انا لا اتحدث عن الاختلاف بين السنة والشيعة كطوائف ، ولا عنه كافراد . بل اتحدث عن الوجه الآخر للصراع واقصد به التيارات السنية الشيعية المستحدثة في المنطقة . .
فالصراع السني الشيعي في منطقتنا هو صراع سياسي بالتمام والكمال ، اتخذ طابعا طائفيا لتنفيذ مآرب واهداف سياسية .
والنزاع الظاهري بينهما يستند على اسس جيوستراتيجية أكثر مما هو انقسام أيديولوجي .
بدأ ذلك فعلا عندما قامت امريكا بتنفيذ سياستها القمعية بالشرق الاوسط بعد هجمات 11 ايلول /سبتمبر 2001 . فقامت بغزو افغانستان ثم العراق .
وفي العراق عملت على تقسيم الشعب الى مكونات كخطوة اولى لتنفيذ اهدافها في خلق نزاعات محلية بين المكونات لانتاج الفوضى وتقويض سلطة الدولة . ثم مكنت ايران من التوسع في المنطقة .
أمريكا لاتحب ايران ولا السعودية ولا تحب الشيعة ولا السنة , وهي تبحث دائما عن مصالحها واستمرار نفوذها .
بعد غزو العراق سعت امريكا ومن وراءها الغرب على احتواء ايران من خلال اشغالها في المنطقة ، والهائها بصراعات محلية ، فعملوا على دعمها وتمكينها لخلق توازن في القوى مع محيطها السني الاكثر عددا وعدة ، حتى تنشغل في صدامات نظرية ثم عسكرية بواسطة اطراف موالية لها ، مستغلين طموحها في تصدير الثورة .
والسنة الذين رفضوا التنازل عن مكاسبهم السياسية تطرف البعض منهم وحمل السلاح . واكتفى الاخرون بالنقد في مواجهة مايعتقدوه خطر وجودي عليهم .
اندفعت ايران في طموحها السياسي بدعوى حماية المذهب ، مستغلة نسبة الجهل والامية ، فانخرطت اذرعها في صدامات مسلحة في العراق وسوريا واليمن ، وتأزيم الموقف في لبنان الى حد الافلاس .
ومازال الشوط مستمرا . فلم تدرك ايران ان توسعها هذا مؤقت لتنفيذ بعض الاهداف ، كاشغال المنطقة بحروب محلية ليس فيها رابح ولا خاسر . ثم جعلها عدوة بديلة عن اسرائيل . لتقضي بذلك والى الابد على الصراع العربي الاسرائيلي .
وكذلك الاسلام السياسي السني مازال يكابر ولا يدرك انه مخلب قط للمشاركة في الصراعات المحلية دون الحصول على حكم حقيقي في اي دولة في المنطقة !
انها ليست نظرية المؤامرة !
انظر كيف انسحبت امريكا من العراق عام 2011 وظهرت داعش في العراق وسوريا . فعملت على ضرب الشيعة والسنة والمسيحيين واليزيديين والدروز … دون تمييز .
وانظر الى الوضع السوري كيف تحول الربيع العربي الى صراع سني شيعي ، فالجهات الفاعلة في الحرب في سوريا كانت مشروطة باستراتيجية التطرف والطائفية حيث يتم فرض البعد الديني للتغطية على إستراتيجيات سياسية أعمق تلبي أهداف كل المشاركين في الداخل والخارج .
فتم تدمير الشعب قبل المدن .
وانظر الى اليمن التي كانت وادعة نتيجة العقيدة الزيدية المتسامحة كيف دخلت في حرب اهلية ، وهناك من يؤجج الصراع السياسي المميت بين الاطراف المتنازعة والى يومنا الحاضر فراح ضحيتها الشعب اليمني المغلوب على امره .
المملكة العربية السعودية دفعتها مصالحها السياسية في المنطقة لدعم الجيش المصري للإطاحة بمحمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين ، فتلاشى النفوذ السياسي السني الذي اعتمدت عليه طوال عقود .
وتدخلت في اليمن للحفاظ على هيمنتها في المنطقة .
وقطر الاخرى تدير ظهرها للسعودية منطلقة من مصالحها، ومصالح حلفائها للعب دور مهم في المحيط الاقليمي والدولي …
ثم انسحبت امريكا من افغانستان السنية المتطرفة في محاولة لمواجهة ايران .
وباكستان تقف على حدودها لتأجيج الصراعات بظاهرها الطائفي وبواطنها السياسية .
ان الصراع بين ايران وجيرانها العرب صراع قوميتين اتخذ الشكل الطائفي لتنفيذ الاهداف السياسية !
فتم اشعال المنطقة في حروب محلية وخلط الاوراق لتنفيذ المآرب السياسية المحددة سلفا .
في الحرب العراقية الايرانية التي امتدت ثمان سنوات كان الشيعة العراقيون عمومًا موالين لبلدهم ، تمامًا كما ظل السنة في إيران موالين لبلدهم .
فكيف تغير الحال واصبح الصراع طائفيا ؟
هل هو الذكاء الاسرائيلي لطي صفحة النزاع العربي الاسرائلي ؟ ام هو المخطط الامريكي الغربي للسيطرة على موارد الشرق الاوسط الغنية ، واشغالهم بمعارك جانبية لحماية اسرائيل .
في كل الاحوال تم تنفيذ هذه المخططات بنجاح تام .
وبناء على كل ذلك لايمكن النظر الى الصراع الطائفي في الشرق الاوسط الا كونه السطح الظاهري للرهانات والنزاعات الاقليمية والدولية الجيوسياسية في هذه المنطقة الحيوية من العالم .
ان ما نراه من تشديد الانقسام بين السنة والشيعة ، ماهو الا خطاب اعلامي يتعلق بالتعبئة لتنفيذ اهداف ومخططات سياسية اقليمية ودولية .
هذا هو الوصف الحقيقي للنزاع السياسي في الشرق الاوسط الذي اتخذ طابعا طائفيا للاستقطاب ولاضفاء الشرعية او القدسية الزائفة عليه .
لذا يتوجب علينا جميعا العودة الى الرشد ، الى قيمنا وثقافتنا التي كانت في وقت قريب مضرب الامثال في التآزر والتسامح ، والعلاقات الاجتماعية المبنية على التعاطف والاحترام المتبادل .
أنّنا يجب ان ننتبه الى المخططات السياسية الخبيثة ، وان نلتفت الى موقعنا في النظام العالمي الجديد ، الذي بانت ملامحه الان . نظاما خاليا من الهيمنة الاحادية . ونعمل على التعاون لمافيه خير شعوبنا بعيدا عن احلام العصافير التي لم نحصل من وراءها سوى الالام والخراب ، وضياع اجيالنا في الامية والفاقة والخذلان ، فالنزاعات الاقليمية والمحلية في ظاهرها وباطنها لن تجلب لنا اي مستقبل سليم .