفترة ثانية ؟

كان ملف الهجرة أحد الملفات الرئيسة في المناظرة، واقترحت “لوبان” إجراء استفتاء حول ملف الهجرة، مع إقرار: “طرد المجرمين والمنحرفين الأجانب والتخلي عن حق الأرض، ووضع حد لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، وإصلاح نظام (شينغن)”.

أما “ماكرون”؛ فقال إنه تجب مواصلة حماية الناس الهاربين من بلادهم بسبب وجود خطر على حياتهم، مؤكدًا على حاجة “فرنسا” للهجرة الاقتصادية النظامية. وبخصوص الهجرة غير الشرعية يُريد “ماكرون” إصلاح نظام (شينغن)، لأن “فرنسا”: “ليست نقطة وصول لشبكات تستغل آلام الناس”. ونظام (شينغن) هو التأشيرة الموحدة الخاصة بـ”الاتحاد الأوروبي”.

وخلال المناظرة؛ شنّ “ماكرون” هجومًا عنيفًا على “لوبان”، ووصفها بأنها عبدة للرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، بسبب حصول حزبها على قرض قبل أعوام من بنك روسي، كما اتهمها بأن لديها رغبة غير منقوصة في إخراج “فرنسا” من “الاتحاد الأوروبي”.

لكن بالنسبة إلى “لوبان”، التي تتأخر عن “ماكرون” في استطلاعات آراء الناخبين؛ بفارق: 56 – 44%، فإن المناظرة كانت فرصة لإقناع الناخبين بأنها تتمتع بالمكانة التي تجعلها رئيسة، وبأنهم لا ينبغي لهم الخوف من رؤية اليمين المتطرف في السلطة.

لكن استطلاعًا سريعًا للرأي، أجرته شركة (إيلابي) لصالح محطة (بي. إف. إم) التلفزيونية، أظهر أن: 59% من المشاهدين الذين شملهم الاستطلاع يرون أن “ماكرون” كان أكثر إقناعًا عن “لوبان” خلال المناظرة، لكن من غير الواضح كيف ستُترجم هذه النتيجة في اتجاهات التصويت يوم الأحد.

وفي 2017؛ خلص استطلاع رأي أجرته الشركة نفسها إلى أن: 63% من المشاهدين وجدوا “ماكرون” أكثر إقناعًا. وتُظهر تقديرات التصويت في الانتخابات؛ المقرر عقدها في 24 نيسان/إبريل، أن “ماكرون” سيفوز بنحو: 55.5% من الأصوات. وهزم “ماكرون” منافسته؛ “لوبان”، في انتخابات 2017، بحصوله على: 66.1% من الأصوات.

وكانت أقوى نقاط الهجوم لدى “ماكرون”؛ القرض الذي حصل عليه حزب “لوبان”، لحملتها في انتخابات 2017، من بنك روسي. وقال “ماكرون” لمنافسته: “أنتِ تعتمدين على القوة الروسية، وتعتمدين على السيد بوتين”.

وأضاف في هجوم على مواقف “لوبان” السياسية: “يمكن تفسير الكثير من خياراتك من خلال هذا الاعتماد”. وقال إنه لا يزال من بين تلك المواقف: “مشروع لا تجرؤ على الإفصاح عنه”، بإخراج “فرنسا” من “الاتحاد الأوروبي”، الذي يضم: 27 دولة.

ونفت “لوبان”، التي خففت من نبرة خطابها الذي كان معارضًا بشدة لـ”الاتحاد الأوروبي”، في محاولة لزيادة استمالة الناخبين، كلاً من الاتهام بأنها تُريد الانسحاب من “الاتحاد الأوروبي”، وبأنها مهددة سياسيًا بسبب قرض البنك الروسي. وقالت: “أنا امرأة حرة ومستقلة تمامًا”.

الخلاصة هنا هي؛ أن “ماكرون” يبدو في طريقه للفوز بفترة رئاسية ثانية، وسيكون أول من يفعلها منذ؛ “جاك شيراك”، قبل أكثر من 16 عامًا، لكن تظل المفاجآت واردة، خصوصًا أن الفارق مع “لوبان” أقل كثيرًا مما كانت عليه الأمور في الانتخابات الماضية، كما أن نسبة الإقبال يوم الأحد ستكون عاملاً حاسمًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة