قرامطة وشيوعيون ؟ (3)

قرامطة وشيوعيون ؟ (3)

خاص : دراسة بقلم – سعيد العليمي :  

ومن أهم كتابات السُنة عن “الإسماعيلية” كتاب “الغزالي”: (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية). (المتوفي: 505هـ – 111م)، وهو تقليدى فى عدواته لكل الفرق المخالفة؛ فضلاً عن “الإسماعيلية”. وقد اتهم “حجة الإسلام” من قبل “فخرالدين الرازي”؛ بأنه أساء فهم مذهب “الإسماعيلية”. ويساير كتاب “الغزالي” كتاب (تلبيس إبليس)؛ لـ”جمال الدين بن الجوزي” الحنبلي، (المتوفي: 597هـ – 1200م)، أما كتاب قاضي القضاة؛ “عبدالجبار بن محمد” الفقيه المعتزلي؛ (المتوفي: 415 أو 416هـ – 1024 أو 1025م)، المعنون: (دلائل نبوة سيدنا محمد)، فيعتمد على “ابن رزام”، وقد غالى في عداءه لـ”القرامطة” أيضًا.

وقد اتسمت تلك الكتابات باعتبارها ذات طابع ديني بالتحامل والتعصب، حيث لم يكن من شأنها أن تُقدم وجهة نظر موضوعية، وإنما كان هدفها الجدال مع الفرق المخالفة، وقد تحدث المؤرخ “المسعودي” في كتابه: (التنبيه والإشراف عن الجدليين بإزدراء). ولم يكن متوقعًا من أصحاب هذه الكتابات، الذين شدتهم لسلطة الخلافة أواصر متينة، أن ينظروا أو يدركوا المحتوى الاجتماعي للصراعات التي اتخذت شكلاً دينيًا باعتبارها صراعًا بين طبقات وفئات اجتماعية على السلطة والنفوذ؛ وإذا كان هذا المعنى غامضًا عند البعض فلم يكن من مصلحة من أدرك مغزاه أن يكشف عن ستره. فهم إجمالاً لم يكن هدفهم نشدان الحقيقة، بل كانوا يسعون إلى إيجاد تبريرات دينية لتحيزاتهم الطبقية، وهذا المنهج أدى بهم إلى إغفال الوقائع التي لا تروقهم بل وتشويه الحقائق التي لا تنسجم؛ خاصة مع مصالح الطبقة التي يُمثلونها.

أما كتابات فرق الشيعة الأخرى فتتمايز من زاوية مواقفها من المذهب الشيعي الإسماعيلي، فكتب الشيعة الإمامية الأولى تتسم بالاعتدال في مواقفها، ويُمثلها: (المقالات والفرق)؛ لـ”القمي”، و(فرق الشيعة)؛ لـ”النوبختي”، وقد عدد “الطوسي” في كتابه: (الفهرست)، بعض من ردوا على المذهب الإسماعيلي من الشيعة الإمامية مثل: “الفضل بن شاذان النيسابوري”، حيث كتب: (الرد على الباطنية والقرامطة)، و”محمد بن علي بن عبدك أبوجعفر الجرحاني”، وله كتاب: (الرد على الإسماعيلية)، وكذلك “محمد بن يعقوب الكليني”؛ المعروف بكتابه: (الكافي)، وهو من أهم الكتب الأربعة المعتمدة في الأحكام الفقهية لدى الشيعة الإمامية، وله كتاب خاص في الرد على “القرامطة”. ويُضيف الدكتور “محمد كامل حسين”؛ في مقدمته لكتاب: (المجالس المستنصرية)، إلى هؤلاء “أبوسهل القزويني”؛ العالم الشيعي الخراساني؛ (المتوفي 260هـ). و”فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني”؛ (المتوفي: 319هـ)، و”محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني”؛ (217هـ)، و”محمد بن موسى” الكاتب القزويني (المتوفي: 283هـ)، فهؤلاء جميعًا كتبوا رسائل في الرد على “الإسماعيلية”. وألف “علي بن أحمد” الكوفي؛ (توفي: 352هـ)، كتابين أحدهما باسم: (فساد عقائد الإسماعيلية)، والثاني باسم: (الرد على الإسماعيلية في المعاد). ورغم أن المذهب الإسماعيلي الجديد قد أثر على مشايعي فرق الشيعة الإمامية؛ خاصة بعد دخول إمامهم الثاني عشر في الغيبة، وهو الإمام “محمد بن الحسن العسكري” (المهدي)، وتأخر رجعته مما جعل أنصاره يتحولون إلى الفرق الإسماعيلية الجديدة، نقول رغم هذا احتفظت كتابات الشيعة الإمامية باعتدال لهجتها، بإستثناء فترات تزايد الخطر الفاطمي على “الخلافة العباسية”، فآثرت الأخيرة أن تطعن في نسبهم العلوي وفرضت مشاركة الطالبيين في ذلك.

