وكالات – كتابات :
عادت الأطراف الليبية لاستعمال سلاح “النفط” لتسوية صراعاتها السياسية، في ظرف دولي حساس، كسرت فيه أسعار “البترول” سقف: 100 دولار للبرميل، بسبب تداعيات الحرب الروسية في “أوكرانيا”، وهو ما من شأنه إثارة قلق العواصم الغربية؛ وعلى رأسها “واشنطن”.
حيث أعلنت “المؤسسة الليبية للنفط”، في 17 نيسان/إبريل الجاري، حالة القوة القاهرة بعد إقفال مجموعة حقل نفط “الفيل”، في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، بعدما منعت مجموعة؛ (لم تُحددها)، المستخدمين من الإنتاج.
ويأتي قفل حقل “الفيل” النفطي، بعد إعلان مجموعة تصف نفسها: بـ”الأعيان”، غلق “ميناء الزويتينة” النفطي والحقول المجاورة له؛ في الشرق الليبي، عبر بيان مصور من أمام الميناء.
وطالبت المجموعتان اللتان أغلقتا حقل “الفيل” و”ميناء الزويتينة” النفطيين؛ “عبدالحميد الدبيبة”، رئيس حكومة الوحدة، بتسليم السلطة، لـ”فتحي باشاغا”، رئيس الحكومة المكلفة من “مجلس النواب”؛ في “طبرق”.
وبالنظر إلى أن كلاً من حقل “الفيل” و”ميناء الزويتينة”؛ يقعان في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “خليفة حفتر”، فإنه ليس من المستبعد أن يكون وراء استخدام ورقة “النفط” الضغط على “الدبيبة”؛ لتسليم السلطة لـ”باشاغا”، كما فعل ذلك مرارًا في سنوات سابقة؛ بحسب تقرير لوكالة (الأناضول) التركية.
لكن “حفتر” يُفضل الدفع بمدنيين من أنصاره لغلق الحقول والموانيء النفطية لتجنب أي ضغوط دولية أو ملاحقات جنائية.
وفي آذار/مارس المنصرم، أغلق مسلحون بمنطقة “الزنتان”؛ (170 كلم جنوب غرب طرابلس)، صمام خط نفط حقلي: “الشرارة” و”الفيل”، والذي يربطهما بـ”ميناء مليتة” النفطي؛ (غرب طرابلس).
“أميركا” غاضبة و”حفتر” مستفيد..
وفقدت “ليبيا”؛ حينها: 330 ألف برميل يوميًا من صادراتها النفطية، في ذروة ارتفاع أسعار “النفط”، ما أثار استياء “الولايات المتحدة الأميركية”، التي كانت تضغط على الدول المصدرة لـ”النفط”، لزيادة صادراتها للسوق الدولية من أجل استقرار الأسعار.
وطالب المبعوث الأميركي إلى “ليبيا”؛ السفير “ريتشارد نورلاند”، بفك الحصار عن “النفط”.
ولأن “الزنتان” تقع في منطقة سيطرة “حكومة الوحدة”؛ أمر “الدبيبة”، قواته؛ بالتحرك لفتح الصمامات بشكل عاجل، لكن هذه المرة حقل “الفيل” و”ميناء الزويتينة”؛ يقعان خارج نطاق سيطرته، ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا، وقد يستدعي ضغطًا أميركيًا ودوليًا.
ومن شأن غلق “الفيل” و”الزويتينة”؛ تقليص صادرات “ليبيا” النفطية، التي وعد “الدبيبة” بزيادتها استجابة للطلبات الأميركية والغربية، وأيضًا نكايةً في “روسيا”؛ التي تدعم حكومة “باشاغا”.
ويظهر ذلك جليًا في تصويت “ليبيا” لصالح إدانة: “الغزو الروسي لأوكرانيا”، بل كادت أن تكون الدولة العربية الوحيدة التي أيدت: “تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان”، في تصويت بـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
بينما من مصلحة “موسكو”، حليفة “حفتر”، تراجع صادرات “النفط” الليبية، لأنه يُعقّد من مساعي الغرب لوقف استيراد المحروقات ومواد الطاقة من “روسيا”، التي تملك نفوذًا قويًا في مناطق سيطرة “حفتر”؛ عبر شركة (فاغنر) الأمنية.
فالصراع الداخلي على موارد “النفط” يتصاعد في “ليبيا”؛ ويأخذ بُعدًا دوليًا، خاصة أن الدول الأوروبية تنظر إلى “ليبيا”؛ كبديل لـ”النفط والغاز الروسي” إلى جانب دول أخرى، خاصة أنها تملك أكبر احتياطي لـ”النفط” في “إفريقيا”؛ وثاني أكبر مُنتج له، ناهيك عن احتياطات هامة من “الغاز”، معظمها غير مستغل.