أما كتابات الشيعة الزيدية – ومنها كتاب: (سيرة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسن)؛ لمصنفة “على بن محمد بن عبيدالله” العباسي العلوي، و(كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة)، من تصنيف “محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليماني”، (وبيان مذهب الباطنية وبطلانه)؛ المنقول من كتاب (قواعد عقائد آل محمد) – تأليف “محمد بن حسن الديلمي”، فإنها جميعًا تتخذ موقفًا يتميز بالعداء الضاري بسبب الصدامات العسكرية التي وقعت بين “الزيدية” و”القرامطة” في “اليمن”.

أما المصادر الإسماعيلية الرئيسة؛ فهي معظمها ذات طابع ديني أو فلسفي تأويلي، وهي لا تضيف الكثير بشأن الأطوار السرية الأولى للدعوة، وهي لا تُشير إلى “القرامطة” ولا لفكرهم الاجتماعي، وخاصة إلى مجتمع “الألفة المشاعي”. ويُعتبر كتاب: (افتتاح الدعوة وابتداء الدولة)؛ للقاضى “أبوحنيفة النعمان” التميمي المغربي؛ (توفي: 363هـ)، العمل التاريخي الأول في الأدب الإسماعيلي؛ الذي يخلو نسبيًا من محاولة تكييفه وفقًا لمتطلبات العقيدة الدينية، أو احتياجاتها الآنية. ولا تشوبه ما يشوب معظم الكتابات الإسماعيلية من لى عنق الحقائق لتلائم النبوءات والنظريات الصوفية حول رمزية الأعداد والتوقعات الفلكية، والأفكار الدينية، والخرافات الشعبية – وذلك على حد تعبير “فلاديمير إيفانوف”؛ فى كتابه: (نشؤ الدولة الفاطمية) (14). ويتضمن كتاب: (المجالس والمسايرات) – للقاضي “أبوحنيفة النعمان” أيضًا – كثيرًا من المعلومات التاريخية، وترد إشارة صريحة واحدة إلى “القرامطة”، كما يرد في جميع كتابات “النعمان” – التي سنستعملها في دراستنا، كالمصادر المذكورة عاليه، وأيضًا كتابه المعروف خاصة بدعائم الإسلام، وتأويل دعائم الإسلام، إشارات تاريخية مفيدة بصدد عديد من قضايا تطور الدعوة الإسماعيلية، خاصة في مواجهة غلاة الإسماعيلية ذاتها، وما يتعلق بإمامة “المهدي”. ولا شك أن كتاب: (اختلاف أصول المذاهب)؛ للقاضي “النعمان” أيضًا؛ يضع الأصول “النظرية-التاريخية” لضرورات نشأة المذهب الإسماعيلي ذاته في مواجهة المذاهب الأخرى.

ويمكن اعتماد كتاب: (استتار الإمام)؛ الذى كتبة “أحمد بن إبراهيم النيسايوري” – وقد توفي في أوائل القرن الخامس الهجري في عهد “الحاكم بأمر الله” – لتغطية فترة تاريخية تبدأ بهجرة “عبيدالله المهدي” إلى “المغرب”، أي قبيل إقامة “الدولة الفاطمية”، وهي تُشير لـ”قرامطة الشام” في بعض مواضعها. وينوه “إيفانوف” إلى أهميتها وإمكانية التعويل عليها، ويُعتبر أن هناك إمكانية لتكوين صورة تاريخية معتمدة إذا تم الضفر بين حوليات “الطبري” وما يُقدمه “النيسايوري”. وتنبغي الإشارة أيضًا أن للمؤلف المذكور مصنف ذو أهمية هو: (إثبات الإمامة)، وهي قضية تُعتبر مناط الدعوة الإسماعيلية، وهو كتاب جدالي في المقام الأول. ويُضاف إلى: (استتار الإمام)، الكتاب الذي كتبه؛ “محمد بن محمد اليمني”، في بداية حكم “العزيز” الخليفة الفاطمي والموسوم باسم: (سيرة جعفر الحاجب)، التي يحتمل “إيفانوف” أنها كتبت في: 385 – 386هـ / 975 – 996م.

ومن الكتابات الإسماعيلية ذات الأهمية الخاصة في دراستنا؛ ذلك الرد الإسماعيلي الذى كتبه الداعي “علي بن محمد بن الوليد الأنف العبشمي القرشي”؛ (توفي: 612هـ)، تحت اسم: (دامع الباطل وحتف المناضل)، وهو الكتاب الذي فند فيه جملة جملة، وفقرة فقرة كتاب حجة الاسلام الإمام “الغزالي” المُسمى: (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية)، ورغم خلو الكتاب من أية معلومات تاريخية بحكم أنه وضع لغايات جدالية إلا أن قيمته لا تُقدر؛ لأنه يُحاول نقض الصورة السُنية التقليدية عن الإسماعيلية، وربما كان هذا أكمل رد إسماعيلي على الإفتراءات التي ووجهت بها حركتهم.

ويمكن لنا أن ندخل في عداد المصادر والكتابات الإسماعيلية؛ كتاب: (صورة الأرض)؛ لـ”ابن حوقل”، المتوفي في أواخر القرن الرابع الهجري أو العاشر الميلادي، وهو يُقدم أقدم وصف تاريخي عن “دولة القرامطة” في “البحرين” ونظامها السياسي. وقد وردت إشارة في كتابه المذكور لم يلتفت إليها أحد من الباحثيين من قبل، وهي تتعلق بالداعي “حمدان بن الأشعث”؛ الذي أشارت المصادر التاريخية إلى اختفاءه في “العراق” بصورة غامضة، فقد ذكر حين حلوله بـ”المغرب”. أنه سمع: (أبا الحسن بن أبي علي الداعي المعروف كان بحمدان قرمط، وهو صاحب بيت مال أهل المغرب يقول فى سنة ست وثلاثين وثلاثمائه….)، الأمر الذي قد يُغير الفروض التاريخية التي افترضها بعض الباحثين من اختلافة مع قادة الدعوة بسلمية ومن إرتداده عن الدعوة ذاتها. وهو الأمرالذي سنُعالجة في موضعة من هذه الدراسة.

والمصدر الثاني الذي يُكمل الصورة التي قدمها “ابن حوقل” عن “دولة القرامطة”؛ في “البحرين”، هو كتاب: (سفرنامة)، الذي كتبه حجة خراسان الداعي الإسماعيلي؛ “ناصر خسرو”؛ (توفي: 481هـ – 1088م)، فقد خصص “ناصر خسرو” قسمًا من كتابه لوصف “دولة القرامطة” من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ حين زار منطقة “البحرين”.

وميزة هذان المصدران أنهما يُصفان “دولة القرامطة”؛ في “البحرين”، بموضوعية ودون تحامل ويمكن أن نُضيف إلى جملة المصادر الإسماعيلية: (رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا)، فرغم الخلاف بين الباحثين حول مؤلفيها وتاريخ كتابتها، إلا أن هناك اتفاقًا بين جملة من الباحثين على اعتبارها من الأدب الإسماعيلي، وهو ما يمكن إدراكة من مقارنة القضايا الأساسية، المطروحة فيها مع الأدب الإسماعيلي الذي يُمثله الدعاة الأوائل كـ”النسفي” و”السجتاني”.