لكن “حفتر”، الذي يُسيطر على معظم حقول “النفط والغاز” والموانيء النفطية، يُريد هو الآخر اللعب بورقة “النفط”، رغم أنها قد تنقلب عليه، في ظل صراع القوى الدولية الكبرى.
إذ إن وقف حكومة “الدبيبة”؛ تسليم رواتب عناصر قوات “حفتر” يدفعه للضغط بورقة “النفط”، دون أن يستفز الدول الغربية؛ وعلى رأسها “الولايات المتحدة”.
لذلك نفى “أحمد المسماري”، المتحدث باسم قوات “حفتر”، أن يكون الأخير أصدر تعليماته منذ أيام للبدء في الإغلاق التدريجي للحقول والموانيء النفطية، كما تداولته شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن على الأرض تم فعلاً قفل ميناء وحقل نفطي في مناطق سيطرة قوات “حفتر”، منذ 16 نيسان/إبريل الجاري، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بموافقتها وإيعاز منها.
جس نبض..
ورغم أن إنتاج حقل “الفيل” النفطي أقل بكثير من حقل “الشرارة” المجاور له، وكذلك حجم الصادرات من “ميناء الزويتينة” أقل من الصادرات النفطية من ميناءي: “السدرة” و”راس لانوف”، في منطقة الهلال النفطي؛ (شمال وسط)، فإنه من غير المستبعد أن تستمر عمليات الإقفال تدريجيًا بعد جس نبض ردة فعل الأطراف الداخلية والخارجية.
فكمية “النفط” المُصدرة من “ميناء الزويتينة” وحقل “الفيل” ليست بالكبيرة، ولا يمكنها التأثير بشكل بارز على إمدادات “النفط”، إذ شهدت أسعار “النفط”؛ في نفس اليوم الذي تم فيه إعلان القوة القاهرة بـ”ليبيا”، استقرارًا عند: 111.7 دولار بالنسبة لبرميل “نفط خام برنت”.
كما أن هذه الإقفالات لا تؤثر كثيرًا على “حكومة الوحدة”، التي ما زالت تحظى باعتراف دولي، ودعم من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط؛ “مصطفى صنع الله”، ومحافظ البنك المركزي الصديق الكبير.
شدد رئيس نقابة شركة الخطوط الجوية الليبية؛ “سعيد عبدالله”، على رفضهم قطع موارد “طرابلس” النفطية، داعيًا إلى استئناف الإنتاج في الحقول بأسرع وقت ممكن. ودعا “عبدالله”: “الإخوة في شرق ليبيا”؛ إلى التراجع عن إيقاف إنتاج وتصدير “النفط”.
إلا أنها ستمنع، بحسب “وزارة الطاقة” الليبية: “الحصول على عوائد مجزية منتظرة من بيع النفط الخام والغاز”.
“باشاغا”، الذي سبق أن أعلن رفضه استخدام سلاح “النفط”؛ الذي بيد “حفتر”، من أجل تسلم السلطة في “طرابلس”، اتهم حكومة “الدبيبة”: “بإهدار المال العام”، وتسخير ثروات الدولة: “للاستمرار في السلطة”.
لكنه؛ قال في بيان، إنه سيواجه ذلك: “بالطرق السياسية”، حيث كثف “باشاغا”، بمقر إقامته في “تونس”، من لقاءاته مع قادة كتائب عسكرية في الغرب الليبي، وخاصة من “طرابلس ومصراتة”، والتي دعا بعضهم كلاً من حكومتي: “الدبيبة” و”باشاغا”، لعدم استخدام القوة لحل خلافاتهما السياسية.
وتحييد الكتائب الداعمة لـ”الدبيبة” من الصراع، سيفتح المجال لحكومة “باشاغا” من دخول العاصمة، التي وعد بأنه لن يعمل إلا منها، لكنه منذ مطلع آذار/مارس الماضي، لم تتمكن حكومته من أخذ زمام الأمور في العاصمة ولم تحظَ حتى الآن باعتراف دولي.
كما أن القوة التي شكلها “الدبيبة”، لحماية حكومته، ما زالت تحكم سيطرتها على المقرات الحكومية بـ”طرابلس”، ما حال دون دخول حكومة “باشاغا”، والقوات الموالية لها إلى العاصمة.
ولا يبدو أن الكتائب العسكرية؛ سواء في المنطقة الغربية أو حتى قوات “حفتر”، مستعدة لخوض حرب جديدة بعد أن استنزفت في معارك كثيرة؛ خلال السنوات العشر الأخيرة، خاصة في ظل توازن القوى بين الشرق والغرب.
لذلك ينتهج كل طرف أسلوب المغالبة والضغط على الطرف الآخر لإيصاله إلى مرحلة اليأس عبر استعمال عدة أوراق ضغط، على غرار “النفط”، لكن ذلك يُكلف البلاد تفويت فرصة جني ثمار الارتفاع القياسي لأسعار “البترول”، مثلما حدث في 2013.