وقبيل أن نختم حديثنا عن المصادر الإسماعيلية؛ يهمنا أن نُشير إلى تلك المخطوطة التي اكتشفها باحث إسماعيلي معاصر هو: “د. عارف تامر”، والمخطوطة اسمها: (شجرة اليقين) (15)، وهي منسوبة إلى (عبدان) أبرز دعاة “قرامطة العراق” في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. ولكن “عارف تامر” لم يُبرهن علميًا من خلال دراسته للمخطوطة على نسبتها إليه، فقد أكتفى بوجود اسم “عبدان” عليها فاعتبرها من ثم واحدة من مؤلفاته. ومن الجدير بالذكر أن “ابن النديم” في (الفهرست) لم يُشر إلى: (شجرة اليقين)، كما أنه لم يرد في أي من المصادر بما فيها (المرشد للأدب الإسماعيلي) لمؤلفه “فلاديمير إيفانوف”، الذي وضع ثبتًا بالكتابات الإسماعيلية. ولا شك أن تحقيق المخطوطة علميًا بدراسة بنيتها الفكرية ورد المقولات المطروحة فيها إلى فترة زمنية معينة، كان أمرًا يمكن أن يُحدد بشكل تقريبي العصر الذي كُتبت فيه، وإذا كان كثير من المصنفين قد انتحلوا اسم “عبدان” لمؤلفاتهم، فمن الصعب إذاً الاعتماد عليها واعتبارها إحدى مؤلفاته. وقد أشار “ابن النديم” في (الفهرست) إلى أن واحدًا من الكتاب يُدعى: “خشكناكه الكاتب” قد: (ألف عدة كتب ونحلها عبدان صاحب الإسماعيلية) (16). وأن بني “حماد المواصلة”؛ (قد صنفوا كتبًا وأضافوها إلى عبدان) (17). أما المصادر الإسماعيلية فتنفى أية علاقة بـ”عبدان القرمطي”. ففي (المرشد للأدب الإسماعيلي)؛ يقول “إيفانوف” عن إحدى الشخصيات التي صادفها في بحثة في التراث الإسماعيلي واسمه: (سيدنا عبدان)، “إن التقليد الإسماعيلي الراهن يُصر على أن عبدان هذا لا علاقة له بالداعي الإسماعيلي أو القرمطي الأول الذي مات في: 286هـ / 889م، والذى أشير إلى اعمالة عند “ابن النديم”. والتاريخ الحقيقي لوفاته غير معروف (18). ويفترض أنه عاش خلال العصر الفاطمي”. من ناحية أخرى يُشير الداعي الأجل “شهاب الدين أبي فراس” في: (رسالة مطالع الشموس في معرفة النفوس)، إلى “جابر بن حيان” و”عبدان” مرفقًا اسمهيما بعبارة “نضرالله وجهيهما”؛ ثم يذكر أن ما جاء به من عقائد قد تم التبشير به قبلاً من “جابر بن حيان” في مصنفة: (الإبتداء)، و”عبدان” في كتابه: (الميزان)، (19). ولكنه لم يمدنا بأيه معلومة عن “عبدان” هذا هل هو “عبدان القرمطي” أم الفاطمي أم “عبدان” آخر.

وكتاب (شجرة اليقين) هو أحد كتب التأويل الباطني، ويمكن إدخاله في جمله الأدب الإسماعيلي، وهو يتناول المقولات المذهبية كالتوحيد والتجريد والتنزيه، والجد والفتح والخيال، ويصعب على الباحث أن يكشف ما يُميزه بصفة خاصة إذا قارنه ببعض الأعمال الأخرى؛ التى تنتمى للأدب الإسماعيلي؛ مثل كتاب (الافتخار) لـ”السجتاني”، ولذا فإن فائدة (شجرة اليقين) تظل معدومة في تمثيل “قرامطة العراق”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة